محمد الوشيحي

الأغلبية… بقزحياتكم تُعرفون

الله على الأغلبية البرلمانية المبطلة، الله على عزفها الرائع، يا سيدي ولا الفرقة الماسية بقيادة المايسترو المرحوم أحمد فؤاد حسن، الذي يقف بجاكيته الطويل من الخلف، وبابيونة بيضاء فاقع لونها تسر الناظرين، وفي يده عصا لا يهش بها على غنمه، وليس له فيها إلا مأرب واحد "ضبط التناغم بين العازفين".
ويخرج النائب السابق الصيفي مبارك الصيفي، بمصارحة مؤلمة لكنها مطلوبة، ليكشف لنا عن أن ١٧ نائباً ممن تعدون من نواب الأغلبية الأربعة والثلاثين ضد الشعار الأكبر الذي رفعته الأغلبية، الحكومة المنتخبة، أي أن نصف المعلنين عن تبني مشروع الحكومة المنتخبة غير مقتنعين بمشروعهم الذي تبنوه! ولك أن تضع ما تشاء من علامات التعجب والاستفهام والذهول وفغر الأفواه على مصاريعها المباركة.
وقبله قال لي زميله أسامة المناور، في برنامجي التلفزيوني، إنه أحد معارضي الحكومة المنتخبة، وقبلهما أعلن واحد من هنا، وآخر من هناك، وثالث من هنالك، رفضهم هذا المشروع المرفوع على أسنة البيانات التي تعقب اجتماعات الأغلبية البرلمانية المبطلة.
السؤال: إذا كان من حق المؤيد إعلان تأييده ومن حق الرافض إعلان رفضه، فلماذا لا نعرف أسماء المؤيدين للحكومة المنتخبة والرافضين لها؟ لماذا لا تكون هناك شفافية كما طالب الصيفي، ونحن لمطلبه هذا من المؤيدين؟
هل المطلوب منا، كناخبين ومحللين وإعلاميين، أن نلعب لعبة "التخمين"؟ عن نفسي أنا من عشاق هذه اللعبة. أحب التفرس في وجوه الآخرين وقراءة عيونهم وملامحهم وتخيُّل حالتهم النفسية، بل أغوص أحياناً في تخيل حياتهم الأسرية والعملية وأوضاعهم النفسية والاقتصادية. متعة صدقوني. جربوها لكن احذروا أن تتحول إلى إدمان كما هي حالتي، إذ يغني الفنان على المسرح، ورؤوس الناس تتمايل طرباً، بينما تتجه عيناي إلى أعضاء الفرقة الموسيقية، لأقرأ أحوالهم، وأتخيل نفسياتهم وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية ووو…
تعالوا نراجع مقاطع بيانات الأغلبية، ونتفرس في وجوه أعضائها أثناء قراءة البيانات، ونخمن من منهم الموافق على تبني مشروع الحكومة المنتخبة ومن منهم الرافض له، وخذوا هذه النصيحة، ركزوا على القزحية في داخل عين كل منهم أثناء تلاوة البيان، فمن ثبتت قزحيته فموقفه ثابت، ومن تحولت قزحيته إلى جرسون، رايح جاي، فهذا متردد، أما من تراقصت قزحيته وقضى وقته يهرش حنكه ويداعب شعيرات شنبه فهذا رافض أصيل عصرة أولى، لكنهم أجبروه فانصاع لهم، أو قل أحرجه الشارع فانصاع وخضع.
اتركوا بيانات الأغلبية وركزوا على قزحيات عيون أعضائها، بعد أن شهد ١٧ نائباً من أهلها باختلافهم حول الشعار الأكبر. و"من قزحيته… كشفت الناس نيته".

حسن العيسى

محنة المعارضة

ضمرت الأغلبية المعارضة، وضاعت في تشتت مواقف رموزها، فما بين مطلب الحكومة البرلمانية وتعديل المادة الثانية من الدستور أو أسلمة القوانين كشرط مسبق قبل الحكومة البرلمانية ضاعت الطاسة، وبين تكتيك "حدس" بمضمون أن الحكومة البرلمانية هي التي ستقر القوانين الإسلامية وتشدد حنبلية محمد هايف في أسلمة التشريعات بداية ونهاية، غرقت أحلام التقدميين في صفوف  المعارضة وانكمشوا على أنفسهم، ونأى الكثير منهم عنها منذ بداية تشكيلها، حين تصوروا أنها معارضة بلحية كثة وعصا طويلة ستلهب ظهورهم غداً، ولهم في ذلك بعض الحق وليس كله.
انتهت الأغلبية المعارضة، لأن عدداً من رجالها وضعوا أعينهم على صناديق الانتخابات ولم يَدُر في وجدانهم وضع برنامج سياسي وتصور كامل للحراك المعارض، كما شخص الزميل محمد الجاسم، فصناديق الأصوات أولى من وضع خطة إصلاح سياسي واقتصادي متكاملة تنهي وتضع حداً لدوران عجلة الفساد المالي والإداري التي تسحق مستقبل الدولة، وتبدد مقدراتها من أجل إشباع نهم الاستهلاك وشراء الولاءات السياسية.
بنظرة- ربما- أشمل يمكن أن نفهم ضمور المعارضة اليوم للأسباب السابقة، ولأسباب أشمل تكمن في واقع الدولة الريعي، حين تهيمن السلطة السياسية الواحدة على المقدرات الاقتصادية للدولة كلها، تهب وتسلب، تعطي وتأخذ، كما تريد وكيفما تشاء… تنفخ جيوب البعض وتسلب حريات الكثيرين، تفتح صنابير المال على الناس، وتحقن أوردتهم بأفيون عطايا دون مناسبة وتغيّب وعيهم عن مستقبل محفوف بمخاطر تمس وجود الدولة، حتى أضحت الكويت مجرد مشاريع من شاكلة أطول عمارة، وأكبر مستشفى، وأضخم مدرج رياضي، وبها كلها تنبض بالحياة كتل ضخمة من الفساد والتسيب، بينما هناك واقع مزرٍ للخدمات الصحية والتعليمية وأزمة مرور خانقة، وإدارات حكومية مكتظة بالموظفين الجالسين بلا عمل ولا إنتاج، وشباب يجوبون الشوارع بسيارات فخمة بلا هدف غير قتل حالة الملل والفراغ الروحي.
في تلك الدولة الريعية المتسلطة، هراوات الأمن تصبح قاسية على المعارضين، وقفازات القانون تتحرك بسرعة للكم مَن يتجرأ على النقد ويمارس حق التعبير، هي قفازات أدمت الكثير من الشباب القابعين اليوم في السجون… لأنهم تكلموا وعبروا عن حلمهم، ربما أساؤوا وسيلة التعبير، لكنهم لم يهددوا الدولة، ولم ينقلبوا على النظام، لكن الرد يأتي سريعاً، بأن هذا هو القانون، الذي لم يحترم، ولا يهم إن كانت القوانين قاسية أو متعجرفة، فالمهم أن تحترم هذا القانون فقط وما على شاكلته، أما بقية القوانين التي تحاسب على النهب المبرمج وجرائم الرشوة الكبرى والمحسوبيات فقد رُكنت جانباً في خزائن النسيان.
المعارضة، ضعفت وتشتتت، ويا فرحة جماعات المطبلين والمهرجين المداحين المتنعمين بخير المكرمات والعطايا، ويبقى السؤال قائماً، هل ستنهض المعارضة من جديد وتأخذ في حسابها أن منهج الإقصاء والتخوين لشرائح من المجتمع لم يعد مجدياً، وأن تدرك يقيناً أنه مادامت أسعار  النفط عالية فستكون مهمتها أصعب وأقسى؟

