سامي النصف

هل هناك حقاً سجناء سياسيون؟!

ضمن برنامج «مواجهة» الشائق على قناة الوطن، قرر المعدون مناقشة موضوع مهم هو «هل هناك معتقلون سياسيون في الكويت؟» وكان ضيوف الحلقة التي عرضت ليلة أمس وتعاد خلال الأيام المقبلة والتي يقدمها الإعلامي اللامع عبدالوهاب العيسى هم : النائب د.مشاري الحسيني والمحامي شريان الشريان والسفير جمال النصافي وكاتب هذه السطور.

***

والحقيقة ان ما تمارسه «بعض» القوى السياسية التي تحولت من مبدأ «كل استجواب بحساب» الى «كل خطاب بحساب برضه»، فيه زيف كثير وضرر كبير بسمعة دولة وشعب الكويت، وعكس لروح ديكتاتورية بغيضة ترسخت في عقولهم وسكنت قلوبهم، سنشهد بطشها وقمعها الشديد مع الثانية الأولى للتحول لمشروع رئيس الوزراء الشعبي والحكومة البرلمانية، حيث سينقسم شعبنا الطيب حينها الى سجناء سياسيين حقيقيين تضمهم معتقلات التعذيب تحت الأرض أو مهجرين لمشارق الأرض ومغاربها.

***

إن مصطلح «سجين سياسي» الذي يطنطن به البعض له تعريف محدد لدى منظمات حقوق الإنسان الدولية ويتلخص في انه السجين «دون تهمة جنائية» الذي يحاسب على معتقده وإيمانه السياسي لا فعله، وتتم محاكمته في محاكم لا ضمانات ولا محامين فيها ولا درجات تقاض، كحال المحاكم العسكرية والعرفية ومحاكم أمن الدولة المنتشرة في دول العالم الثالث وبالأخص الدول التي جعلتها بعض قوانا السياسية المثل الذي يجب ان يحتذى.

***

كما ينتهي حال السجناء السياسيين في تلك الدول «القدوة» لبعض قوانا السياسية الى سجون ـ الداخل لها مفقود والخارج مولود ـ وخير مثال على ما نقول محاكم الشعب والثورة وأمن الدولة في مصر وسورية والعراق وليبيا، وهي بلدان كانت تجرم الانتماء السياسي بذاته فيحاكم الشيوعي أو القومي العربي أو السلفي أو حزب الدعوة أو الإخوان المسلمين.. الخ، دون محامين امام محكمة رئيسها عسكري لا قاض كحال الصاغ جمال سالم في مصر والعقيد فاضل المهداوي في العراق ممن كانوا أكثر عداء وشراسة للمتهمين من النيابة العامة فهل هناك ممارسة كهذه في الكويت كي نتهم بوجود سجناء سياسيين فيها؟!

***

إن المتهمين في الكويت هذه الأيام لا يحاكمون على آرائهم ومعتقداتهم السياسية، حيث لا توجد تشريعات وقوانين تجرم المعتقد أو الانتماء السياسي للإخوان أو التكتل الشعبي أو التحالف الوطني أو التحالف الإسلامي أو المنبر أو السلف.. الخ. بدلالة أن زعامات تلك التوجهات جميعها حرة طليقة، ان ما يحاكم أمام المحاكم «العادية» ذات درجات التقاضي الثلاث وبوجود المحامين هو الشتم والإسفاف والتعدي على الآخرين والقفز على الدستور وتجاوز القانون واقتحام المباني العامة، فهل من العدالة بشيء أن يحاسب المواطن العادي اذا ما قام بتلك الأعمال المجرمة قانونا ويستثنى منضوي بعض القوى السياسية منها؟!

***

آخر محطة: (1) «كله بثمنه».. القضية سواء كانت أيام المجلس أو هذه الأيام ليست «وطنية» بل هي «مالية» ولو توقف مال الداخل والخارج لتوقف البعض فورا عما يفعله!

(2) دول بلدان الشرق الأوسط حرقت بالأمس وتحرق اليوم بسبب الأموال الطائلة التي تدفع لزعاماتها السياسية والوطنية والإعلامية وحتى الدينية، فهل غسلت الضمائر والقلوب في الكويت بالمطهرات الكاوية حتى باتت تعفّ عن تسلم المال الحرام وعمل ما عمله الآخرون؟.. لا أعتقد.

