حين قرأت التساؤل التهكمي في مقالٍ للأستاذ فخري شهاب بـ"القبس"، عن كارثة التعليم بالكويت والعالم العربي كما جاء بتلك الصيغة المتحدية… "ماذا ستصدر جيوش الكسالى من خريجي الجامعات العربية إلى بلد مثل الصين أو الولايات المتحدة لسداد أثمان مستورداتها؟" قفزت الإجابة مسرعة إلى رأسي "يمكن أن نصدر لهم السماد العضوي من مخلفاتنا البشرية طازجاً، أو معلباً بصهاريج من محطة مشرف للمجاري…! هذا بالنسبة للإنتاج المادي، أما الإنتاج الفكرى فيمكن أن نصدر لهم لوحات طبيعية رائعة عن سيدات وسادة كويتيين يسيرون بالمجمعات التجارية نحو مطاعم الفاست فود يصحبون أطفالهم بأجسادهم المستديرة التي يستوي فيها الطول بالعرض، وتنافس المؤخرات مقدمات الكروش في الامتدادات الأفقية، وخلفهم تهرول خادمة آسيوية رشيقة من الكد والعمل في خدمة أهل المنزل ورعاية الأطفال المستديرين".
يمكن أن نصدر لهم… مشاهد أخرى عن ملوك قيادة السيارات من الشباب الذين ملّكتهم الدولة الشارع العام، ومنحتهم امتيازات الغطرسة الكويتية، فسكنت عقولهم ثقافة الـ"جي تي" بدلاً من ثقافة الجدل والرفض والنقد… أمور كثيرة يمكن أن نصدرها كضباط وجنود جيوش الكسالى لأميركا والصين وألمانيا، غير النفط ومشتقاته، لكن حين نفكر قليلاً، ندرك أن حتى تلك القمامة المادية والفكرية التي يمكن أن نصدرها هي الأخرى من نتاج العصر النفطي وإبداعاته الريعية…
مقال أستاذنا الكبير فخري شهاب، الذي "على ما أذكر" كان الصندوق الكويتي أو الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي نتيجة فكره وعمله المخلص اقتنع بهما المغفور له جابر الأحمد، وحققهما، كان المقال الثاني، عن أزمة التعليم، وعن أزمات كثيرة مثل التجنيس، قدم فيها الأستاذ فخري النصيحة الصادقة، لكن لم يجد غير آذان مشمعة من السلطة السياسية الحاكمة بأمر الله في ذلك الزمن وحتى اليوم، فخري لا يقدم اقتراحات للإصلاح التعليمي، وإنما يسأل ماذا فعلتم بذلك الكم من الدراسات والاقتراحات لتطوير التعليم، الذي هو حجر الأساس للتنمية الحقيقية وليس تنمية الدخل الفردي الناتج من مصادفة الطبيعة، لا بجهد إنساني مثلما تروج لهذا الريع دعائياً الوزيرة "الاقتصادية" رولا دشتي بعملها الدؤوب لتبييض وجه السلطة، ماذا فعلتم نحو الاستثمار في الإنسان وعقله؟ الإجابة لا شيء، وحين تدق ساعة الصفر بعد انتهاء النفط، فلن تجد أجيالنا ما يحيون به فليس هناك غير بقايا صهاريج مجاري محطة مشرف، وملفات دراسات عديدة بنت عليها العناكب بيوتها في أدراج كبار المسؤولين غير المسؤولين… لكم الله يا أبناء المجهول.
لا يمكن اختتام آراء الأستاذ فخري شهاب دون الإشارة إلى ما كتبته الزميلة عواطف العلوي في جريدة الكويتية عدد الخميس، حين نقلت بجدارة انطباعات معلم أميركي عن واقع الحال الكويتي فهو يقرر "… أن الكويتيين يعتقدون أنهم مثل الأسود، بينما هم أي شيء عدا الأسود، فالنوم والأكل وممارسة الجنس… هو كل ما يفعلونه" مهما كانت هذه السخرية المرة من هذا الأميركي عن حالنا المائل في مجتمع "الطبقات النفطي" مؤذية لمشاعرنا ولكبريائنا الجوفاء، لكن التفكير فيها قليلاً ربما يشعرنا أن هناك خطأً كبيراً في حياتنا الاجتماعية، لعلها تحذرنا حين يدق جرس الأخطار عن التحديات التي تهز اقتصاديات العالم اليوم، والتي لا يمكن أن نواجهها بمثل تلك العقول والهمم الكسولة المتراخية… من المسؤول عن كل ذلك غير مصادفة النفط… لا يوجد هنا مسؤول، فمسؤولونا غير مسؤولين، كويتي اليوم غير مسؤول لأن السلطة غير مسؤولة، فمسؤوليتها هي مسؤولية إنفاق واستهلاك وسرقات ورشا… هي مسؤولية توزيع إبر الأفيون… أما المسؤولية نحو الغد .. فلا شيء عندها… كانت مفلسة فكراً وستظل مفلسة وعياً.
الشهر: أبريل 2013
المقترح العاقل
في يوم من غير شمس من عام 2006 تقدّم النائب السابق، أحمد باقر، ممثل أحد أجنحة السلف لأكثر من مرة في المجلس والحكومة، بمقترح قانون بفرض ضريبة زكاة %1 على أرباح الشركات المساهمة تدفع لدعم ميزانية الدولة! وافق المجلس حينها على القانون بكل مثالبه، وعدم نصه صراحة عن طبيعة هذه الأموال، وهل هي لدعم الميزانية أم لدعم بعض الجمعيات الخيرية، وبالتالي ترك الأمر لبعض موظفي الدولة للتصرف بتلك المبالغ بما يرونه مناسبا أو متفقا مع ميولهم السياسية أو الحزبية. وهذا حرم الشركات المساهمة من حقها في توجيه مبالغ الزكاة للجهات التي تعتقد أنها أحق من غيرها بها. وربما كان غموض القانون مقصودا. ومن هنا جاء اقتراح بقانون، الذي قدمه الزميل والنائب نبيل الفضل لمجلس الأمة، والذي تعلق بإضافة مواد على هذا القانون في شأن الزكاة ومساهمة الشركات المساهمة في ميزانية الدولة، لتقويم اعوجاجه من خلال إعطاء الشركات المساهمة حق توجيه كل أو جزء من المبالغ المستحقة عليها للجهات التي تراها مناسبة أكثر من غيرها من مبالغ الزكاة، على أن تكون الجهة المطلوب التبرع لها مذكورة ضمن كشوف تعدها وزارة الشؤون في بداية كل سنة مالية والتي ستتضمن، على سبيل المثال وليس الحصر، الأمانة العامة للأوقاف، الهلال الأحمر الكويتي، بيت عبدالله، بعض الجمعيات الخيرية، جمعية سلطان التعليمية، وجمعية المعاقين وغيرها الكثير، شريطة أن تكون جميعها مرخصة كجهات غير ربحية ،وتسمح أنظمتها وقوانين تأسيسها بقبول التبرعات، وألا تكون لها أنشطة أو مساهمات في أي أعمال سياسية.
إن الموافقة على هذا المقترح بقانون سيبعد الشبهات التي تحوم حاليا حول الجهات التي تقوم منذ 10سنوات تقريبا بالتصرّف بمبالغ الزكاة المحصلة من الشركات المساهمة، باعتبار أنها أموال «لا صاحب لها»! كما أن المقترح سيفتح الباب واسعا أمام الكثير من الشركات التي ترغب بشدة في دعم قطاعات محددة كالتعليم والتنمية الأسرية وجمعيات المعاقين، وغيرها من الجهات الأكثر اهتماما بالأمور الإنسانية والطبية، بدلا من ترك الأمر لميول ونوايا موظف حكومي ذي أهواء وميول!
***
وفي تكرار ممل لمسلسل سرقات أموال الدولة والجمعيات الخيرية، تقدّمت «الهيئة الخيرية العالمية»، وهي مؤسسة تتبع وزارة الأوقاف، التي طال انتظارنا لقراءة نتائج تحقيق وزيرها في اختلاسات أموالها، تقدمت الجمعية بدعوى على وافد سوداني يعمل لديها لاختلاسه نحو 30 ألف دينار (بس!) من أموال الجمعية! وكالعادة، تم اكتشاف الاختلاس.. بالصدفة، وكأن ليس لدى هذه الجهات، التي تكررت السرقات منها، أي أنظمة رقابية أو تدقيق داخلي!
أحمد الصراف
تجربة الإسلاميين في مصر (2 – 2)
تحدثنا في المقالات السابقة عن تجربة الاسلاميين في الحكم، وضربنا امثلة في المغرب وتونس ومصر. وقد تبين لنا انه عندما يكون الاستقرار تكون التنمية والتقدم الحضاري كما هي الحال في المغرب وبشكل مقارب تونس! ولكن عندما يكون التأزيم والاضطرابات المفتعلة تتوقف حركة التنمية، ويتلاشى الأمن، ويختفي الازدهار الاقتصادي، وهذا ما يخطط البعض للوصول اليه في مصر!
الاسلوب الذي اتبعه الفلول لافشال حكم الاسلاميين لمصر نجح جزئيا في اشغال الرأي العام العربي باحداث مصر، واعطى انطباعاً ان الحكم عاجز عن قيادة البلاد الى بر الامان! وان الجميع ضد الرئيس محمد مرسي، بينما الواقع خلاف ذلك، حيث ان الرئيس مع كل ما يقذفه الاعلام المأجور عليه من غث، فإنه لم يلتفت اليه، واستمر في خطى ثابتة لانجاز ما خطط له، فبدأ باستكمال بناء مؤسسات الدولة، واستطاع ترتيب تدفقات مالية على الميزانية العامة من عدة مصادر، ليس بينها من دول الخليج مع الاسف الا قطر! واعلن عن آلاف الوظائف، وبدأ في بناء مئات المساكن للمحتاجين، ومنع استخدام مصر محطة لعبور عمليات غسل الاموال، ولعل هذا احد الاسباب التي جعلت بعض الدول تعادي الرئيس مرسي! واعطى لحركة المقاومة الفلسطينية اعتبارا، وفتح معبر رفح، وساهم في انعاش قطاع غزة اقتصاديا ولو مؤقتا، وجعل القاهرة مقرا للمعارضة السورية، واعلن انه يرفض ان تكون مصر موطنا للتشيع، وقال في طهران ما عجز عن قوله حنابلة العرب، ثم يأتي بعد ذلك من يتفلسف ويتهمه بانه توجه نحو طهران! واسمحوا لي بان انقل لكم بتصرف ما ذكره الاخ تراحيب العجمي في هذا المقام من رأي يستحق ان اقرأه جيدا «تنصلنا لحماس وحاربناها خليجيا، بينما ايران دعمتها بخمسين مليون دولار شهرياً، وفتحت لها مكتبا في طهران! اما مصر فإن موقف دول الخليج اقل ما يقال عنه انه متواطئ! حيث دعمنا الفلول وسخرنا قناة العربية وسكاي نيوز للتشكيك، وكل هذا خوفا من اي نجاح يمكن ان يحققه اي شكل من اشكال الاسلام السياسي ــ الاخوان ــ وفي المقابل، ايران تحاول ان تقدم الكثير من الاستثمارات ودعم سياحي وتودد غير مسبوق وغيره! وبعد كل هذا يأتي من بعقله لوثة ويقول: أرأيت كيف يتعاون الاخوان مع الشيعة؟!» (انتهى). الغريب ان بعض من يعترض على الرئيس مرسي خليجيون! وجن جنونهم عندما تم افتتاح خط طيران بين القاهرة وطهران، حرصا على الاسلام من ان يؤتى من قبل الاخوان! وتناسوا ان اكثر من أربعمائة ألف ايراني يقيمون في الإمارات، بينما تفتتح الكويت خطا جديدا للطيران بين الكويت ومشهد! ناهيك عن عشرات الآلاف من الايرانيين يهتفون سنويا وبصوت واحد وتحت استار الكعبة: لبيك يا حسين! فمن اراد ان يصلح خلق الله فليصلح أهل بيته أولا؟!
سينجح الرئيس مرسي في تجاوز عنق الزجاجة، ولم يتبق له من المرافق التي اوجدها نظام حسني مبارك الا القضاء، الذي يسعى جاهدا لايقاف اصلاحاته المتسارعة لانه يعلم ان الدور عليه!
***
سؤال بريء:
لماذا صمت أعضاء مجلس الصوت الواحد عن التدخل الإيراني السافر في دول الخليج؟ علما باننا نسمع يوميا اعلام هذه الدول ينشر صور هذا التدخل وخطورته على أمنها واستقرارها، بينما نراهم يحاولون صرف النظر عن هذا الموضوع بتكرار الحديث عن خلية الإمارات وعلاقتها بالكويت!
تغريدة أعجبتني: 126 رحلة اسبوعيا بين طهران ودبي، بمعدل 18 يوميا، منها 55 من طهران، شيراز 16، بندر عباس 9، مشهد 6، اصفهان 4، كيش 21، قشم 15، أيهما الأولى بالقلق مصر أم الإمارات؟!
«هرتزيليا»… تثمن جهود الطائفيين!
بالتأكيد، يدخل تقرير الزميل أحمد بلال في صحيفة «المصري اليوم» عن مؤتمر هرتزيليا الثالث عشر تحت العنوان الأكبر للسبق الصحافي المميز! ففي ذلك التقرير الذي نشر يوم الخميس (4 أبريل/ نيسان 2013)، والذي انفردت به «المصري اليوم»، تفاصيل في غاية الخطورة لما دار في ذلك المؤتمر الذي (يعد أحد أهم المؤتمرات التي تضع استراتيجية الصهاينة)، لكن أهم توصية صدرت عن ذلك المؤتمر في أواخر مارس / آذار الماضي هي ضرورة تكريس الصراع السني – الشيعي، وتشكيل محورين من دول المنطقة: سني وشيعي!
الصراع الطائفي في المجتمع الإسلامي، وكما نبه له الكثير من العلماء والباحثين والمثقفين والكتاب على مدى العقود الثلاثة الماضية تكثيفاً، كان ولايزال يقع تحت عنوان (مؤامرات الغرب والصهاينة ضد العرب والمسلمين)، إلا أنه مع هذه الحقيقة الماثلة والتي لا يمكن انكارها، فإن هناك حقيقة أخطر، وهي أن المجتمعات الإسلامية ذاتها، تحت وطأة رؤوس طائفية من المحيط الى الخليج، هي من يتولى اشعال الصراع المذهبي في الأمة، بدرجة ربما تفوق ما يتمناه الصهاينة والغرب، فمنهم المتلبس بلباس علماء الدين ومنهم المفكر ومنهم السياسي ومنهم من هب ودب، ومنهم وفوقهم وعلى رؤوسهم ايضاً حكومات تصرف الملايين وتوفر التسهيلات ليقوم أولئك بمهتمهم على أكمل وجه، ولهذا، فهم يستحقون فعلاً شكر وثناء وتقدير (هرتزيليا) على جهدهم الجبار في تفتيت المجتمع الإسلامي.
بحسب ما ورد في تقرير «المصري اليوم»، فإن (هذا المؤتمر يمثل ما يمكن أن نسميه بـ «عقل إسرائيل»، حيث تشارك فيه جميع النخب الإسرائيلية، سواء في الحكم أو في المعارضة، مدنية أو عسكرية، علمانية أو دينية، للنقاش في أهم القضايا التي تواجه إسرائيل، وطرح رؤى لكيفية التعامل معها ومواجهتها، وترتيب أولويات إسرائيل لمدة عام كامل)، لكن يتوجب على حكومات وقادة العالم الإسلامي أن يتأملوا بدقة في توصيات (هرتزيليا)، إن كانوا صادقين في حماية الاستقرار والسلم الاجتماعي والنسيج الوطني في بلدانهم، ذلك أن شراسة الصهاينة ومؤتمرهم وتوصياتهم تهدف الى تحقيق المزيد من المكاسب والاستقرار والتنمية للكيان المحتل، فيما يستهدف تدمير الأمة، حلفاء لأميركا أو غير ذلك، فبحسب التقسيم الإسرائيلي، فإن هناك محور شر هو المحور الشيعي، ويبحث الصهاينة عن محور بديل أسموه (المحور السني) تكون نواته من الملكيات العربية التي تخشى أن يصل قطار الثورات العربية إليها، إضافة إلى مصر وتركيا، اللتين أشار إليهما تقرير المؤتمر بـ «الأطراف التي عملت على إنهاء الأزمة في أعقاب العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة في 2012»، وأن هذه الأطراف (تجسد التغيير، حتى لو كان محدوداً، الذي طرأ في المجموعة السنية في المنطقة، والمهتمة بعمل علاقات مع إسرائيل، سواء مباشرة أو غير ذلك، بهدف الحفاظ على الأمن الإقليمي)، وهذه الجزئية الخطيرة بحثها مؤتمر الصهاينة بتكثيف عميق، فاختيار مصر وتركيا إضافة إلى الأردن للانضمام للمحور السني المرتقب، الذي من المفترض أن يكون متحالفاً مع إسرائيل والغرب، لم يأت من فراغ، فـ «التحركات الدبلوماسية حول العملية في غزة والأزمة السورية تشير إلى تعاون وتنسيق متزايد بين الولايات المتحدة الأميركية، مصر، تركيا، الأردن ودول الخليج»، بحسب التقرير، الذي يرى في تشكيل هذا المحور ضرورة استراتيجية، و «صفقة شاملة» من شأنها أن تزيد من أمن إسرائيل، وتدفع نحو شرق أوسط جديد.
الصفقة الشاملة التي يخطط لها الصهاينة، ومع انتقادهم لما اسموه «سياسة الاختفاء من أمام العاصفة»، وهو المصطلح الذي يوجب استفادة الصهاينة من الاضطرابات في المنطقة واستغلال الفرص لتحقيق المزيد من التدمير للمجتمعات الإسلامية والعربية، تعتبر بالنسبة للصهاينة من أنجح الصفقات وايسرها تحقيقاً! كيف؟ الصهاينة يدركون أن الحليف الأقوى لهم وهو الولايات المتحدة الأميركية، يتحكم في المنطقة كيفما يشاء، ولهذا، فمن السهولة بمكان ضمان استمرار الصراع المذهبي بين السنة والشيعة في الأمة وتأجيجه الى الدرجة التي تضاعف الحريق المدمر، ولأن هناك بيئات حاضنة، من قادة وانصار واتباع الايديولوجيا الطائفية، فإن الصورة التي نشهدها اليوم في المجتمعات الإسلامية من احتدام الصدام الطائفي، ومشاركة حكام في اشعال المزيد من النيران الطائفية، تؤكد بما لا يدع مجال للشك، أن المجتمعات الإسلامية حينما تتصارع مذهبياً فليس من أجل (الدين الإسلامي وأبناء الأمة)، إنما بالتأكيد، هو لصالح الغرب عموماً والصهاينة تحديداً.
لكن، كل ذلك المخطط التآمري الخطير المستمر منذ عقود، يمكن أن يسقط بسهولة! فإذا كانت حكومات العالم الإسلامي متيقنة من أن الصهاينة اعداء لهم، فلا يتوجب عليهم احتضان ورعاية وتسمين (حمير الطائفية) ليقوموا بدورهم الخبيث، ويلزم ألا تكتفي تلك الحكومات بالتصريحات الصحافية والإعلامية الاستهلاكية تحت عناوين الأسرة الواحدة والوطن الواحد وحقوق الجميع المتساوية بصيغ مجوفة من ناحية، ثم تترك الحبل على الغارب لرؤوس الطائفية لأن تتآمر ضدهم مع الصهاينة، وهي سعيدة فرحة مسرورة.
الأجنحة المتكسرة
في مختلف أصقاع العالم يتم دعم الفاشل حتى ينجح، فيسعد المجتمع بقصة نجاحه، وتعمم كي تصبح قدوة للجميع وللأجيال الصاعدة، في الكويت يحارب ويخذل الناجح حتى يفشل، فتنشرح الصدور ويرفع شعار «احنا فاشلين واهو فاشل مثلنا ومفيش حد احسن من حد» وهذا الشعار واللا بلاش.
***
في مختلف أصقاع العالم تختزل الحكمة بالقول الشائع «عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة»، وفي الكويت أصبحت الحكمة تختزل في قول وفعل مستجد مختصره «عصفور على الشجرة خير ألف مرة من عشرة عصافير أو مائة في اليد»، فنسمع بمطالبات بها تفريط بالمصالح العليا للوطن ورغبات مواطنين ومقيمين عبر تحجيم وتصغير رأسمال شركة وطنية عريقة حملت علم الكويت خفاقا حتى إبان احتلال الوطن، وكل ذلك من أجل العصفور الصغير المسمى «بالشريك الاستراتيجي».
***
ولن يأتي المستثمر السراب (الصغير) لشركة خاسرة أغلب رأسمالها قبل أن تبدأ ومقترضة حاجياتها من البنوك، وأمامهم تجربة «الوطنية» و«فلاي بحرين» وحتى الكويتية عام 91 وما بعدها ماثلة، كبر رأسمال الشركات وتدخل الحكومات لسد اغلب الحاجيات يعني التحول للربحية بدلا من البقاء في الخسائر دون دعم ومن ثم دخول الشريك الاستراتيجي (الثقيل) الذي يتمثل بالعادة في شركة أجنبية كبرى مع كونستوريم من أصحاب رؤوس الأموال تدفع مئات الملايين للحصة المعروضة للبيع ولا تبحث عن الربح السريع كحال المستثمر الصغير الذي سيبدأ بإغلاق أعمال ومحطات الشركة والتخلص من عمالتها في العام الأول، بل سيساهم المستثمر الاستراتيجي في إعادة هيكلة الشركة وارتفاع سعر اسهمها مما يمهد له الخروج بعد سنوات طوال بأرباح مجزية ليبدأ التجربة مرة اخرى في دولة وشركة أخرى.
***
آخر محطة: (1) سؤال بسيط: هل يعقل أن يكون بعضنا على حق وجميع العقول المبهرة التي تعمل لدى الجيران وفي المنطقة العربية على خطأ؟! فلم نشهد للعلم لديهم التضحية باستراتيجيات وحاجيات الدول العليا مثل التحول «لمراكز مالية عالمية» لأجل الشريك الذي قد يأتي أو لا يأتي، لم نشهد الأمر قائما في الإماراتية واللبنانية والقطرية والمصرية والأردنية والعراقية والمغربية والتونسية والجزائرية والعمانية.. إلخ، التي مر كثير منها بتجارب إعادة هيكلة وتحديث أساطيل وإدخال شركاء استراتيجيين في الشركات «التابعة»، فقط كحال شركات الأسواق الحرة والتغذية والمناولة.. إلخ، مما ادى الى الربحية دون التضحية بأهداف القيادات والشعوب المتمثلة في توسيع شبكات الخطوط لا تصغيرها لخدمة المواطنين والمقيمين والمستثمرين والسائحين.
(2) تصغير حجم وأعمال «الكويتية» لإرضاء المستثمر أو العصفور الصغير الواقف على الشجرة يعني خروج مئات ومليارات الدنانير سنويا لشراء تذاكر على شركات الطيران غير الكويتية ومن ثم إضعاف شركات الطيران الكويتية الأخرى وإضعاف مئات الشركات المحلية الصغيرة والكبيرة التي تتعامل مع شركات الطيران الكويتية.
كلمة أحبك
يقول الشاعر غبريال ماركيز إننا نهرم عندما نتوقف عن الوقوع في الحب!
اشتركت مجموعة من السيدات في دورة تدريبية تتعلق بكيفية العيش في علاقة حب زوجية دائمة، وخلال الدورة طلب منهن الإجابة، برفع اليد، عمن يحببن أزواجهن؟ وكانت النتيجة إيجابية وبالإجماع! ثم وجّه لهن المحاضر سؤالا يتعلق بمتى كانت آخر مرة بُحن بحبهن لأزواجهن؟ فتراوحت الإجابات بين صباح ذلك اليوم أو قبله بأسابيع، وبعضهن أجبن بالقول إنهن لا يتذكرن متى كانت آخر مرة! وهنا طلب المحاضر منهن إخراج هواتفهن النقالة، وإرسال نص الرسالة القصيرة التالية لأزواجهن: أحبك يا حبيبي! ثم طلب منهن تبادل هواتفهن النقالة لكي تقرأ كل واحدة الإجابة التي رد بها الزوج على رسالة زوجته، وهذه عينة من إجابات الأزواج:
1 – من أنت؟
2 – آه، أم أولادي، هل تشكين من مرض ما؟
3 – وأنا أحبك أيضاً!
4 – ماذا الآن؟ هل تورطت ثانية في حادث سير؟
5 – لا أعرف ماذا تقصدين؟
6 – ما الذي فعلته هذه المرة؟ أخبريني فقط كم تريدين من المال؟
7 -هل أنا أحلم؟
8 – ؟؟؟؟؟
9 – توقفي عن اللف والدوران.. قولي لي ماذا تريدين!
10 – إذا لم تقولي لي حالاً لمن أرسلت هذه الرسالة، فإنني سأقترف جريمة قتل!
11 – لقد وعدت.ني ألا تقربي الشراب ثانية، أنا على استعداد للرحيل إن كنت. تعبة مني!
حدث هذا في مجتمع غربي، ولكن لو قامت بعض السيدات في مجتمعاتنا بإرسال الرسالة نفسها لأزواجهن، فما شكل الردود التي ستصلهن يا ترى؟ ربما سيتجاهل الغالبية الرسالة ولا يردون عليها، ولن يثيروا موضوعها حتى بعد عودتهم إلى البيت، وإن سألتهم زوجاتهم عن سبب عدم الرد، فإن الغالبية ستقول إنهم اعتقدوا أن في الأمر نكتة أو مزحة، أو أنها أرسلت رسالة الحب تلك عن طريق الخطأ له بدلا من أحد أبنائها أو بناتها!
أحمد الصراف
ائتلاف «حدس» مع «حشد»
كنت أتمنى لو جمع ائتلاف قوى المعارضة الكويتية فعلا كل القوى السياسية في الكويت كما كان هدفه عند الإنشاء، ولكن وبعد ما يقارب الشهرين من إعلانه يبدو انه أصبح فقط «ائتلاف حشد مع حدس».
فنظرة خاطفة على مكونات الائتلاف المعارض كفيلة بإعطائك الحقيقة المرة، وهي ان العناصر المؤثرة في هذا الائتلاف هم فقط كتل العمل الشعبي «حشد» والحركة الدستورية الإسلامية «حدس».
أما محاولة الزج بالأغلبية البرلمانية السابقة أو ما تبقى منها في الائتلاف فقد أضعفه ولم يقوه، وخصوصا بعد أن أعلن البعض منهم عدم إيمانه بمبادئ الحراك الشبابي كالحكومة المنتخبة وقانون الهيئات السياسية الأحزاب.
وبخلاف حشد وحدس، لم يتبق سوى منظمة العمل الكويتي «معك» والتيار التقدمي، وهم تجمعات نخبوية لا تتمتع بشعبية بين صفوف شباب الحراك.
ربما النجاح الوحيد لائتلاف قوى المعارضة هو في استقطاب القوى الشبابية والمتمثل في تواجد الاتحاد الوطني لطلبة الجامعة وتجمع «حدم» الشبابي، ولكن يقابل هذا النجاح إخفاق كبير من قبل الائتلاف في استقطاب الليبراليين كتجمع المنبر الديموقراطي والتحالف الوطني وخلو الائتلاف أيضا من الراديكاليين الإسلاميين كالسلفية العلمية وحزب الأمة الإسلامي.
وعلى صعيد النقابات وجمعيات النفع العام لا وجود لهم باستثناء الاتحاد الوطني للعمال، وهو بالمناسبة يختلف عن الاتحاد العام لعمال الكويت، وهنا يجب أن نتوقف كثيرا ونتأمل في النقابات والجمعيات التابعة لحشد ولحدس خصوصا، فجمعية المعلمين ونقابة البترول ونقابة الخطوط الكويتية والجمارك وجمعية المحامين وجمعية حقوق الإنسان، كلها تعمل في قطاعات وأنشطة مهمة جدا، ويتوزع انتماء منتسبيها بين التكتل الشعبي وحدس، ومع ذلك لم تنضو حتى هذه اللحظة تحت قوى ائتلاف المعارضة.
ومن المؤكد أن الحركة الدستورية الإسلامية «حدس» لم تدخل بكل قوتها في المعارضة إلى الآن، وربما لن تفعل لأنها تبحث دائما عن الصفقات الخاصة بها ولا تضع اعتبارا للمصلحة العامة.
أما كتل العمل الشعبي فكل طموحها عودة الأصوات الأربعة ويسيطر عليه الهاجس الانتخابي، ولكن وتحت وطأة تأثير الحراك الشبابي تبنوا فكرة الحكومة المنتخبة والهيئات السياسية، كما ان التكتل الشعبي يسعى دائما لتزعم الحراك السياسي ولو كان بمحاربة أطراف إصلاحية مؤثرة كتنسيقية الحراك وبعض المستقلين، مما افقدهم جزءا مهما من الشارع السياسي.
نتمنى على قيادة الائتلاف المعارض الذي نؤيده، ان يصحح أخطاءه قبل أن يطلق فعاليات، لأننا مع كل جهد إصلاحي.
وقديما قالوا «عد رجالك وأورد الماء»، حول الماء حيث تنتظركم الحكومة بكل ثقلها، والتي يبدو أنها تشجعت من تفكك المعارضة وأقدمت على تصريحاتها الأخيرة بعدم الحوار أو الرضوخ لتهديدات لمعارضة أو حب خشمها.
ملاحظة ختامية: «كتل العمل الشعبي وبعد أن شكلت مكاتبها ولجانها، فتح باب الانتساب إليها، والى كتابة هذا المقال لم تنشر مبادئها ولا أهدافها، وهذا يسيء إليها ويظهرها بأنها بحاجة إلى أتباع ليس لهم فكر ولا دور».
الأحجار لا تذرف الدموع
من قال إن الرشوة متفشية في البلدية وإن الأمور لا تُعالج إلا من تحت الطاولة؟ أنا بنفسي شاهدت الطاولات هناك فوجدت بعضها عبارة عن "كاونتر" مغلق من الأمام… اتقوا الله.
ومن قال إن البلدية لا تقوم بواجبها على الوجه الأكمل، وإنها تغض الطرف عن الأقوياء، وتمنح التراخيص للمباني التجارية من دون مواقف سيارات كافية فيزدحم الشارع؟ هل المطلوب من البلدية أن تنسخ من نفسها سبع نسخ عجاف! يكفي أنها تفرغت لإزالة غرف "الكيربي" من داخل بيوت البدون المكتظة بلحوم البشر، والصور تشهد، ودموع العجائز البدون تشهد، ومنظر الشايب البدون وهو جاثٍ على ركبتيه يتابع ما تفعله الجرافة في منزله، ويداه تمسحان دموعه بسرعة قبل أن يراها أحفاده تشهد، وصرخات المراهق البدون وهو يشاهد حيطان غرفته التي تضمه وشقيقيه، والمملوءة بالرسومات والأدعية وصور اللاعبين العالميين والأمل البعيد، تتهاوى حائطاً تلو حائط… أيضاً تشهد.
وكما جاء في مذكرات المصور الألماني بعد الحرب العالمية الثانية، ما معناه: كنت أصور مجازر الجيش الألماني في فرنسا، وألتقط صوراً للأم وهي تصرخ أثناء جر ولدها وتكبيله ووو، فتتسلل دمعة مني، فأمسحها بسرعة كي لا تشي بي، وما إن أعود إلى سريري وأتذكر المنظر حتى تنتابني هستيريا بكاء مخنوق وتنهمر دموعي بسخاء، ويوماً بعد يوم، تقل درجة الهستيريا وتتضاءل كميات الدموع حتى توقفت دموعي عن الهطول نهائياً وأصبح المنظر روتينياً ومألوفاً عندي.
الأمر ذاته بالنسبة إلينا ككويتيين تجاه ما يحدث للبدون، أصبح منظر التنكيل بهم روتينياً، وتوقفت دموعنا عن الهطول حزناً عليهم، وأصبحت مآسيهم أقل من أن نصرف أوقاتنا أو حتى أحبار أقلامنا عليها.
نحن يا صاحبي شعب من حجر، قلوبنا من حجر، عيوننا من حجر، وكل ما فينا حجر… والأحجار لا تتألم ولا تذرف الدموع.
يا الله… يا الله… يا الله…
النمسا.. وفال تودبول
أرسلني المصرف – الذي كنت أعمل فيه في منتصف الستينات – إلى لندن للتدريب في بنك باركليز. وبعدها بفترة أرسل هذا البنك فالنتاين تودبول للتدريب في مصرفنا، وتكوّنت منذ يومها بيننا صداقة لم تنقطع، ودعمت بموقفه الكريم والشهم معي اثناء فترة الاحتلال الصدامي لوطني، وهو موقف عجز عن اتخاذه أقربون واصدقاء! كان فال مولعاً بالعربية، التي تعلمها في معهد شملان في لبنان، وكان يتحدثها بطلاقة، ويهتم بمعاني كلماتها. وكان يقول عن نفسه مازحا إنه «جاسوس»، لان المعهد الذي درس فيه اشتهر بالتحاق كبار جواسيس المنطقة به لتعلم العربية، ومنهم كيم فيلبي البريطاني، الذي عمل لمصلحة السوفيت، وهرب الى موسكو بعد انكشاف امره، ومات هناك! وكيم هو ابن المستشرق ورجل الاعمال السعودي – البريطاني سانت جون فيلبي، الذي أسلم وسُمّي عبدالله، والذي مات في بيروت تاليا ولم يجد من يسير في جنازته، على الرغم من أفضاله على ولاة نعمته في السعودية!
ولكن فالنتاين لم يكن جاسوسا، بل مصرفيا محترفا، وقد كان دائم السؤال عن معاني الكلمات وطرح اسئلة غريبة لم يكن يجد لها جوابا، ومنها سبب انفراد العرب باستخدام النمسا اسما لجمهورية اوستريا Austria، ولم نعرف حينها الجواب. وتطلب الامر مرور اكثر من 40 عاما لأعرفه مصادفة عندما سألت السفير الروسي السابق في الكويت ألكسندر كينشاك، الذي انتهت مهمته قبل اسابيع، والذي كان يتكلم العربية بطلاقة، عن تفسيره للتسمية، فقال: إنها ربما اشتقت من اللغة الروسية، التي تعود اصولها الى اليونانية القديمة، وانهم واليونان يطلقون على الالمان «نيميتسكي»، وبما ان النمساويين يتكلمون الالمانية فقد شملتهم التسمية، ولكن العرب – لسبب ما – خصّوا بها اوستريا دون الالمان! وكلمة اوستريا او اوسترش تعني بالالمانية البلاد الشرقية، وذلك لوقوعها شرق الجزء الاكبر من المانيا. وقد حكمت سلالة هابسبورغ، اقوى العائلات الملكية الاوروبية، النمسا لاكثر من 700 عام، وفي عهدهم ضموا هنغاريا لهم وشكلوا الامبراطورية النمساوية الهنغارية 1867 – 1918، ولكن هزيمتها في الحرب العالمية الاولى اجبر امبراطورها على التنازل لتصبح النمسا جمهورية مستقلة، كما منعتها شروط اتفاقية الاستسلام من الاتحاد مع المانيا ثانية! ولكن الشروط المجحفة والوضع الاقتصادي المتردي في النمسا أديا الى تصاعد النازية فيها، وبالتالي اتحدت مع المانيا ثانية عام 1938، وهذا ادى الى ان يشاركوا في الحرب العالمية الثانية الى جانب الالمان، ومع هزيمة دول المحور استقلت النمسا عن المانيا وأعلنت حيادها.
ويكفي النمساويين فخراً ان الموسيقار العبقري اماديوس موزارت واحد منهم، كما انها بلد سياحي مقصود، حيث يزورها سنويا اكثر من 35 مليون سائح، مقارنة بــ 200 سائح يزورون الكويت!
أحمد الصراف
«تيار الصدفة»
الحراك، وانقسامه، والحوار، والتنسيق، والسلف، والشعبي، والإخوان، عناوين تتصدر أحاديث فئة كبيرة من المعارضين اليوم، وكأن ما يحدث من انقسام وتشتّت لدى بعض المعارضين مفاجأة أو أمر غير متوقع. بل هو متوقع وطبيعي ومحتوم كذلك، وحذرنا منه بعض المخلصين منذ البداية، ولم ينصتوا بحجة أن الإصلاح يجبّ ما قبله وما بعده، فعندما يسلم البعض "تيار الصدفة" (الأغلبية المبطلة) زمام أمور المعارضة فالانقسام والضعف نتيجتان حتميتان، فتيار الأغلبية المبطلة لا يجمعه شيء سوى أن أعضاءه حصلوا على مقاعد نيابية في مجلس فبراير دون تخطيط مسبق؛ بعضهم طائفي وآخر قبلي وثالث ديني سلفي ورابع ديني من الإخوان وخامس شعبي وسادس ليبرالي وسابع وثامن وتاسع لا يعلمون ما هي طموحاتهم وأولوياتهم بالضبط. بل إنه حتى في فترة توليهم للتشريع لم يلتزموا بوعودهم للناخبين في تحقيق الإصلاح السياسي، وانصرفوا عن ذلك بقوانين حشمة، وإعدام، وسورية، ورفع الحصانة، وغيرها من أمور لم تكن على طاولة وعودهم أبداً. كيف لعاقل أن يتوقع من "تيار الصدفة" هذا أن يقود أي عملية لإصلاح ملف واحد كي يصلح وطناً كاملاً، وإن سلمنا جدلا بأنه من الممكن لتيار غير متجانس أن يقود الإصلاحات، فكيف لنا أن نصدق بأن نفس التيار الذي ضرب بأولويات الإصلاح عرض الحائط حينما تسلم زمام السلطة التشريعية هو من يستحق الثقة مجدداً؟ العلة هي أن الكثير من الشباب أراح نفسه من عناء التخطيط وتقديم قضايا معتبرة ومدروسة من شأنها الارتقاء بالوطن، واكتفى بترديد ما يقوله بعض أعضاء "تيار الصدفة" دون تفكير أبدا، والمصيبة أن "تيار الصدفة" يلبي رغبات بعض الشباب غير المدروسة ليحافظ على وجودهم حوله، فعلى سبيل المثال فقط إعلان المقاطعة الدائم لأي انتخابات ما لم تكن بنظام الخمس دوائر بـ"أربعة أصوات" حتى إن حكمت المحكمة الدستورية بدستورية مرسوم الصوت الواحد!! رغم أن الحكم بدستورية مرسوم الصوت الواحد إن صدر يستدعي أن تكون هناك أغلبية نيابية تقنن مراسيم الضرورة كي لا يتكرر ما حدث في انتخابات ديسمبر. تقديم أولويات مدروسة بعناية تقدم إصلاحاً حقيقياً للبلد، وتعزز من حريات الفرد قبل كل شيء، والتعاطي السياسي المرتكز على "الممكن" مع الأوضاع الحالية، والانصراف عن "تيار الصدفة" إلى أن يتفتّت ويتلاشى هو عبء كبير على المعارضة والإصلاح، تلك هي الحلول الحقيقية لوضع أفضل. ضمن نطاق التغطية: كانوا نواباً لمجلس مدته أربعة أشهر، ومضى على زوال صفة العضوية منهم عشرة أشهر، وما زالوا متمسكين بمسمى الأغلبية رغم انتفاء عضويتهم؟! بالمناسبة ولمن يعرف الإجابة فقط ما الرابط المشترك للأغلبية؟ بمعنى ما الشروط التي يجب توافرها في مجلس فبراير ليكون النائب عضواً بالأغلبية؟