علي محمود خاجه

«لم يأكلنا أحد»

وقفنا في طابور طويل في مطار هيثرو لاسترجاع أموال الضريبة، وامتد وقوفنا لما يقارب التسعين دقيقة تقريباً، جنسيات وثقافات وأعمار وحالات مادية مختلفة وقفت تنتظر في هذا الطابور للوصول إلى دورها، وخلال فترة الانتظار يحاول شخصان من الكويت  بكامل أناقتهما وملابسهما الثمينة تجاوز هذا الوقوف الطويل واستثناء نفسيهما من الطابور، فيتصدى لهما رجل وامرأة من أوروبا الشرقية رافضين هذا التجاوز الفج، ويعلو صوتهما في الرفض، فيتدخل المسؤول عن الضرائب ويعيد الشابين الأنيقين إلى مؤخرة الطابور رغم علامات الغضب البادية على وجهيهما وتنتهي المشكلة. وبعد حين لاحظت أن الرجل والمرأة القادمين من أوروبا الشرقية لم تتجاوز أموالهما المسترجعة ما يعادل العشرين ديناراً فقط، في حين أن الشابين الأنيقين من الكويت كانا يحملان من فواتير استرجاع الضريبة ما قد يعادل الألف دينار أو أكثر. ماذا لو كانت حادثة الطابور هذه في الكويت؟ أعتقد أنكم تعرفون الإجابة جميعاً، وهي لب مشاكلنا أصلاً. بريطانيا تضم من تنوع الثقافات والاختلافات ما قد يوازي الكويت ودول المنطقة مجتمعة، ومع هذا لا يشعر البريطاني أن من يستوطن بلاده حديثاً قد سلب حقوقه، ولا يشعر بخوف من مدّ صفوي أو يهودي أو عرقي، ولا بـ»طرثوث» أو من أهل لندن من الحيتان، يعيش الشيوعي مع الرأسمالي والمسلم مع من يعبد الشيطان والغجري مع النبيل، والشاذ مع السوي، في بلد واحد يتسوقون من متجر واحد، يعملون في مؤسسة واحدة، يقطنون في مساكن متقاربة، يتنزهون في حديقة واحدة، يستخدمون حافلة واحدة دون مشاكل أو قلق من المختلف عنهم. أما نحن فإن توسعنا في العنصرية والتقسيم لن تتجاوز فئات مجتمعنا عشرة عناصر على أقصى تقدير، ومع هذا نعيش في هم وخوف وقلق، ويردد هذا «كلونا البدو»، و الآخر يقول «توسع صفوي»، وثالث يقول «حيتان ينهبون البلد»، و كل هذا القلق وببساطة لأننا لا نتعاطى مع طابور مطار هيثرو مثلما يتعاطون هم معه، مسطرة واحدة لا يتجاوزها أحد. علتنا ليست بعدد وليست بأفكار مختلفة ومتنوعة، قد تكون رجعية لدى البعض، ومتقدمة لدى البعض الآخر من فئات المجتمع، فمهما اختلفنا فلن نصل إلى عُشر اختلاف قاطني بريطانيا ومع هذا هم لا يعانون ما نعانيه من هاجس وخوف من الآخر. لن يأكلنا أحد، ولن يتمدد علينا أحد، ولن ينهبنا أحد، إن تملكنا ما يجمع الشعوب تحت مسطرة واحدة اسمها القانون لا تميز أحداً عن الآخر، والمصيبة أننا نملك القانون والإطار والمسطرة منذ خمسين عاماً، ومازلنا نطالب بتطبيق ما هو موجود أصلاً، لأن هناك حكومات متعاقبة تتعمد استثناء بعض الفئات من القانون فيشعر الآخرون بالظلم والخوف والقلق، ولن تنصلح الحال أبداً ما دمنا ندار بنفس عقلية اللا قانون تلك. هواجسنا يا كرام ليست سوى بعبع تديره الجهة المهيمنة على مؤسسات الدولة، ولن تزول إلا بفرض القانون قسراً عليهم. خارج نطاق التغطية: يزعجني جداً أن يتحدث بعض نواب الأغلبية المبطلة «تيار الصدفة» عن حكم المحكمة الدستورية المرتقب حول مرسوم الصوت الواحد، فهم لم يتوجهوا إلى المحكمة الدستورية كما فعل الملا والغانم والصرعاوي وأسيل والرومي للطعن واتباع الخطوات الدستورية القانونية، بل لم يؤيدوا هذا التوجه أصلاً… واليوم يخاطبون المحكمة الدستورية معتمدين على قصر ذاكرة الناس. بما أنكم لم ترتضوا تحكيمها فمالكم تنتظرون حكمها؟

سامي النصف

قرأت لك..

(From worst to first) كتاب لغوردون بيثون، يروي من خلاله تجربته في إدارة شركة كونتيننتال الأميركية للطيران والتي أحالها من أسوأ شركة الى أكثرها نجاحا حتى ارتفع سهمها خلال سنوات بـ 1700%، وقد خط مقدمة الكتاب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن طالبا بان تكون تجربة الكاتب قدوة لجميع الشركات سواء المختص منها بالطيران او غير المختص.

***

«شهادتي» كتاب مذكرات وزير الخارجية المصري احمد أبوالغيط ويذكر ضمنه ان الرئيس مبارك أخبره أكثر من مرة بأنه لا ينوي توريث ابنه جمال الحكم خاصة ان هناك معارضة أميركية قوية لمشروع التوريث، كما ان الرئيس المصري أسر له أكثر من مرة خلال سنواته الأخيرة بأن الإدارة الأميركية قد تخلت عنه وان «من يتغطى بالأمريكان يبات عريان».

*** 

«إنقاذ العراق.. وبناء أمة محطمة» كتاب للاقتصادي الشهير نمير امين قيردار تتضمن مقدمته إطراء وثناء من كيسنغر وبريجنسكي ويظهر خلاله أخطاء ما يحدث في العراق منذ انقلاب يوليو 1958 حتى اليوم، ويرسم خارطة طريق واضحة المعالم لكيفية خروج العراق من مأزقه وقد أعجبني استشهاد الكاتب بخطاب السياسي الفريد نوري السعيد الذي ألقاه في 12/17/ 1956، وقال ضمنه «من حق السياسي ان يجازف بحياته او سمعته ولكن ليس من حقه ان يجازف بسلامة وكيان بلاده» ولم يعجبني من الكاتب عدم ذكره لرفيق دربه في بنك انفستكورب العم عبدالرحمن العتيقي.

*** 

«في عين الإعصار» كتاب للسياسي العراقي عدنان الباجه جي، مليء بالثناء على الذات ونكران جميل الآخرين ومعروف عن الباجه جي تبنيه لمطالبات قاسم بالكويت 61 ـ 63، ورغم اعترافه ص 175 بأن سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد هو من شجعه وتوسط له في السبعينيات للعمل بالخليج حتى أصبح وزيرا في حكومة أبوظبي الا انك تشعر من خلال السطور وبشكل خفي بأنه مازال للأسف على عدائه الشديد للكويت.

***

«وطن من كلمات» كتاب من 500 صفحة لعدو الكويت وناكر جميلها الثاني عبدالباري عطوان الذي يذكر دون خجل او وجل فضائل الخارجية الكويتية عليه والسماح له بدخول البلاد حتى إبان إغلاق حدودها بعد مؤامرة الاغتيال الفاشلة لأمير البلاد منتصف الثمنينيات وكيف انه تزوج من الكويت آنذاك وهو الذي جعله يقول للملك عبدالله الثاني ملك الأردن ذات مرة انهما متزوجان من فلسطينيتين من الكويت، ولم يذكر في الكتاب كيف تحول من الفقر المدقع الى الثراء الفاحش ولماذا يحارب إسرائيل من لندن لا من غزة؟!

*** 

كتابي ذكريات ، الأول «في السجن والغربة» للدكتور الليبي جمعة عتيقة شقيق أمين عام منظمة أوابيك النفطية، المقيم في الكويت د.علي عتيقة والذي يكشف تجربته المرة مع القذافي وصدام، وأخطر منه كتاب الدكتور الليبي سعيد الليشاني «قصة كفاح» والذي عمل أمينا عاما للمنظمة العربية للتنمية الصناعية ومقرها بغداد ولديه كلام خطير جدا حول روابط مشتركة تتصل بصدام والقذافي وتجد ذلك في صفحتي 54 و154 من الكتاب الذي عليك قراءته لمعرفة أسرار ما يحدث في المنطقة.

