عادل عبدالله المطيري

هل هو حراك أم ثورة؟

يعرف الحراك السياسي بأنه ـ ذلك النوع من التغير التدريجي الذي يحدث في المجتمع، فيترتب عليه حصول عموم المواطنين ممن هم أقل حظا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا على فرصة حقيقة للتطور والتقدم.

بعكس الثورة التي عادة ما تحدث تغيرا دراماتيكيا عنيفا في المجتمع ككل ـ وعلى المستوى الفكري والثقافي والسياسي والاقتصادي فتتبدل طبقات المجتمع وتبرز أفكارا سياسية وثقافية عادة ما تكون متطرفة، نتيجة لقفز قلة من الأفراد إلى مراكز النفوذ ليستأثروا بكل الثروات والامتيازات ولا يقدمون إلى عامة الشعب سوى بعض الشعارات

هذا هو واقعنا العربي منذ قرن مضى وحتى يومنا هذا ـ فالدول التي اعتمدت خيار الثورات حطمت شعوبها ودولها، لأننا كعرب لا نحسن الثورات كما نحسن أي عمل آخر.

أما الدول التي اعتمدت التحديث والتطور التدريجي وبالرغم من بعض الانتكاسات الا أنهم في نهاية الأمر ـ افضل حالا من الآخرين كما هو في دول الخليج والأردن والمغرب.

يجب أن يعي شباب الحراك السياسي في الكويت أننا نؤيد حقهم في الحصول على المزيد من الحريات والتقدم والعدالة والمساواة، على أن تكون بدون صدامات عنيفة مع السلطة لأنها حتما لن تجدي معهم.

فعندما يستخدم الحراك السياسي بعض المصطلحات العنيفة في مخاطبة السلطات يكون كمن يسكب الزيت على النار، فالحراك السياسي حقيقة قد ابتلي بأشخاص كانوا قريبين من السلطة سابقا ثم استبعدوا، والآن يريدون تصفية حساباتهم الشخصية مع السلطة وعلى حساب الحراك الشبابي.

كذلك لا يمكننا إلا أن نسجل اعتراضنا على بعض مظاهر التحدي الصارخ الذي يتبناه بعض الشباب باستخدام بعض المظاهر القبلية محاولين بذلك صبغ الحراك السياسي بلون عرقي واحد، مما سيترتب عليه أضعاف الحراك السياسي، وتنفير فئات اجتماعية عديدة منه.

في نهاية الأمر ـ السلطة لم تستجب لمطالب الحراك، لأن أعضاء المعارضة بالأصل غير متفقين عليها، ولأن سلوك بعض المنتسبين للحراك السياسي ووقوعهم في المحظور القانوني والدستوري قد أوقع الحراك في حرج كبير، وأصاب الحراك بالضعف فتحولوا من الهجوم على السلطة إلى الدفاع عن نفسه.

فكثير من شباب الحراك مهددون بالسجن أو مسجونون بالفعل ، ونتمنى أن يكسبوا قضاياهم في النهاية، ولكن وسط كل هذا العجاج القانوني ربما أضاع الحراك السياسي أهدافه « ضيع صيدته بعجاجه»

في الختام ـ الثورات عنيفة وغير مضمونة النتائج، نجح بعضها في تحقيق أهدافه وفشل الكثير منها في ذلك، لكن لا احد ندم على التحديث والتطوير والحراك السياسي المنظم، فليكن الحراك السياسي المنظم هو هدفنا الذي نسعى إليه بكل سلمية.

 

محمد الوشيحي

كُف أصابعك يا مسلم البراك عنا…

    كلمة "ليت" لا تُسقي ولا تشبع ولا تبني البيت، وإلا كنت قلت: "ليتنا كما قال مسلم البراك عنا: (من يقول إن الكويتيين قوم مكاري سأضع أصابعي في عينيه)"، و"قوم مكاري"، لمن لا يتحدث اللهجة، المقصود بها القوم الذين يرفع كلّ منهم شعار "نفسي وبس" ولا يأبه لما يحدث للآخرين.
مسلم البراك قال هذا الكلام وهو واقف بين الجماهير التي احتشدت أمام ديوانه لمنع القبض عليه. وهي مجاميع حرة غاضبة ليقينها أن هناك تعسفاً ضد البراك، وأن من يستحق السجن هم اللصوص والفاسدون لا من يدافع عن الشعب ومصالحه ووو…
وإذا كانت الجماهير المحتشدة محقة، فإن مسلم البراك قد استعجل في حكمه ورأيه، فبعض المحتشدين جاءوا دفاعاً عن مسلم البراك تحديداً، مسلم البراك بنفسه ونهجه ومواقفه، لكننا لم نرَ نصف هذا العدد، ولا حتى ربعه ولا عُشره يجتمع مع غيره من شبان الحراك السياسي، كصقر الحشاش وراشد العنزي وعياد الحربي وحامد الخالدي ومطلق السند وغيرهم، بل إن بعضنا لا يعرف هذه الأسماء ولا يدري إن كانوا في السجن أم مطاردين، مع الأسف. علماً بأن البراك يكرر أسماءهم يومياً ليحفظها المارة وليهتم بهم الناس، ويشارك في الاعتصامات اليومية تضامناً معهم.
صحيح أن عطاء أبي حمود (مسلم البراك) وتاريخه ومواقفه وصلابته وتحمله لحملات الشتائم والتشكيك والافتراء والأشواك التي زُرعت في طريقه وحرارة الرمضاء ووو… صحيح أن كل ذلك يستحق منا كشعب "رد الجميل"، فهو يئن مع كل مريض، ويسعد لسعادة البسطاء من الناس ويبكي لبكائهم، ويشاركهم احتجاجاتهم. لا يجحد ذلك إلا جاحد. ولا نقارن عطاءات بعض الشبان بعطائه على مدى سبع عشرة سنة. لكن يا أبا حمود ماذا عن بقية النواب الذين قدموا التضحيات، كأحمد السعدون مثلاً أو فيصل المسلم أو جمعان الحربش أو حسن جوهر أو غيرهم من ذوي التاريخ؟ هل كانت الناس ستحتشد بهذه الأعداد كما فعلت معك؟
أعلم أن لك رمزية، وأن لك مكانة كبرى في أعين الناس، تستحقها بجدارة (لمن يقرأ هذه المقالة من خارج الكويت أقول: أقيمت الاحتفالات في المنازل ونزلت دموع الفرح من أعين العجائز ووو)، فعلاً تستحقها بجدارة، فأنت لم تتسلمها هدية، ولا حصلت عليها من "كوبون امسح واربح"، ولم تشترِها بمال، ولا غير ذلك، بيد أن هناك من السياسيين مَن أعطى لسنين وسنين، وكان ثابتاً في مواقفه كالطود، ولا أظنه سيحصل على "الحماية الشعبية" التي حصلت عليها.
لا تستعجل أبا حمود في حكمك، يرحمنا ويرحمك الله، فمازلنا نحتاج إلى المزيد من التوعية والتنبيه وشحذ الهمم، قبل أن نصل إلى مرحلة "الجسد الواحد" التي تحرص ونحرص عليها. ويكفيك لتعرف أننا مازلنا في حاجة إلى ذلك، أقصد إلى التوعية وشحذ الهمم، أن تراقب ما تفعله تلك الصحيفة التي تبنت هجوم "الباصق" على بعض فئات المجتمع، وتكتكت لتفريق الناس، وكذّبت وادعت وافترت وتبنت الكاتب/ النائب الشتّام، فقوبلت بهجوم مضاد منا، وأنت من بين المهاجِمين، واتفقنا على مقاطعتها، ومع ذلك مازالت هي الأولى في مبيعاتها، وهي الأكثر انتشاراً وتأثيراً على من؟ على من تهاجمهم ويا للعجب، بل مازال منكم أنتم في الأغلبية السابقة من يتكتك معها ويتبادل معها أطباق "الجريش" في رمضان.
كف أصابعك عن أعيننا أبا حمود، ولا تستعجل في حكمك.

احمد الصراف

ابن الحسب وبنت النسب

كان من المعتاد، ولا يزال الأمر كذلك في مجتمعات عدة، إطلاق صفات الحسب والنسب على أبناء وبنات أسر معينة، اشتهرت بأصولها أو بكونها مؤثرة أو ذات نفوذ وجاه، أو أنهم أصليون! وهذه التعابير والأوصاف أصبحت مع الزمن بالية ولا معنى لها، بالرغم من أنها كانت لفترة طويلة ذات أهمية قصوى وتوضع في الاعتبار عند المصاهرة أو المتاجرة، وحتى عند الرغبة في تكوين صداقات شخصية وبناء مصالح مشتركة وحتى في اختيار الجار! وسبب ذلك أن أبناء الأسر، أو السراة، كانوا عادة ما يتميزون بأخلاق عالية، أفضل من غيرهم، نتيجة تمتعهم بمستويات تعليم أفضل من غيرهم، وهذا جعلهم أكثر تهذيباً في تصرفاتهم وتعاملاتهم وترفعهم عن صغائر الأمور، أكثر من غيرهم. كما كان الكرم جزءا من شخصياتهم، وجميع هذه كانت قلّما تتوافر في أبناء العامة، أو المزارعين والفقراء. كما كان أبناء الأسر الثرية أكثر مدعاة للثقة والاحترام، لأسباب معروفة، مقارنة بغيرهم. كما كان حظ بنت «الأصول» في الزواج أفضل من غيرها! ولكن مع التطور المدني الذي شمل كل المجتمعات تقريبا أصبحت هذه النظرة شيئا من الماضي إن لم تكن أمرا باليا، فقد تغيّرت النظرة للشاب والفتاة تدريجيا بعد أن تقاربت المستويات الثقافية بين طبقات المجتمع مع انتشار التعليم، العالي غالبا، بحيث أصبح ابن العائلة الفقيرة لا يقل تهذيبا وفهما وكرما عن ابن العائلة الثرية، الذي ربما خرّبه الدلال، أو دفعته كثرة المال إلى عدم الاهتمام بدراسته أو تعليمه وتعليم أبنائه من بعده. كما أصبحت أمراض العصر الحديث من مسكرات ومخدرات غير قاصرة على مرتادي الحانات من أبناء الفقراء والطبقات الكادحة، كما كان الحال عليه سابقا، بل أصبح أبناء الأسر الكبيرة معرّضين كغيرهم، وربما أكثر لموبقات العصر، وأصبح لهم دور كذلك في الفضائح المالية والسرقات، خاصة بعد أن أصبح الحصول على متطلبات الرفاهية أكثر صعوبة عما كان عليه الأمر في السابق! كما أصبح أمرا أكثر من عادي أن نرى مهنيين كبارا؛ كالأطباء والمهندسين والعلماء والمحاسبين من المتحدرين من أسر ذات خلفيات متواضعة، يقابل ذلك انحسار في أعدادهم من أبناء السراة، وسبب ذلك النمو والتطور الكبير الذي شهدته المجتمعات، مع الثورة الصناعية، وتوسّع قاعدة الطبقة الوسطى، وزيادة تأثيرها في الحياة العامة، وخاصة في السياسة، فغالبية من حكموا بريطانيا مثلا في نصف القرن الماضي كانوا من المنتمين إلى الطبقة الوسطى، الأكثر تعليما. كما أصبحت المهن العالية المدرة في يد هذه الطبقة، التي ربما كان ربها إنسانا كادحا، لكنه نجح في توفير أفضل التعليم لأبنائه من خلال عمله كعامل في منجم فحم أو مصنع سيارات، وكل ذلك أدى لاختفاء الفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع، وخاصة العليا والمتوسطة، بعد زيادة ثقة أفراد الفئة الأخيرة بأنفسهم نتيجة زيادة نفوذهم الاقتصادي والثقافي والفني، وبالتالي أصبحت مصاهرة أبناء السراة، أو الأسر المعروفة بفتيات الطبقة الوسطى، أو العكس، أمرا أكثر من عادي، بعد أن كانت لقرون عدة أمرا نادرا!

***
• ملاحظة: نهنئ الكويت وأنفسنا بفوز رواية الصديق والروائي سعود السنعوسي «ساق البامبو»، التي سبق أن كتبنا عنها وأشدنا بها، بجائزة أفضل رواية عربية لهذا العام، وقيمتها 50 ألف دولار، وقد نافس عمله الأدبي أعمال روائيين عرب كبار.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

«ما نخلص»

راشد وصقر وحمد ومسلم وأحمد و و و و و، ستستمر القائمة ولن تنتهي، وسيأتي اليوم الذي لن يكفي "تويت" واحد لتغطية أسمائهم مصحوبة بكلمة حرية، وسيظل البعض يصرخ رافضاً حبس هذا لقربه منه ومتجاهلاً حبس آخر لاختلافه معه. فنجدهم يكتبون الحرية لسعد لأنه انتقد أو شتم من يختلفون معه وعوقب بالحبس بناء على ذلك، ويصمتون عن فهد ويتجاهلونه لأنه انتقد أو شتم من يحبون وعوقب بالحبس بناء على ذلك، ولنا في تجاهل حمد النقي مثال صارخ على ازدواجية المعايير لدى الأغلبية. وستستمر المعضلة وسيحبس الكثيرون بناء على ما كتبوا أو قالوا أو استخدموا أي وسيلة تعبير بشكلها السليم أو الخاطئ، ولن تنتهي المشكلة إلا بطريقتين:  أن تتوقف الكويت كل الكويت بشعبها  وقاطنيها وحكوماتها عن مقاضاة كل من يعبر عن رأيه أو يشتم أو يقذف، وهو أمر لن يتحقق طبعاً، وحتى إن تحقق ليوم أو سنة فسيظل مرتبطا بأمزجة الناس المتغيرة والمناهج والسلوكيات المتعددة.  أما الطريقة الأخرى فهي ببساطة ألا تخرج قضايا التعبير كلها دون استثناء عن إطار الدعاوى المدنية دون الولوج إلى أي باب آخر جزائي أو جنائي أو أمن دولة، وحينها لن تكون هناك حاجة للمطالبة بحرية أحد عبر "تويتر" أو اعتصام أو مسيرة؛ لأن عقوبة التعبير لن تتخطى إطارها المنطقي والمعقول المتمثل بالغرامة المالية مع ضرورة إضافة الخدمات الاجتماعية إلى بند العقوبات على المدانين في قضايا التعبير بمختلف أشكالها. شخصياً، أنا لا أطالب بالحرية لأي مسجون في قضايا التعبير لأنني أعلم أن هناك نصاً قانونياً قائماً جاء من مجلس منتخب أو حكومة، يتيح للقاضي حبس المتهم، وبالتالي فإن مطالبتي بحريته اليوم تعني إما مخاطبة واستجداء القضاء للرأفة به أو مطالبتي بخرق القانون القائم، ولا أحب أن أستجدي أحداً ولا أرضى بكسر القانون وإن اختلفت معه. لذلك لا بد من تعديل كل النصوص القانونية التي تحبس الفكرة والتعبير، وأن تضعها في محيطها الطبيعي وهو الغرامة المالية والخدمات الاجتماعية الإلزامية، كالعمل دون مقابل لفترة معينة في أحد قطاعات الدولة، وإن لم نتجه إلى هذا الخيار فإننا سنظل أسرى المزاج الشعبي والحكومي إلى الأبد، فاليوم يلاحق من يعبر عن رأيه في اتجاه معين، وغداً يلاحق من يعبر في اتجاه آخر، وتتكرر الأسطوانة وإن اختلفت الأسماء والأفكار. لا أعلم إن كان ما أطرحه يعد حلاً متكاملاً أو تشوبه بعض الشوائب، لكن ما أعرفه جيداً هو أن الفكرة لا تموت بالسجن أبدا، ولنا في أحداث الأيام الأخيرة دليل واضح على ذلك، فلن يخرج راشد أو صقر بفكر آخر بعد حبسهم، بل إن احتمالية ازدياد شراسة فكرتهم أكبر وأعظم، ولا بد من تشريع يلغي الحبس في كل قضايا التعبير، وهو ما يجب أن نتحرك باتجاهه بدلاً من التركيز على حالات فردية تحبس، وقد لا تسعنا قوانا في وقت قريب عن الدفاع عنها جميعها. خارج نطاق التغطية: خبر تم تداوله يوم الاثنين بأن نائبة طلبت الدور في الحديث من نائب مقابل قبلة منها، لم يزعجني الخبر بقدر ما أزعجني انتشاره بين الناس دون أن يتحقق أحد من مصداقيته، بل ردده كثيرون لمجرد اختلافهم مع هذا المجلس، وهو يترجم بشكل واضح حجم المشكلة الأخلاقية التي نعيشها.

سامي النصف

عبقريات!

«العبقريات» هي سلسلة من السير التاريخية كتبها الأديب الكبير عباس محمود العقاد الذي بدأ حياته موظفا حكوميا صغيرا قبل أن يتوجه للسياسة والصحافة والأدب وقد أقر لاحقا بأنه كان يتلذذ إبان عمله الحكومي في أسوان بتعذيب المراجعين، فلا ينهي معاملة تحتاج الى يوم إلا بعد شهر أو شهرين وفي ذلك دلالة على انه يمكن ان نطلق على المعرقلين من الموظفين لقب «عباقرة» كونهم يقتدون بفلسفة صاحب العبقريات العقاد.. المعقد!

***

ونلحظ تفشي ظاهرة إبداعية محلية يمكن ان نطلق عليها مسمى «العبقريات» والتي تسببت في تحولنا من الريادة في كل مجالات الحياة وسبق الآخرين بأربعين عاما، الى التخلف عنهم بأربعين عاما وذلك خلال مدة قصيرة لم تتجاوز الأربعين عاما، ومازالت الفجوة تتسع مع كل يوم يمر والأسوأ من ذلك ان ذلك الإبداع وتلك العبقرية الفريدة قاربت على قتل وإبادة حلم المركز المالي، البديل الوحيد للنفط الذي بدأ انحدار أسعاره، ويا لها من.. عبقرية!

***

وإذا كان الإنجاز يرتبط في دول العالم المتقدمة بالتخصص، فعبقريتنا المحلية – ما شاء الله عليها – لديها إيمان متجذر لا يتزحزح بأن المسار الصحيح للرقي والتقدم يكمن في تسليم قيادة المستشفيات للمحامين والمكاتب الهندسية للمعلمين ومكاتب المحاماة للطيارين وشركات الطيران للعطارين وجمعيات الصيدلة للنجارين ورابطة الأدباء للمهندسين، والرجاء ألا يحدثنا أحد عما يجري لدى 7 مليارات من البشر الآخرين فنحن.. عباقرة.. غير!

***

وإذا ما آمنت باقي أمم الأرض المتخلفة بأن «الوقت من ذهب» فعباقرتنا المختلفون، لا المتخلفون، يرون ان الشعار الأصح هو «الهون أبرك ما يكون» و«أجّل عمل اليوم الى الغد أو بعد الغد أو الذي بعده»، فإن بنوا جامعاتهم وجسورهم ونواديهم ومطاراتهم ومستشفياتهم في عامين أو ثلاثة، فما المانع أن نقوم بالشيء ذاته في عشرة أو عشرين أو حتى ثلاثين عاما؟! وعلى شنو مستعجلين؟! الدنيا مو طايرة والعجلة من الندامة على قول أحد.. عباقرتنا!

***

وان تواضع الآخرون واستمعوا للمستشارين الأجانب وأهل الاختصاص المحليين حتى عمرت بلدانهم وتقدمت دولهم، فالواجب ـ كما ينص عقد غير مكتوب بين عباقرتنا ـ ان نظهر للمستشارين «الايانب» وأهل الاختصاص انهم أطفال وجهال وغير عقال، فإن قالوا أخضر قلنا أحمر وإن قالوا يمينا ذهبنا يسارا وإن نصحوا بالشراء بعنا وبالبيع اشترينا و.. عليهم يا عباقرتنا النشامى، لا تخلون من الخبراء واحد ولا تتعب سواعد ـ كما تقول إحدى أغاني صدام.. البائد!

***

آخر محطة: (1) يؤمن الآخرون بأن القرار خير ألف مرة من عدم اتخاذ القرار، ويؤمن عباقرتنا بأن ذلك خطأ فادح حيث ان عدم اتخاذ القرار يعني عدم الخطأ، وكيف يخطئ من لا يتخذ قرارا قط؟! فهمونا.

