مبارك الدويلة

كيف تعشق طاغية؟!

مع نهاية كل عام ميلادي تمر علينا ذكرى هلاك طاغية العراق صدام حسين، الذي نفذ فيه حكم الإعدام يوم السبت الموافق 12/30 /2006، والذي لا يذكر منه الكويتيون إلا سوء الجيرة ونكران الجميل، المتمثل في غزو بلادهم وتخريب منشآتها وتشريد أهلها وقتل أبنائها وترويع الآمنين فيها!
اليوم لا أريد أن أعيد ذكر هذه الحادثة التي جسدت سقوط طاغية جديد وأحد أهم الأسباب في تخلف العراق وتدمير إمكاناته، لكني أريد التطرق إلى ظاهرة غريبة شاهدناها بعد هلاكه، وهي الترحُّم عليه وعلى أيامه من قبل كثير من المثقفين العرب، وبالأخص من أهل السُنّة، الذين رأوا فيه سبباً في تحجيم طغيان العنصر الطائفي عند البعض من أصحاب الولاءات الفارسية، كما كانوا يرون فيه موحداً للعراق بكل فئاته وطوائفه وترابه، وها هو العراق اليوم يتمزق شر تمزيق!
وهذا كلام حق أريد به باطل، بل حق في ظاهره فقط، لأن صدام كان يكبح جماح السُنّة والشيعة سواء بسواء. نعم، فالسنة لم يكونوا يعيشون بكرامتهم إلا من تعاونوا معه في الظلم ووافقوه في إهدار كرامة الآخرين، وهؤلاء قلة قليلة من قيادات الجيش وحزب البعث الإجرامي، وأي واحد من هؤلاء يخالف خط صدام في الظلم والقمع يكون مصيره مصير ابن خاله وزير الدفاع عدنان خيرالله، أو نهايته كنهاية حسين كامل الذي لم يشفع له أنه زوج ابنته وصهره! لكن معظم الشعب كان يعاني القمع وكبت الحريات، ولم يكن أحد يجرؤ على إبداء رأي سياسي مخالف لتوجهات حزب البعث القومية. فالسُنّة لم يكونوا يعيشون أفضل أيامهم في عهد صدام، بل كانوا أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إمّا أن تكون صدامي الولاء بعثي الهوى وإلا أنت عميل وتستحق المطاردة والتنكيل! صحيح أن حال السُنّة اليوم أسوأ بعد سيطرة الميليشيات والأحزاب الطائفية على البلاد، لكن هذا لا يعني أنهم يترحمون على أيام صدام، التي لا يذكرون منها إلا الحروب وتكريس كل مقدرات الدولة للمجهود الحربي الذي لم يتوقف منذ أن حكم هذا الطاغية إلى أن تم طرده عنوة من الكويت، ولكن بعد خراب العراق وليس البصرة كما يقولون.
صدام حسين كان بياع كلام، وكان يجيد غسل أدمغة الشعوب المغلوبة على أمرها، وكان يعرف كيف يخاطب عقول العرب المتعطشين إلى الجهاد وطرد إسرائيل من فلسطين ولو بالكلام، وهذا الذي كان يمارسه، ويجيد تنفيذه. صحيح أنه أطلق كم صاروخ على اليهود سقطت في الرمال وخربت بعض الطرقات في الصحراء، لكن مع الأسف كانت كافية للاستحواذ العاطفي على الكثير من أبناء الأمة. لقد كان الكثير من العرب يعيشون أياماً حالكة السواد بسبب سطوة أنظمة دكتاتورية على معظم دولهم؛ مارست ضدهم القمع وكبت الحريات، وكان صدام حسين يمارس أشد أنواع الدكتاتوريات ضد شعبه، ولكنه عرف مدى الإحباط الذي يعيشه العرب فسلك الطريق الذي يكسب تعاطفهم ولو بالخيال.
وجود الطائفية لا يقلل من إجرام صدام وحزبه، ووجود قتل وتشريد للسُنّة اليوم بالعراق لا يعني أن نتمنى ونترحم على أيام طاغية مارس الدور نفسه ولكن بشكل آخر. الصحيح أن نذكر سوء كل هذه الممارسات الطاغية، ونعمل على إزالة الظلم بشكل أو بآخر. ما الذي يحرم الشعب العراقي من العيش الكريم؟ ما الذي يمنع العراقيين من أن يعيشوا أحراراً كما ولدوا أحراراً؟! يقول الشاعر العراقي:
أهوى الحياة كريمة
لاظلم لا إرهاب لا استخفاف بالإنسان
فإذا حييت حييت أحمل عزتي
يسري دم الاحرار في شرياني

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *