في الوقت الذي تنطلق فيه عجلة التطور التنموي واحترام الحريات الى الامام بكل قوة في معظم دول العالم، نجد التطور عندنا في الخليج ينطلق الى الوراء! حتى دول الربيع العربي انفتحت على شعوبها وحاورتهم وسمحت لهم بهامش كبير من حرية التعبير عن الرأي، ونجد هامش الحريات لدينا يتراجع بشكل كبير حتى أصبح بعض دولنا سجنا كبيرا لمثقفيها وسياسييها! ولعلنا لا نبالغ ان قلنا اننا في الكويت نعيش في دولة نصف شعبها يكاد يكون محالاً الى النيابة بسبب آرائه السياسية!
قد أكون مبالغاً شيئاً ما، وقد اكون متجنياً على دولنا الخليجية التي ينعم شعبها بالعيش الرغيد كما يقال، ولكن الحقيقة التي يدركها الجميع ان هامش الحريات قلّ كثيرا والتحول الى النمط البوليسي في الحياة العامة اصبح اكثر وضوحاً. ولعل التفسير المنطقي لهذه الظاهرة هو ان بعض الانظمة الحاكمة تخاف من وصول رياح الربيع العربي اليها فبادرت بضربة استباقية للتيارات السياسية الاسلامية بالذات حتى تقطع الطريق على اي احتمال لوصول رياح التغيير اليها.
الذي لا تريد هذه الانظمة ان تستوعبه هو ان جميع التيارات السياسية في الخليج، من دون استثناء، تدرك جيدا وتؤمن ان وجود الأسر الحاكمة اليوم امر حتمي للاستقرار في هذه الدول، وانه لا يوجد تيار سياسي واحد يفكر ولو للحظة باستبدال النظام الحاكم اليوم بنظام آخر، وان كل ما تطالب به هذه التيارات هو تطوير النظام السياسي بحيث يضمن مزيداً من المشاركة الشعبية ومزيداً من الحريات العامة، وان هذا التطوير المنشود يتم من خلال القنوات الشرعية المعمول بها من دون اللجوء الى وسائل غير مشروعة ومن دون الاستعانة باطراف وادوات خارجية. ان ما يحدث اليوم في بعض دول الخليج هو تراجع شديد في احترام حقوق الانسان وتقهقر للوراء في مستوى الحريات العامة، في الوقت الذي تتفاخر فيه الدول المتقدمة بريادتها في هذا المجال وتسعى الامم المتحدة والمنظمات الدولية الى اصدار التشريعات التي تعاقب الدول التي تنتهك هذه الحقوق ولا تحترمها!
لقد وصل الامر الى ان يتم الاعتقال وفقا للهوية والتوجه الفكري او السياسي! فان كنت تؤيد رياح الربيع العربي مثلا فانت ارهابي، وان كان لديك تواصل مع اي من التيارات الاسلامية التي بدأت تحكم دول الربيع العربي فانت تسعى للانقضاض على الحكم حتى ان تبين انك ارسلت مبلغا من المال لاسرة معتقل بعد ان انقطع بها السبيل باعتقال معيلها فان اسمك في قائمة المطلوبين في المطارات!
الذي يحز بالنفس ان التيارات العلمانية والليبرالية بدلا من ان تقف في وجه هذا التوجه الخطير وتخفف من الانحدار السريع في مجال حقوق الانسان نجدها تدعم الحكومات وتؤجج الشرر لمزيد من التضييق على الاسلاميين، متناسية مبادئها التي تنادي بها طوال سني كفاحها ونضالها! وكلنا يعلم انها ستؤكل كما أُكل الثور الابيض!
كلمة اخيرة لاخواننا في دول الخليج: العدو الحقيقي لكم ولدولكم ليس التيارات الاسلامية وليس التيارات السياسية، ان العدو الحقيقي هو الطائفية البغيضة التي تحكم ايران والعراق، والتي لن تتردد لحظة في الالتفات اليكم بعد ان تهدأ الامور عندها وترتب اوراقها مع أميركا وتعالج المشاكل العالقة والمسببة لتأجيل التوافق الأميركي – الإيراني. هذا هو الخطر الحقيقي، اما التيارات الاسلامية فهي السند الحقيقي والداعم للجبهة الداخلية وتوحيدها، فلا تفرطوا في الخل الوفي من اجل عدوّ جليّ.
ان غاية مطالب التيارات الاسلامية والقوى السياسية هي الحكم بالعدل وتطبيق القانون واحترام الحريات وحقوق الانسان ورعاية ثوابت الدين وعاداته وتقاليده، وهذه كلها تصب لمصلحة الحكم، حيث سينشأ مقابل ذلك حب النظام والمحافظة عليه والذود عنه، انها المعادلة الكونية البسيطة: احترمني احترمك… حافظ على كرامتي أحافظ على وجودك.