(2) وإن آمن الآخرون، ومعهم العقل والمنطق، بأن أخذك نفس الطريق سيؤدي بك كل مرة الى نفس المقصد ونفس النتيجة، فإن من عباقرتنا من يؤمن بحق ان تكرار استخدامك نفس الطريق سيؤدي بك كل مرة الى مقصد ونتيجة مختلفة، أي انك لو أخذت الدائري الخامس شرقا فإنه سيوصلك مرة الى السالمية ومرة الى الأحمدي ومرة ثالثة الى.. البصرة!

احمد الصراف

حال النساء في اليهودية

أرسل إلي قارئ رسالة تقول: هل تعلم بأن الحد الأدنى لاتمام صلاة الجماعة في الديانة اليهودية هو عشرة ذكور؟ وأن ليس للنساء حق التعبد، كما لا تجوز لهن تلاوة التوراة أمام حائط المبكى؟ كما يجب على الآباء الامتناع عن تعليم بناتهم قراءة الكتب المقدسة، لأن معظمهن، وفق الشرع اليهودي، ليس لديهن نية لتعلم شيء، فسوء فهمهن سيدفعهن إلى تحويل كلمات التوراة الى هراء! كما ليس للنساء حق لمس شال الصلاة الذي يضعه الرجال على رؤوسهم، لأنهن غير طاهرات، وان لمسنه وجب تبديله، فغسله لا ينفع فيه! أما شهادة الرجل فانها تساوي شهادة مائة امرأة، والمرأة كائن شيطاني، وأدنى من الرجل مرتبة! كما ورد في التلمود، وفق قوله، ان المرأة هي حقيبة مملوءة بالغائط، وان على الرجل تجنب المرور بين امرأتين أو كلبين أو خنزيرين! ولعدم وجود كلاب ولا خنازير في أحياء المتدينين، فان الحظر لا يشمل عادة غير النساء. أما الدعاء الذي يتلونه مع اشراقة كل صباح، فانه يحمل بين كلماته زوايا سوداء من حياة نسائهم اليومية، اذ يقول الرجل فيها: مبارك أنت يا رب لأنك لم تخلقني وثنا ولا امرأة، ولا جاهلا! أما المرأة فتقول بانكسار: مبارك أنت يا رب لأنك خلقتني وفق مشيئتك! كما يتطلب الأمر حلاقة شعر رأس المرأة بالكامل بعد زواجها، وأن تغطي رأسها بغطاء أسود، وان لم تفعل فلزوجها الحق في تطليقها. كما يصف بعض مفكري اليهود المتشددين المرأة بأنها لعنة. وتقول عنها التوراة بأنها أشد مرارة من الموت، والصالح أمام الله الذي ينجو منها؟ وتظل المرأة «نجسة» لــ 80 يوما ان انجبت أنثى، ونصف الفترة ان أنجبت ذكرا. ولا ترث عن أبيها، الا اذا لم يكن له ذرية من البنين! ويضيف صاحبنا، متهكما، بأن حقوق المرأة اليهودية مهضومة كلية، وتعامل كالصبي أو المجنون، وهي لا تعدو أن تكون أداة متعة. وان كانت من غير بني اسرائيل فهي كالبهيمة، والزنا بها لا يعتبر جريمة لأنها من نسل الحيوانات. ويقرر التلمود أن المرأة اليهودية ليس لها أن تشكو من زوجها. وللرجل اليهودي طلاق امرأته، ولكنها لا تستطيع أن تطلقه أو تطلبه منه، مهما كانت عيوبه! كما أورد القارئ أمورا كثيرة أخرى في رسالته، وكلها تصب في محاولة اثبات مدى دونية مكانة المرأة لدى اليهود، ربما مقارنة بمكانتها عند المسلمين، ولكن دون أن يصرح بذلك! ولكنه لم يعرف أن الزمن قد تغير كثيرا والظروف تبدلت، وأصبحت المرأة اليهودية غير التي قرأ عنها وأقنع نفسه بصورتها، فقادة اسرائيل «التاريخيون»! وسياسيوها ومفكروها لم يقبلوا يوما بالوضع الذي وصفه، وهو قريب جدا من الصحة، ولا بقدسية النصوص التي قالت بذلك، فغالبية أولئك الزعماء كانوا علمانيين، أو على الأقل غير مؤمنين ولا ممارسين للديانة، وبالتالي لم يكترثوا كثيرا بما ورد في الكتب المقدسة، ولا بآراء غلاة المتشددين منهم، ورموها خلفهم واعطوا المرأة ما للرجل من حقوق في الجيش والأجهزة العسكرية ومجالات عددية أخرى، ولهذا نجدها، ومنذ 1948 تشارك زميلها الرجل في الحاق الهزيمة العلمية والحربية بنا، الواحدة تلو الأخرى، وفي أكثر من ميدان وموقعة! فالعبرة لديهم ليست في مدى قدسية النصوص التاريخية والدينية، بل في مدى ما تساهم به في ضمان امن «دولتهم»، فكل شيء، بما في ذلك نصوصهم، يجب أن يسخر لرفاهية شعبهم وأمنه وسعادته وحقه في الحياة الحرة الكريمة، ذكرا كان أم أنثى، وليس العكس.
• • •
• ملاحظة:
تساءل قارئ عن صحة ما ذكرت عن زيادة عدد المحتفلين بعيد النوروز من السنة مقارنة بغيرهم من الشيعة، وهذا صحيح، فغالبية الاكراد سنة وعددهم 33 مليونا اضافة لمواطني جمهوريات آسيا الوسطى من طاجيك وتركمان وأذاريين، هذا غير افغانستان واجزاء من تركيا وغيرها كثير.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

رؤية حدس للإصلاح السياسي

بعد ان هدأت العاصفة مؤقتاً باخلاء سبيل الرمز مسلم البراك، اجد من المناسب الآن ان نطرح رؤية الحركة الدستورية الاسلامية للاصلاح السياسي لازالة اللبس عند البعض حول مقاصد الحركة واهدافها ووسائل تحقيقها. ولم نكن نتمنى ان نشغل القارئ بهذا الموضوع لولا هذا الكم الهائل من التشويه المتعمد للحركة ومقاصدها والتشكيك في النوايا الاصلاحية للقائمين عليها! لذلك لا بأس من التأكيد على بعض الحقائق التالية:
الحركة الدستورية الاسلامية تنظيم سياسي مستقل كويتي المنشأ والتكوين والتشكيل ولا يرتبط بأي تيار خارجي، لذلك من لديه قناعات اخرى فهو حر في قناعاته ونتحدى ان يثبت كائن من كان خلاف ما ذكرنا.
الحركة تسعى للاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ووسيلتها في ذلك الدستور الكويتي والقوانين المعمول بها في الكويت، ونرفض الوسائل التي لا تستند الى اساس دستوري او قانوني ولو كانت النية طيبة والمقصد شرعيا!
الحركة تؤكد ان وجود اسرة الصباح في الحكم امر حتمي ولا يقبل المساومة التزاما بنص المادة الرابعة من الدستور، كما ان ذلك وضع لازم للاستقرار السياسي، الا انه لا يمنعنا من النصح لهم والتوجيه ومنعهم بالوسائل المشروعة من الولوج بالخطأ، ومطالبتهم بالحكم بالعدل والمساواة بين الناس وفقا للمبادئ الدستورية المستقرة انطلاقا من المبدأ الاسلامي الخالد «لا خير فيكم ان لم تقولوها ولا خير فينا ان لم نسمعها».
الحركة ترى ان العدل اساس الحكم وترفض الانتقائية في تطبيق القوانين انطلاقا من المبدأ الشرعي «انما اهلك من كان قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد».
الحركة ترى اننا في دولة مؤسسات وان تطبيق الاحكام والحدود مسؤولية الحاكم وادواته الدستورية والا كانت الفوضى التي تأكل الاخضر واليابس.
الحركة ترى ان للمال العام حرمة وانه للعامة قبل الخاصة ولا يجوز استعماله لتنفيع فئة على حساب العموم.
الحركة ترى ان الوحدة الوطنية اساس قوة المجتمع وتلاحم افراده، وان أي عمل يزعزعها يجب على السلطة منعه.
الحركة ترى ان مراعاة الاخلاق الاسلامية والثوابت الشرعية امر لازم انطلاقا من الدستور والقوانين المعمول بها.
الحركة تدعو الى احترام الرأي الآخر كما تدعو الى الحوار لحل خلافاتنا، الا ان ذلك لا يعني التعدي على المفاهيم المعلومة من الدين بالضرورة.
نؤمن بان امن الكويت واستقلال اراضيها خط احمر لا يمكن تجاوزه وان منظومة الوحدة الخليجية هي الملاذ الآمن بعد الله.
هذه بعض من منطلقاتنا في الاصلاح السياسي… نؤمن بها قولا ونعمل على تحقيقها واقعا، ومن يدع اننا خلاف ما ذكرنا فعليه ان يثبت ذلك الادعاء والا هي شكل من اشكال الافتراء المتواصل على الحركة!
اما بالنسبة للواقع السياسي اليوم فاننا بالحركة الدستورية الاسلامية نرى ان العمل بدستور عام 62 والعودة للنظام الانتخابي قبل التعديل الاخير وتطوير العمل السياسي باصدار قانون للاحزاب السياسية يتماشى وتطلعات الشعب الكويتي وخصوصية مجتمعه هي قضايا مستحقة للاستقرار السياسي! اما الحكومة المنتخبة فمع قناعتنا بانها لا تحتاج الى تعديل دستوري الا اننا نعتقد انه قد حان الوقت لعمل حوار شعبي واسع للوصول الى آلية مناسبة لتحقيقها.
هذه حقيقتنا… وهذه افكارنا… وهذه وسائلنا لتحقيقها… فأين الخلل؟! اننا ندعو الشعب الى ترك سياسة التخوين للآخر، وعدم اتباع سياسة الاقصاء التي تمارس اليوم من البعض ضد الحركة، فالكويت تسع الجميع! 

