سعيد محمد سعيد

هيا بنا… «تشليخ تايم»!

 

قبل عدة سنوات، عاش كاتب عمود يومي في أبواب أحد المنتديات الإلكترونية المليئة بالأسماء المستعارة، وصارت أبواب ذلك المنتدى وكأنها رافده الرئيسي الذي يستقي منه المعلومات والأفكار والمناقشات والمباحثات! فلا يكاد يمر أسبوع إلا واحتوت مقالاته على إشارات مذهلة لموضوعات أكثر إذهالاً يستقيها من ذلك المنتدى ويبني عليها… كان بالفعل كمن يحارب طواحين الهواء.

الغريب في الأمر هو: كيف أكل ذلك الكاتب الطعم الذي كانت تلقيه له مجموعة من الشباب المشاكسين بأسماء مستعارة، فيملأون رأسه بها ويحرقون أعصابه ويشتد وطيسه! فلا هو يناقش كاتباً معروفاً، ولا مؤرخاً ضليعاً ولا عالم دين له مكانة علمية واجتماعية! والأنكى من ذلك، كيف كان يصدّق ما يطرحه (الضاحكون عليه) دون استناد على أدلة أو قرائن وخصوصاً فيما يتعلق بالقضايا الفقهية الخلافية والموضوعات السياسية التي كانت تفرض نفسها على الساحة؟

الطريف، أنه بعد صولات وجولات، امتدت لشهرين أو ثلاثة، كتب شابٌ من أعضاء ذلك المنتدى باسمه المستعار كالعادة موضوعاً جعل ذلك الكاتب يتوقف! لا أتذكر النص تحديداً لكن مفاده هو أن ذلك الشاب قال بما معناه: «عجيب هذا الكاتب الفريد… كنت ألقي له الشلخة تلو الشلخة والمعلومة المغلوطة تلو أختها وكان يأكل الطعم بسهولة! مسكين حتى ما يرجع إلى المصادر الوهمية التي أقدمها لكي يتأكد… كنت أتسلى عليه وخصوصاً حين أقرأ مقاله بعد أيام وقد أكل الطعم بغباء».

بالطبع، مع التطور المذهل في تكنولوجيا الحاسبات الآلية، والتسارع غير المسبوق في منتجات شبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والوسائط التي تصبح قديمة بعد فترة وجيزة من ولادتها نظراً لتسابق الشركات والمبرمجين في إنتاج البرامج، تطورت أيضاً ممارسات الكذب والخداع والتضليل الإعلامي والاجتماعي لدى فئات مختلفة من البشر ممن لا يجدون أي رادع ديني أو أخلاقي يمنعهم من نشر سمومهم. غير أن المسئولية هنا، ومع اتفاقنا على أن ذلك الفعل منكر ومرفوض شرعاً وعرفاً وخلقاً ومهنةً، تقع على المتلقي نفسه!

إن المصفاة (الفلتر) المطلوبة هنا لا يمكن إنتاجها تقنياً لتركيبها في عقول الناس، بل الناس بإمكانهم وبكل سهولة، أن «يفلتروا» ما يقع بين أيديهم من معلومات وأخبار وصور حتى لا يصيبوا قوماً بجهالة؟ كيف؟

«تشليخ تايم»، وفق ما يستخدمه الشباب من تسميات وصفية للحالات التي هم فيها: «أكل تايم… رياضة تايم… يمعة الأهل تايم… الخ»، هي شكل سيئ للغاية من أشكال البذاءة والابتذال والقول الرخيص لدى شريحة كبيرة من صغار العقول والطائفيين والحقودين والكذابين الذين، وطبقاً لنفسياتهم الخبيثة، يستخدمون أحدث برامج التصاميم والتسجيل ليصبوا جام غضبهم على من يخالفهم في الرأي، بل وربما صبوا أحقادهم على بلدٍ بأكمله أو طائفة أو ملة.

وليس التشهير بالشخصيات، رجالاً ونساءً، بمن فيهم علماء دين ومثقفون وناشطون حقوقيون وسياسيون وإعلاميون وغيرهم بغريب، حيث تمتلئ مواقع الكترونية وشبكات تواصل اجتماعي ومنتديات بكم هائل من العمل الخبيث بغية الكيد والتسقيط وتشويه السمعة. وعلى أية حال، فالعمل السيئ يحيق بأهله، ورأينا كيف أن بعض الأسود وأبطال الكيبورد وبضع مغردين (من طراز مخرخشهم) قد عبثوا وشوهوا وأساؤوا إلى الناس… ثم ما لبثوا أن انفضحوا على رؤوس الأشهاد، وفي الساحة ذاتها، ساحة الانتشار التقني عبر الحاسبات والألواح الإلكترونية وأجهزة الهواتف الذكية.

اليوم، نشهد في المجتمع البحريني أشكالاً متعددة من العبث الإعلامي الإلكتروني بدءاً من حسابات تويتر والفيسبوك والانستغرام مروراً بالمنتديات الإلكترونية وليس انتهاءً إلى حد! جماعات شغلت نفسها بتركيب الصور وتغيير محتوياتها للإساءة إلى الصورة الأصلية وأصحابها… جماعات أخرى تتعمد اقتطاع مشاهد متلفزة لتحوّرها على اليوتيوب كذباً وتضليلاً وخداعاً. آخرون شغلهم الشاغل هو بث الأكاذيب عبر نصوص البث (برودكاست) في المجموعات العنكبوتية على الهواتف الذكية. الغريب، أن هناك من الفئات المثقفة والمتعلمة من تستقبل وتقرأ ولا تقتنع بما وصلها لكنها… تعيد الإرسال! ويتلقى إنسان محترم فاهم عاقل الأكذوبة ويقوم بدوره بنشرها، وهكذا يشارك البعض في نشر الخبيث! وليس أصعب من أن تجد كاتباً أو مثقفاً، أو سمهم ما شئت، وقد صدقوا واستندوا وعمموا تلك الأكاذيب وأضافوا إليها من بنات أفكارهم المنحرفة الشيء الكثير المقزز الكريه.

(تشليخ تايم)… موضة دنيئة ابتكرتها نماذج ساقطة من المجتمع لتضليل الناس وخداعهم ونشر القذارات السيئة، لكنهم نجحوا في أن يملأوا رؤوس من استعد لأن يرمي بكل مقاييس الدين والأخلاق والكرامة ليفرح بسقوطه في قذارتهم… بس يا جماعة، الحوبة ما ترحم.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *