«العبقريات» هي سلسلة من السير التاريخية كتبها الأديب الكبير عباس محمود العقاد الذي بدأ حياته موظفا حكوميا صغيرا قبل أن يتوجه للسياسة والصحافة والأدب وقد أقر لاحقا بأنه كان يتلذذ إبان عمله الحكومي في أسوان بتعذيب المراجعين، فلا ينهي معاملة تحتاج الى يوم إلا بعد شهر أو شهرين وفي ذلك دلالة على انه يمكن ان نطلق على المعرقلين من الموظفين لقب «عباقرة» كونهم يقتدون بفلسفة صاحب العبقريات العقاد.. المعقد!
***
ونلحظ تفشي ظاهرة إبداعية محلية يمكن ان نطلق عليها مسمى «العبقريات» والتي تسببت في تحولنا من الريادة في كل مجالات الحياة وسبق الآخرين بأربعين عاما، الى التخلف عنهم بأربعين عاما وذلك خلال مدة قصيرة لم تتجاوز الأربعين عاما، ومازالت الفجوة تتسع مع كل يوم يمر والأسوأ من ذلك ان ذلك الإبداع وتلك العبقرية الفريدة قاربت على قتل وإبادة حلم المركز المالي، البديل الوحيد للنفط الذي بدأ انحدار أسعاره، ويا لها من.. عبقرية!
***
وإذا كان الإنجاز يرتبط في دول العالم المتقدمة بالتخصص، فعبقريتنا المحلية – ما شاء الله عليها – لديها إيمان متجذر لا يتزحزح بأن المسار الصحيح للرقي والتقدم يكمن في تسليم قيادة المستشفيات للمحامين والمكاتب الهندسية للمعلمين ومكاتب المحاماة للطيارين وشركات الطيران للعطارين وجمعيات الصيدلة للنجارين ورابطة الأدباء للمهندسين، والرجاء ألا يحدثنا أحد عما يجري لدى 7 مليارات من البشر الآخرين فنحن.. عباقرة.. غير!
***
وإذا ما آمنت باقي أمم الأرض المتخلفة بأن «الوقت من ذهب» فعباقرتنا المختلفون، لا المتخلفون، يرون ان الشعار الأصح هو «الهون أبرك ما يكون» و«أجّل عمل اليوم الى الغد أو بعد الغد أو الذي بعده»، فإن بنوا جامعاتهم وجسورهم ونواديهم ومطاراتهم ومستشفياتهم في عامين أو ثلاثة، فما المانع أن نقوم بالشيء ذاته في عشرة أو عشرين أو حتى ثلاثين عاما؟! وعلى شنو مستعجلين؟! الدنيا مو طايرة والعجلة من الندامة على قول أحد.. عباقرتنا!
***
وان تواضع الآخرون واستمعوا للمستشارين الأجانب وأهل الاختصاص المحليين حتى عمرت بلدانهم وتقدمت دولهم، فالواجب ـ كما ينص عقد غير مكتوب بين عباقرتنا ـ ان نظهر للمستشارين «الايانب» وأهل الاختصاص انهم أطفال وجهال وغير عقال، فإن قالوا أخضر قلنا أحمر وإن قالوا يمينا ذهبنا يسارا وإن نصحوا بالشراء بعنا وبالبيع اشترينا و.. عليهم يا عباقرتنا النشامى، لا تخلون من الخبراء واحد ولا تتعب سواعد ـ كما تقول إحدى أغاني صدام.. البائد!
***
آخر محطة: (1) يؤمن الآخرون بأن القرار خير ألف مرة من عدم اتخاذ القرار، ويؤمن عباقرتنا بأن ذلك خطأ فادح حيث ان عدم اتخاذ القرار يعني عدم الخطأ، وكيف يخطئ من لا يتخذ قرارا قط؟! فهمونا.
(2) وإن آمن الآخرون، ومعهم العقل والمنطق، بأن أخذك نفس الطريق سيؤدي بك كل مرة الى نفس المقصد ونفس النتيجة، فإن من عباقرتنا من يؤمن بحق ان تكرار استخدامك نفس الطريق سيؤدي بك كل مرة الى مقصد ونتيجة مختلفة، أي انك لو أخذت الدائري الخامس شرقا فإنه سيوصلك مرة الى السالمية ومرة الى الأحمدي ومرة ثالثة الى.. البصرة!