محمد الوشيحي

سلامتها أم شيراك…

آآآخ كم كان بيل كلينتون يتمنى لو أنه رئيس عربي "يُحاكِم ولا يُحاكَم"، و"يَسأل ولا يُسأل"، و"يُحاسِب ولا يُحاسَب"، لكنه لسوء حظه لم يكن رئيساً عربياً بل رئيس أميركا، لذلك حاكموه وهزأوه وظهر في شاشات الفضائيات أحقر من لص المواسير المقبوض عليه متلبساً.
كلينتون كان يتمنى لو أنه يمتلك أراضي الدولة، فيعطي هذا الشاعر أرضاً هنا، ويعطي نديمه أرضاً هناك، ويمنح مستشاره المنافق حق احتكار هذا النشاط التجاري، ويهب رؤساء التحرير العطايا المذهلة، ويتكفل بهم وبذرياتهم، ويجلس الماس عند ركبته، ويخطب الواعظ خطبة عن وجوب طاعة كلينتون، ولو ضرب ظهر الأميركي وأخذ ماله، فيحصل مقابل ذلك على صرة من المال العام، وهي صرة حلال بالمناسبة، ووو…
وكم كانت المستشارة الألمانية ميركل تتمنى لو اجتمعت النساء عندها في حوش البيت، هذه تقبل يدها، وتلك تقبل كتفها، وثالثة تنافقها وتمتدح تسريحتها التي لا تليق إلا بها، ورابعة ترفع حاجبيها ذهولاً لجمال المستشارة وحسن قوامها، وخامسة وسادسة وسابعة…، فميركل من الغواني، والغواني يغرهن الثناء، ويجعلهن يعطين بلا حساب.
وياه كيف سيكون شعور الرئيس فرانسوا هولاند، والرئيس السابق ساركوزي، والأسبق جاك شيراك، والأسبق فرانسوا ميتران، لو أنهم كانوا "ولاة أمر فرنسا" لا رؤساءها… ما كان شيراك ليخرج من المنصب وهو لا يملك شقة تضمه وأسرته، أو ما كان ليخرج من المنصب أساساً، وما كان لجهاز المحاسبة المركزية أن يحمّله قيمة العشاء الإضافي للوفود الإفريقية على حسابه الشخصي، ويرفض تبريراته.
هؤلاء كلهم، رؤساء فرنسا ومستشارو ألمانيا ورؤساء وزراء اليابان وكل قياديي النرويج وفنلندا وهولندا ووو، يتمنون لو أنهم بقوا على كراسيهم إلى أن يموتوا، فتخلفهم ذريتهم، ويتقاسم أبناؤهم الوزارات والمناصب، ولا يجرؤ سياسي ولا صحافي على انتقادهم كي لا يخرج من الملة. لكنهم لو فعلوا ذلك لسحبتهم شعوبهم الجاحدة لأفضالهم من قفاهم الكريم إلى المحاكم، فما كل شعب كالشعب العربي الرائع، وليس أجمل من العرب (لم أقل أجبن) ولا أحلى ولا أزهى… وحنا العرب يا مدعين ال ال ال الكاني ماني، وسلامتها أم شيراك.

حسن العيسى

مشروع الفنيين الترزية

بينما يصرح رئيس المجلس الحكومي علي الراشد بأن المجلس لن يتردد في تعديل قانون الإعلام الموحد، يؤكد الشيخ سلمان الحمود وزير إعلام "وزارة الحقيقة" (أورويل ١٩٨٤) أن الوزارة لن تسحب مشروعها، وأن فنيين متخصصين وضعوا مثل هذا المشروع…! وفي هذا يظهر أن الطرفين، وهما مجلس الحكومة وحكومة المجلس، متفقان على تمرير مشروع القانون في آخر الأمر. فعلي الراشد المعبر عن لسان المجلس يقرر أن "المجلس لن يتردد في التعديل"، وكأن تعديل المشروع هو بيت القصيد، بينما المأساة تكمن في أن المشروع من ألفه إلى يائه ينتهك الدستور المنسي، وأبسط المبادئ المقررة لحقوق الإنسان وحرية التعبير، ويضع الإعلام الخاص كملحق خدم لوزارة الحقيقة ذات السيادة والقوامة، فالنضال يجب ألا يكون من أجل تعديل مادة هنا، أو مادة هناك، تلامس مسائل شكلية، بينما يظل صلب مشروع "تخزيم" الإعلام على حاله، وعلى عوراته، المطلوب هو نسف هذا المشروع بكامله، فقانون الجزاء، وقانون المطبوعات رقم ٣ لسنة ٢٠٠٦ فيهما من الشرور التي تنهش من حريات الضمير بأكثر من المطلوب، ولا حاجة، بعد ذلك، لابتلاع القليل مما تبقى من حقوقنا في أن نتنفس بهذا الجو الخانق.
بدورها، تصر وزارة الحقيقة على غطرستها، وعلى تأكيد ولايتها على عقولنا حين ترفض سحب المشروع، مقررة أن فنيين وضعوا المشروع، الله يهدي هذه الوزارة، ويهدي معها ترزيتها وكل أفراد سوق الخياطين العاملين بكل حكومتها، لكن كم أتمنى أن يكف الوزير الشيخ عن ترديد عبارة أن المشروع يخلو من السجن عدا "المساس بالذات الإلهية أو الملائكة أو الأنبياء…"، أدرك أن حشر عقوبة السجن عشر سنوات في المادة ٨٧ أريد به أن تكون الطعم للجماعات الإسلامية المعارضة حتى لا تكون لهم حجة في الاعتراض على المشروع، بينما الواقع أن المشروع يحيل على قانون الجزاء، بجرائم أمن الدولة الداخلي وبعقوبة العشر سنوات أيضاً لمخالفة الفقرة ٢ من المادة ٨٤، التي تنص على مسائل مجرمة منها "… {الدعوة} إلى اعتناق مذاهب ترمي إلى هدم النظم الأساسية في الكويت بطرق غير مشروعة…" تلك الفقرة الخطيرة أسوأ مما عددته المادة ٢٩ من قانون الجزاء، فتلك الفقرة من مشروع وزارة الحقيقة، تضفي العقوبة ذاتها ليس على الحالات التي قررتها المادة ٢٩ من قانون الجزاء فقط، وإنما تمدها وتوسع من نطاقها لتشمل الإعلام برمته، فهنا تمت توسعة الإدانة لتصل إلى إرهاب مخيف للفكر، فما هي تلك "المذاهب" التي ترمي إلى هدم النظم الأساسية في الدولة…؟ وكيف يمكن ضبطها وتحديد معانيها…؟! بدوري لا أفهم أياً من تلك المذاهب التي يقررها المشروع، لكني أدرك، يقيناً، أن مذهباً واحداً يهدف إلى "… هدم النظم الأساسية في الكويت…" هو مذهب السلطة الذي تتبعه الآن، أليس مثل هذا المشروع أحد تجلياته؟!

