محمد الوشيحي

الأحجار لا تذرف الدموع

من قال إن الرشوة متفشية في البلدية وإن الأمور لا تُعالج إلا من تحت الطاولة؟ أنا بنفسي شاهدت الطاولات هناك فوجدت بعضها عبارة عن "كاونتر" مغلق من الأمام… اتقوا الله.
ومن قال إن البلدية لا تقوم بواجبها على الوجه الأكمل، وإنها تغض الطرف عن الأقوياء، وتمنح التراخيص للمباني التجارية من دون مواقف سيارات كافية فيزدحم الشارع؟ هل المطلوب من البلدية أن تنسخ من نفسها سبع نسخ عجاف! يكفي أنها تفرغت لإزالة غرف "الكيربي" من داخل بيوت البدون المكتظة بلحوم البشر، والصور تشهد، ودموع العجائز البدون تشهد، ومنظر الشايب البدون وهو جاثٍ على ركبتيه يتابع ما تفعله الجرافة في منزله، ويداه تمسحان دموعه بسرعة قبل أن يراها أحفاده تشهد، وصرخات المراهق البدون وهو يشاهد حيطان غرفته التي تضمه وشقيقيه، والمملوءة بالرسومات والأدعية وصور اللاعبين العالميين والأمل البعيد، تتهاوى حائطاً تلو حائط… أيضاً تشهد.
وكما جاء في مذكرات المصور الألماني بعد الحرب العالمية الثانية، ما معناه: كنت أصور مجازر الجيش الألماني في فرنسا، وألتقط صوراً للأم وهي تصرخ أثناء جر ولدها وتكبيله ووو، فتتسلل دمعة مني، فأمسحها بسرعة كي لا تشي بي، وما إن أعود إلى سريري وأتذكر المنظر حتى تنتابني هستيريا بكاء مخنوق وتنهمر دموعي بسخاء، ويوماً بعد يوم، تقل درجة الهستيريا وتتضاءل كميات الدموع حتى توقفت دموعي عن الهطول نهائياً وأصبح المنظر روتينياً ومألوفاً عندي.
الأمر ذاته بالنسبة إلينا ككويتيين تجاه ما يحدث للبدون، أصبح منظر التنكيل بهم روتينياً، وتوقفت دموعنا عن الهطول حزناً عليهم، وأصبحت مآسيهم أقل من أن نصرف أوقاتنا أو حتى أحبار أقلامنا عليها.
نحن يا صاحبي شعب من حجر، قلوبنا من حجر، عيوننا من حجر، وكل ما فينا حجر… والأحجار لا تتألم ولا تذرف الدموع.
يا الله… يا الله… يا الله…

احمد الصراف

النمسا.. وفال تودبول

أرسلني المصرف – الذي كنت أعمل فيه في منتصف الستينات – إلى لندن للتدريب في بنك باركليز. وبعدها بفترة أرسل هذا البنك فالنتاين تودبول للتدريب في مصرفنا، وتكوّنت منذ يومها بيننا صداقة لم تنقطع، ودعمت بموقفه الكريم والشهم معي اثناء فترة الاحتلال الصدامي لوطني، وهو موقف عجز عن اتخاذه أقربون واصدقاء! كان فال مولعاً بالعربية، التي تعلمها في معهد شملان في لبنان، وكان يتحدثها بطلاقة، ويهتم بمعاني كلماتها. وكان يقول عن نفسه مازحا إنه «جاسوس»، لان المعهد الذي درس فيه اشتهر بالتحاق كبار جواسيس المنطقة به لتعلم العربية، ومنهم كيم فيلبي البريطاني، الذي عمل لمصلحة السوفيت، وهرب الى موسكو بعد انكشاف امره، ومات هناك! وكيم هو ابن المستشرق ورجل الاعمال السعودي – البريطاني سانت جون فيلبي، الذي أسلم وسُمّي عبدالله، والذي مات في بيروت تاليا ولم يجد من يسير في جنازته، على الرغم من أفضاله على ولاة نعمته في السعودية!
ولكن فالنتاين لم يكن جاسوسا، بل مصرفيا محترفا، وقد كان دائم السؤال عن معاني الكلمات وطرح اسئلة غريبة لم يكن يجد لها جوابا، ومنها سبب انفراد العرب باستخدام النمسا اسما لجمهورية اوستريا Austria، ولم نعرف حينها الجواب. وتطلب الامر مرور اكثر من 40 عاما لأعرفه مصادفة عندما سألت السفير الروسي السابق في الكويت ألكسندر كينشاك، الذي انتهت مهمته قبل اسابيع، والذي كان يتكلم العربية بطلاقة، عن تفسيره للتسمية، فقال: إنها ربما اشتقت من اللغة الروسية، التي تعود اصولها الى اليونانية القديمة، وانهم واليونان يطلقون على الالمان «نيميتسكي»، وبما ان النمساويين يتكلمون الالمانية فقد شملتهم التسمية، ولكن العرب – لسبب ما – خصّوا بها اوستريا دون الالمان! وكلمة اوستريا او اوسترش تعني بالالمانية البلاد الشرقية، وذلك لوقوعها شرق الجزء الاكبر من المانيا. وقد حكمت سلالة هابسبورغ، اقوى العائلات الملكية الاوروبية، النمسا لاكثر من 700 عام، وفي عهدهم ضموا هنغاريا لهم وشكلوا الامبراطورية النمساوية الهنغارية 1867 – 1918، ولكن هزيمتها في الحرب العالمية الاولى اجبر امبراطورها على التنازل لتصبح النمسا جمهورية مستقلة، كما منعتها شروط اتفاقية الاستسلام من الاتحاد مع المانيا ثانية! ولكن الشروط المجحفة والوضع الاقتصادي المتردي في النمسا أديا الى تصاعد النازية فيها، وبالتالي اتحدت مع المانيا ثانية عام 1938، وهذا ادى الى ان يشاركوا في الحرب العالمية الثانية الى جانب الالمان، ومع هزيمة دول المحور استقلت النمسا عن المانيا وأعلنت حيادها.
ويكفي النمساويين فخراً ان الموسيقار العبقري اماديوس موزارت واحد منهم، كما انها بلد سياحي مقصود، حيث يزورها سنويا اكثر من 35 مليون سائح، مقارنة بــ 200 سائح يزورون الكويت!

أحمد الصراف