سامي النصف

حوار مع الحالم نيوتن!

ضمَّني في الكويت قبل يومين حفل عشاء صغير مع الحالم نيوتن أشهر كاتب في مصر هذه الأيام، حيث تجد مقالاته في جريدة «المصري اليوم» وهي الصحيفة الأكثر انتشارا في بلد النيل، أصداء واسعة كما انه أحد الملاك الرئيسيين للجريدة، ونيوتن أقرب في عمله وسيرته الذاتية للشهيد رفيق الحريري من حيث توسع أعماله الاقتصادية وتعدد علاقاته السياسية حتى بات كثيرون يرون انه أمل مصر الوحيد حال تقلده رئاسة الوزارة كي يصلح الدمار الاقتصادي القائم ويقرب بين التوجهات السياسية المتناحرة والمتنافرة ، كما قام بذلك الشهيد رفيق الحريري الذي لولاه لما توقفت الحرب ولما تعمرت لبنان.

* * *

وللصديق الحالم نيوتن نظريات اقتصادية تستحق ان ينظر فيها ساسة مصر وقادتها فهو ، على سبيل المثال ضد النظرية المتوارثة القائلة بالمطلق إن «مصر بلد زراعي» وهو أمر ان صح في الماضي فهو قطعا غير صالح للمستقبل، حيث يظهر واقعها انها بلد صحراوي شحيح الأمطار، بها نهر تتناقص مياهه مع كل يوم يمر بسبب السدود المتزايدة لدول المنبع وآخرها سد النهضة في الحبشة، متصاحبا مع انفجارات سكانية مستمرة بينما ينطبق تعريف «البلد الزراعي» على الدول الوافرة الأنهار والأمطار المتساقطة طوال العام على جل مساحتها الخضراء لا الصفراء كحال دولة جنوب السودان التي يمكن لمصر أن تخلق معها مشاريع أمن غذائي مشتركة ويصبح حال أرض الكنانة كحال الدول الصناعية الوافرة الثراء التي لا تعتبر دولا زراعية.

* * *

نظرية نيوتن الاقتصادية لها مكاسب سياسية سريعة حيث ستوفر فرص عمل واسعة للشباب وتحول مصر من الفقر الى الغنى وتمر عبر التحول بأرض النيل الى الصناعة، فالأرض الزراعية التي بالكاد تكفي عائلة واحدة يمكن لها لو تحولت الى ارض صناعية وبمتطلبات مياه أقل ان تمنح فرص عمل للآلاف وتقوم بالتصدير بالملايين بعد اعادة تأهيل شباب وشابات مصر الى العمل الصناعي ذي التقنية العالية لا الوظيفي او الزراعي كما حدث في الصين خلال سنوات قليلة عندما حولت المزارعين الى عمال مصانع.

* * *

على مستوى شخصي فالحالم نيوتن شخصية فريدة فرغم انجازاته ومشاريعه الاقتصادية الضخمة في مصر وخارجها الا انه يتميز بالتواضع الجم ودماثة الخلق والكرم والتواضع الشديد والوطنية المصرية الحقة، وفي هذا السياق أبديت ملاحظة صغيرة حول استخدامه مسمى «نيوتن» في مقالاته الشهيرة، حيث إن الأسماء المستعارة بنظري المتواضع لا تبقى في ذاكرة الناس طويلا حال توقف الكاتب عن الكتابة بعكس الأسماء الحقيقية، ضاربا المثل بالأستاذين مصطفى أمين ود.أحمد الربعي فلو كانا يكتبان بأسماء مستعارة لما بقي منهما شيء هذه الأيام (لو قام الأستاذ نيوتن بالكتابة باسمه الحقيقي لما تجرأ د.غزلان عضو مكتب الارشاد باتهامه بأن نهجه وتوجهه بالكتابة يقصد منه.. زيادة راتبه الشهري ككاتب!).

* * *

آخر محطة: (1) لا أفهم سبب ظاهرة الهجوم غير المبرر في مصر على قطر هذه الأيام خاصة أنها احد الداعمين الرئيسيين للاقتصاد المصري، من يدعي ان سبب هجومه هو ان تلك الاموال تذهب للإخوان مخطئ حتى النخاع، حيث إن تلك الموارد تذهب للخزينة العامة المصرية وتساهم وهذا الأهم في منع العملة المصرية من الانهيار، حيث لا يوجد جنيه مصري اخوان وجنيه مصري معارضة، العزيزة مصر في حاجة لكسب المزيد من الأصدقاء لا خلق الأعداء.

(2) الدعم القطري والخليجي والعربي والدولي لا قيمة له ما لم يهجر الشعب المصري على الفور الساحات والميادين ويتوجه سريعا الى المصانع والمزارع والمدارس والجامعات ومعاهد التدريب، ويتوقف على الفور الانفلات الامني والاضرابات المدمرة ولن يساعد احد في نهاية الامر من لا يريد مساعدة نفسه ،وقديما قيل ان تتعلم صيد السمك خير من ..انتظار من يهديه إليك!

احمد الصراف

العزة في الكبر

يعتقد الكثيرون، وكنت منهم، أن الكبر في السن، كما نقول في لهجتنا، «شين»! ولكني اكتشفت اخيرا أن هذا ليس دقيقا دائما. فلو آمنا بأن الحياة ما هي إلا مراحل نمر بها، فعلينا أن نستمتع بكل مرحلة بالطريقة المناسبة. وبالتالي للتقدم في العمر فوائده ورونقه، وكل ما نحتاج إليه هنا هو القليل من التفكير وبعض الفلسفة، فالحياة ستنتهي يوما، فلمَ لا نستلذ برحيق كل مرحلة منها؟ يقولون إننا ما ان نكبر حتى نصبح أكثر رحمة بأنفسنا، وأقل انتقادا وعنادا لها، فللشعر أن ينمو أين يشاء وكيف يشاء، وله أن يتبدّل وينحسر دون أن نقلق، ولنا أن نصدر ما نشاء من أصوات، تجبرنا الطبيعة عليها، دون أن نكترث أو نعبأ بما يقوله الآخرون فينا وعنا. ومع التقدم في العمر تكبر معنا مساحة الحرية، بحيث تصبح محاسبتنا عن أي تصرّف أمراً صعباً، فلنا حق السهر لأي ساعة نشاء. وإن أوقفتنا الشرطة على حاجز فلن نكترث، فالتجاعيد ولون الشعر هما هويتا مرورنا دون سؤال! كما أنه ليس لأحد الحق في سؤالنا إن تأخرنا في الاستيقاظ صباحا، أو استغرقنا في النوم حتى ما بعد الظهر. ولنا حق استرجاع ذكرياتنا، وهذه متعة لا يعرفها من هم أصغر سنّاً منا، وأن نتذكر حبا حطّم قلوبنا أو علاقة غرامية حطّمنا فيها قلوب غيرنا، وأن نستمتع بأغاني الستينات والسبعينات، وحتى ما قبلهما، مع ولع بأغاني اليوم وغيرها.
نعم لقد مررنا بلحظات حزن كثيرة، ربما أكثر ممن هم أصغر منا، فقد شاهدنا أعزاء من حولنا يغادرون دنيانا الواحدة، والواحد تلو الآخر، وكنا نذرف دمعة هنا ونمسح واحدة أخرى على خد من نحب، ولكن كل ذلك جعلنا أكثر قوة ومقاومة ورغبة في أن نستمر في هذه الحياة، ونعيش كل لحظة منها، فقد رحل عنا كثيرون قبل أن يروا تحوّل شعرهم للرمادي والأبيض تاليا، ورحل آخرون مبكرين جدا قبل أن تعرف التجاعيد طريقها إلى وجوههم وأيديهم وأكتافهم وسيقانهم، وبالتالي نحن ممتنون، ليس لأننا كبرنا، بل لأننا بلغنا عمرا لم يبلغه الملايين من سيئي الحظ غيرنا، فلمَ نشكو أصلا ونحن لا نزال نتنفس ونسير ونضحك ونشارك أحبتنا أفراحهم ولحظات حزنهم؟ ولمَ لا نعشق الشخص الذي أصبحنا عليه؟ ولمَ يسوؤنا أن نكون بكل هذا الكبر والتقدّم في العمر، وهو أمر لا مفر منه، ولا نستمتع بالأمر بدلا من الشكوى منه؟ فلا شيء سيتغير، اشتكينا أم بكينا، فلمَ لا نستمتع ونمتع غيرنا بتوقفنا عن الشكوى والأنين، وننشرح؟ فلن يكون بمقدورنا أن نعيش إلى الأبد، وطالما أننا على قيد الحياة، فلا داعي للرثاء والندم على ما فات، بل علينا أن نركل المتاعب ونقوم من الفراش صباح كل يوم ونفرغ كل فضلات وسموم أجسادنا، ونفرد أذرعنا ونستنشق هواء جديدا غيره، وليذهب للجحيم من لا تعجبه تصرفاتنا.. نحن الكبار في السن.

أحمد الصراف