احمد الصراف

عادات المجبوس وتقاليده

ما الفرق بين الإيمان الغيبي الذي يكتسب من الطفولة، والطعام الذي نعطى ونحن صغار ونعتاد عليه، ونعتبره الألذ في العالم، ونشتاق له إن حرمنا منه لوقت طويل؟ الإيمان والتقاليد والعادات ونوعية الطعام تنشأ مع الإنسان، وتبقى معه مع تقدمه في العمر وتصبح جزءاً من شخصيته، وسيستمر ما بقي حياً في الميل والرغبة في طريقة نوم معينة أو طعام معين أو لباس أو طريقة فهم وفكر معينة، وكل ذلك يحدث ليس لأن هذه الأطعمة أو العادات والتقاليد والعقائد هي الأفضل، أو لمنطقيتها وصوابها أو فائدتها الصحية، بل لأنها أصبحت جزءاً من شخصية الفرد وكيانه منذ كان صغيراً، وبالتالي عشقه لها لا خيار له فيه، والأمر بالتالي لا يخضع لمنطق أو عقل! فمثلاً لا منطق حتماً في شوق الكثيرين من جيلي لوجبة حارة من حشرة الجراد، أو عشقنا للمجبوس، أو لدقوس الصبار، مع مربين يابس! ولا يمكن أن يرضى غالبيتنا باستبدال هذه الأطعمة بأخرى أكثر فائدة أو مشبعة أو أقل كلفة، فحب أو حتى عشق طعام أو فكرة محددة لا علاقة له بحسابات معينة‍‍! ولو أثبت عالم أو طبيب أن المجبوس وجبة سيئة وخطيرة، فغالباً سنتوقف عن تناوله، ولكن طعمه سيبقى تحت لساننا إلى الأبد، وسنشتاق له دوماً، وهذا ينطبق على العادات والأوامر والنواهي، فقد قابلت أشخاصاً في تركيا وماليزيا لا يعرفون شيئاً عن دين آبائهم وأجدادهم، ولا يمارسون أياً من طقوسه، ومع هذا لم يكونوا يقبلون فكرة تناول لحم الخنزير بتاتاً، لأنهم كرهوه وهم صغار! وبالتالي، فإن هذا النوع من المحبة أو الكره ثقافة وراثية لا علاقة لها بالمنطق، وهو ما يسمى بـ «الإيمان الأعمى» الذي يبني بسبب علاقات الدم البيولوجية، ويخلو تماماً من الوعي! وقد ظلم جيلنا، جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، أيما ظلم، كما طال الظلم أجيالاً بعدنا، عندما أجبرنا على حفظ النصوص الدينية عن ظهر قلب دون فهم أو مقارنة نصوصها بالعقائد الأخرى، وكان النقاش ولا يزال محرماً في مثل هذه المسائل، ربما لتواضع مستوى غالبية مدرسي المواد الدينية، الذين لم يعتادوا على التفكير الحر أصلاً، فكيف بالنقد والتحليل. وبالتالي، وجدنا أننا أصبحنا بعقولنا وقلوبنا مشربين بأفكار وتقاليد لا نعرف عنها الشيء الكثير، ومع هذا كان الكثيرون على استعداد للموت في سبيلها وقتل الآخر دفاعاً عنها بالرغم من عدم معرفتهم ما يكفي عنها غير ما توارثوه عن آبائهم! ولكن هؤلاء أنفسهم على غير استعداد لقتل ما يهاجم «المجبوس» أو يقتل الجراد أو يكره الدقوس، مع أن عامل الوراثة، وليس العقل، هو العامل الرئيسي والوحيد المسيطر هنا في تشكيل هذه الخيارات وترسيخها! وما ينطبق على المتشددين دينياً، ولأي عقيدة انتموا، ينطبق على أتباع أي فكر تسلطي، كما رأينا ولا نزال نرى في الدول الشيوعية والدكتاتورية. وليس غريباً بالتالي أن نرى أن الأحزاب «العقائدية» تحرص عند وصولها إلى الحكم، على السيطرة على نظام التعليم لكي تقوم بتشكيل عقول أجيال المستقبل حسب رؤاها ونظرتها للأمور، ولما تؤمن به من أفكار وعقائد!

أحمد الصراف