 

احمد الصراف

العودة للبندقية

يطلق على البندقية باللغة الإيطالية Venezia، أو بلهجة أهلها «فينيجيا»، وتقع مجموعة جزرها شمال شرق إيطاليا، وأصبحت منذ عام 827 جمهورية ذات نمط خاص، واستمرت دوقية لما يقارب الألف عام يحكمها دوق، أو شبه ملك منتخب، وساهم استقرارها في ازدهارها. يبلغ عدد سكانها اليوم 265 ألفاً، ويزيد زوارها ومن يسكنها من غير أهلها على عدد مواطنيها. تعد فينيسيا، التي تشتهر بلقب ملكة البحر الأدرياتيكي، نظراً لتراثها الحضاري والفني، بجزرها وبحيراتها وجسورها وقنواتها ومتاحفها وكنائسها الرائعة، وهي من أجمل مدن العالم، وهذا ما دفع منظمة اليونيسكو إلى تصنيف أغلبية مبانيها بالتراثية، والتي يعود بعضها إلى عصر النهضة، ولا يسمح حتى لأصحابها بإجراء أي تعديلات عليها من دون موافقة المنظمة والحكومة. ونسبة كبيرة من بيوت فينيسيا لم تتغير، خصوصاً من الخارج، منذ أكثر من 600 عام، وقد اُستضفنا في عدد منها. كما أن فينيسيا هي أكبر وجهة سياحية في إيطاليا، بعد روما، ويزور إيطاليا سنوياً 65 مليون سائح.
يقع المركز التاريخي للمدينة على مساحة 4 كيلومترات من اليابسة، ويبلغ عدد جزرها 118 جزيرة، عرض بعضها للبيع قبل سنوات بثمن زهيد، وأصبحت الآن لا تقدر بثمن. وبالرغم مما شكّلته فينيسيا من قوة بحرية وتجارية لفترة طويلة، فإن انهيارها كقوة عسكرية بدأ مع القرن الـ 15، ومع زيادة قوة الدولة العثمانية، وانتقال التجارة نحو الأميركيتين. وفي عام 1797، وبعد أكثر من ألف عام من الاستقلال، اضطر الدوق لودفيكو إلى التنازل عن السلطة لتصبح فينيسيا جزءاً من الإمبراطورية النمساوية البلغارية، قبل أن تصبح في عام 1866 جزءاً من مملكة إيطاليا. وقد عجزت فينيسيا، بسبب وضعها الجغرافي، عن أن تكون مدينة صناعية على الرغم من توافر أيد عاملة كبيرة فيها، وبالتالي أصبح التوسع فى المنطقة اليابسة هو الحل، وهكذا قام موسوليني، عام 1933، بتشييد جسر بري ربط الجزيرة الرئيسية باليابسة.
تؤثر حركة المد والجذر على أجزاء كبيرة من المدينة، وتلاحظ وأنت تسير في الكثير من شوارعها وجود طاولات مكدسة على جانب الطريق، وتعتقد بأنها وضعت لعرض البضاعة عليها، ولكن بالسؤال يتضح أنها تستعمل لسير المشاة عليها عند ارتفاع المد، وإغراقه أجزاء كبيرة من اليابسة، وهو الأمر الذي تسبب في إتلاف محتويات بيوت ومحلات كثيرة، ولكن كل شيء كان يبنى ثانية بإصرار عجيب، ورفض لمغادرة المدينة بالرغم من كل شيء، كما يشتهر أغنياء المدينة وأسرها التاريخية بعزوفهم الشديد عن بيع أي من ممتلكاتهم، بل يقومون بتأجير ما لا حاجة لهم به للراغبين فيها من الأجانب، وما أكثرهم. كما تلاحظ كذلك وأنت تسير في طرقات الجزيرة، والتي لا يتسع بعضها لمرور أكثر من شخصين، العدد الكبير من محال بيع الملابس الفينيسية المزركشة والفاقعة الألوان والأقنعة التنكرية، وسبب ذلك أن فينيسيا كانت تشتهر بهذا الفن الجميل الذي قدّمته للعالم، والذي طالما ألهم فنانين كباراً لوضع مقطوعاتهم الموسيقية العالمية، ورسوماتهم الشهيرة عنها.
غادرنا «فينيس» بعد أن تركنا بين جدران بيوتها العتيقة شيئاً من قلوبنا وعواطفنا، مع نية للعودة إليها، ولكن بمحفظة نقود أكبر! وأخيراً، شكراً لمن عرّفنا أكثر على هذه المدينة الرائعة.

أحمد الصراف