***

آخر محطة: (1) «Ask the pilot» كتاب معلوماتي رائع ومشوق للطيار باتريك سميث تجد ضمنه إجابات لكل ما يخطر ببالك من أسئلة حول الطيران.. كتاب يستحق بحق ان يترجم للعربية.

(2) كتاب قديم جدا يستحق إعادة الطبع والقراءة من الجلدة الى الجلدة، الكتاب اسمه «الأيام اللبنانية» ومؤلفه هو اسكندر الرياشي الذي يعتبر أستاذا ومعلما بحق لكبار رجال الصحافة في لبنان أمثال سعيد تقي الدين وسعيد فريحة وغسان تويني وكامل مروة وميشال جودة وسليم اللوزي وغيرهم.

 

احمد الصراف

النزهة

ومضات السعادة في حياتنا قد تكون كثيرة ولكن قلة منها تبقى معنا سنة بعد أخرى، مهما تقدمنا في العمر، طالما لم نصب بالألزهايمر. ومن اللحظات الجميلة في حياتي حضوري أول عرض لأول فيلم سينمائي ملون وسكوب في تاريخ الكويت، وكان ذلك في سينما الفردوس، في بداية الستينات! ويعود فضل حضوري لشجاعة، او تهور، صديقي أبو أحمد، الذي تبرع بثمن التذكرتين والدخول بين جموع المتجمهرين أمام شباك التذاكر، وليختفي لقرابة نصف ساعة ويعود بعدها بالتذكرتين، ولكن من دون غترة ولا نعال، وبجيب دشداشة ممزق وشعر اشعث! بدأ الانبهار مع اللحظات الأولى التي بدأ فيها العرض، وظهور أسماء الممثلين واسم الفيلم الذي لن أنساه، ولكن نسيت قصته، وكان اسمه «النزهة» أو picnic. كما لا ازال، وبعد اكثر من نصف قرن، أتذكر ذلك الشعور بالزهو والراحة بالجلوس على كرسي وثير ومرتفع، مقارنة بكراسي السينما الشرقية القديمة. كما لا أزال اتذكر اصوات الآهات من حولي كلما ظهرت بطلة الفيلم الفاتنة كيم نوفاك على الشاشة بشعرها الأحمر الخلاب وابتسامتها اللعوب. وهكذا قضينا ما يقارب الساعتين ونحن نتابع بنشوة مصحوبة بقلة معرفة بأحداث الفيلم البسيطة، وكأننا نشاهد ملحمة تاريخية! وكان لا بد ان ينتهي الحلم عندما قرأنا كلمتي The End، والتي لا أعرف إلى اليوم لم تكتب، فإضاءة أنوار صالة العرض كافية لفهم أن العرض قد انتهى.. فينيتو!
ويوم أمس أعادني الصديق هشام السلطان لعدة عقود إلى الوراء عندما أهداني «سي دي» فيلم «النزهة» فأعدت مشاهدته أكثر من مرة، وانا في قمة الاستمتاع، واسترجعت كل الذكريات القديمة والجميلة، وحلاوة الحياة الهنية والبسيطة، وكيف كان العالم يعيش في امان اختفى مع زيادة الكراهية والعنف في حياتنا وفي مدننا، بعد أن خربت الذمم وانتشر الإجرام، واصبح الشر هو السيد والسائد، والخير هو الاستثناء!
ولدت كيم نوفاك، واسمها الحقيقي Marilyn Pauline Novak في فبراير 1933، اي أنها قد تجاوزت الآن الثمانين من عمرها المديد، ولا تزال صورتها في أذهان الملايين كما كانت في ذلك الفيلم وعشرات الأفلام الأخرى بعدها، كفيلم «الرجل ذو الذراع الذهبية»، وفيلم «منتصف الليل»، و«فيرتيجو»، و«قبلني ايها الغبي»، وغيرها من الأفلام الجميلة. وتعيش كيم الآن مع زوجها في مزرعة في ولاية أوريغون.
• • •
• ملاحظة: نعزي الشعب البريطاني، والأحرار من شعب الكويت برحيل البارونة مارغريت تاتشر، التي كان لها الفضل الأول في دفع الرئيس الأميركي جورج بوش، وحثه بإصرار على السعي، وبقية الحلفاء، على القيام بعملية تحرير الكويت من نير الاحتلال الصدامي! ولولا شجاعتها ومبادرتها لكنا اليوم، وفي أحسن الأحوال، جزءا من معدان الأهوار! 

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com