احمد الصراف

المخدرات والفريق غازي

بسبب منع تناول المشروبات الروحية، وارتفاع مستوى معيشة الفرد نتيجة الزيادة غير المعقولة في رواتب موظفي الدولة، وحالة الكبت والفراغ التي تلف البلاد، فبالتالي لم يكن غريبا انتشار المخدرات وزيادة ضحاياها يوما عن يوم، هذا بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الإدارة العامة لمكافحة تعاطيها وإدارة الجمارك، إلا أن تجار ومهربي هذه السموم، وفي كل العالم، يسبقون رجال الأمن بخطوة، وبالتالي ينحصر طموح أي جهاز مكافحة في تقليل شرورهم، وليس القضاء عليهم، وهذا يمكن أن يتم من خلال تطوير ورفع مستوى خبرة العاملين في مكافحة المخدرات، وتوعية الفئة المستهدفة من خطر الوقوع في فخ هذه السموم! ولكن الواقع يختلف عن التنظير، فما يتم رصده لجهود المكافحة شيء لا يذكر، مقارنة بإمكانات الدولة. كما أن أنشطة المكافحة وتدريب افرادها غالبا ما تكون بجهود محلية فردية، ولا أعتقد أن لهم نشاطا أو علاقات بالمسؤولين الأمنيين في الدول العريقة في المكافحة، أو التي تجلب منها المخدرات، وهي معروفة. كما أن سبل الوقاية الاجتماعية والتعليمية من هذه السموم شبه غائبة، فغالبية «المربين» التقليديين يفضلون عدم التطرق للمخدرات في المناهج، لتجنب لفت النظر إليها، وهؤلاء لا يزالون يعيشون في غير زمنهم! ولا أزال أذكر ما اخبرني به مسؤول قبل أكثر من 30 سنة من أنهم اكتشفوا بطريق المصادفة أنه كلما أغلقت الحدود بين الكويت والعراق، لسبب او لآخر، كانت اسعار المخدرات تقفز لأرقام خيالية، وهذا كشف أن ما يدخل البلاد من مخدرات بالطرق الرسمية أكبر مما يردها من الطرق الأخرى! وأعتقد أن الوضع لا يزال كما هو. كما لفت مسؤول آخر نظري إلى أن غالبية المهربين الذين يقبض عليهم هم عادة من الشباب قليلي التجربة والباحثين عن الثراء السريع، ومنهم من لم يسمع بما سيتعرضون له من احكام مميتة في حال القبض عليهم! وهذا يبين قصورا في توعية القادمين للكويت من دول محددة، فلو عرف بعض المهربين ما ينتظرهم من عقاب لما هربوها، أو لربما تخلصوا منها في الطريق!
***
وفي سابقة شجاعة شن وكيل وزارة الداخلية الفريق غازي العمر هجوما على من اسماهم منتقدي الوزارة! والقول إن مشكلة هؤلاء انهم ينطلقون في هجومهم من نظريات، وكأن وزارة الداخلية مسؤولة عن كل ما يحدث في البلاد، متناسين ان الوزارة تقوم بمهام تزيد بنسبة %60 تقريبا عما تقوم به الشرطة في الدول المتحضرة! وأضاف في تعقيب على مداخلة في ندوة خاصة أن وزارة الداخلية في الكويت طلب منها، اضافة الى دورها الأمني، القيام بحماية المنشآت الرياضية والمجمعات التجارية! كما طالت اتهاماته جهات حكومية تساهم في انتشار الجريمة، فبيوت جليب الشيوخ التي استملكتها الدولة منذ سنوات لا تزال بعهدة ملاكها السابقين الذين يقومون (في دولة كويتي وأفتخر) بتأجيرها على عشرات آلاف العمال العزاب! ووصف ذلك بالتقاعس الحكومي الذي ادى لانتشار الجريمة. وقال إنه لا يتنصل من مسؤولياته وواجباته، ولكن من الظلم تحميل وزارة الداخلية كل شيء. كما انتقد العمر نقص الامكانات، وكيف أن غالبية مباني الوزارة الداخلية مؤجرة من الغير!
والآن ألا يكفي كلام هذا المسؤول الأمني الكبير، لأن يجعلنا جميعا نشعر بالخجل؟ فكيف يمكن قبول أن دولة بكل هذا الثراء وكل البطالة السافرة والمقنعة بين شبابنا، حيث بلغ العدد الرسمي للباحثين عن عمل 22 ألف مواطن، ومع هذا يشكو أكبر مسؤول امني من مثل هذه العلل؟ ألا يدعو هذا حقا للرثاء؟

أحمد الصراف