في مطلع عام 2011 ثار الشعب المصري على نظام حسني مبارك، الذي اتسم بالظلم والاستبداد وقهر الناس، ووصل الفساد خلاله إلى مستويات غير مسبوقة، وتمكّن خلال أسابيع قليلة من إسقاط النظام، وتسلّم العسكر بعده الحكم مؤقتا، لتسيير شؤون البلاد لحين إجراء انتخابات برلمانية شاملة. وأثناء حكم العسكر رفع المتظاهرون شعارات محددة، أهمها: الإسراع في إجراء انتخابات برلمانية نزيهة، وتطهير القضاء، وإعادة محاكمة حسني مبارك، بعد أن ثبت تورّط النائب العام الذي لم يقدّم أدلة كافية إلى المحكمة تدين الرئيس المخلوع، وأخيرا المطالبة بإنهاء حكم العسكر وتسليم السلطة إلى رئيس مدني يأتي بالانتخاب الحر المباشر!
وفعلاً تم انتخاب رئيس مدني بانتخابات شهدت بنزاهتها مؤسسات المجتمع المدني الدولية والمحلية التي راقبتها، وقام هذا الرئيس بتحقيق بقية مطالب الثورة، وخطا خطوة جريئة بإنهاء حكم العسكر، وتسلم السلطة التنفيذية كاملة، وأعاد محاكمة الرئيس المخلوع، بعد أن شاب الحكم الصادر كثيرا من العوار، وشكّل اللجنة التأسيسية لإعداد مسودة الدستور الجديد، وكل ذلك لم يكن ليتم إلا بإصدار إعلانات دستورية رئاسية، وهذا ما حصل. وبعد أن اعترض البعض على طبيعة بعض هذه الإعلانات، ألقى الرئيس خطابا أوضح فيه أنها إعلانات مؤقتة، تنتهي بإعلان الدستور الجديد، اي ان مدتها أسابيع معدودة فقط، ومع هذا عدل وألغى في بعض هذه الإعلانات لتهدئة الناس، وبالذات في موضوع تشكيل اللجنة التأسيسية.
طبعا أول من انزعج من قوة الرئيس الجديد وجرأته في التغيير هم بعض رجال القضاء! فأثاروا المشاكل والقلاقل، وأصدروا قرارات جائرة قضت بحل البرلمان المنتخَب، وكادوا أن يعلنوا بطلان انتخاب الرئيس، لولا أن الإعلان الدستوري أجهض مخططاتهم، وحرصوا على إشغال الرئيس بنفسه بدلا من ان ينشغل بإصلاح البلد، وتحريك التنمية، والانتقال إلى عهد الدولة الحديثة، خصوصاً أنهم علموا أن الرئيس بدأ باجتثاث رموز الفساد في العهد البائد، وكان واضحا من توجهات قنوات إخبارية تملكها بعض دول المنطقة أنها تنفذ مخططا لتغيير الرأي العام وتوجيهه ضد الرئيس وتشويه جماعة الإخوان المسلمين، وهذا أصبح ملحوظا لكل مراقب، حتى أصبح الناس يتندرون من تحميل الإخوان مسؤولية كل مشكلة تحدث في العالم! وقد حدّثني سائق التاكسي، وهو يمر بي على ميدان التحرير أنه يتسلم مبلغ 200 جنيه كل جمعة للتواجد في الميدان والهتاف ضد الرئيس والمرشد!
التيار الليبرالي في مصر، وبعد أن شكّل مع الفلول جبهة الإنقاذ، كما يسمونها، بدأ منذ اليوم الأول بحرب إعلامية تعتمد على الكذب لتشويه الخصم، وهذا الإجراء ذكّرني بخطاب للرئيس عبدالناصر أمام مجلس الشعب بعد حادث المنشية المفبرَك، كي يبرر ضرب تنظيم الإخوان والزج بهم في السجون، قال: «طلب مني المرشد العام أن أفرض الطرحة (الحجاب) على بنات الجامعة، فقلت له ولماذا لا تلزم بنتك أنت بلبسها قبل أن تطلب مني فرضها على الآخرين؟!». فضحك الناس! هكذا من دون حياء يكذبون على الناس، لأن الإعلام بيدهم، ومع الأسف يصدّ.قهم الناس المغرَّر بهم طوال هذه السنوات. وفي أيامنا هذه يعيد التاريخ نفسه، فهاهم يستخدمون الكذب والتشويه نفسيهما لتمرير أفكارهم، حيث قالوا إن الرئيس يريد أخونة الدولة! وضربوا أمثلة بتشكيل الحكومة واختيار المحافظين وتعيين رؤساء تحرير الصحف، ونظرة سريعة ومنصفة إلى هذه الأسماء تجد أنها ادعاءات باطلة، حيث إن تواجد الإخوان هو في الحد الأدنى في كل هذه التشكيلات، مع أنه في كل دول العالم يختار الرئيس الفريق الذي ينسجم معه ومع أفكاره، وعادة يختار الحزب الحاكم كل أعضاء حكومته من حزبه، ما لم يكن مضطرا للائتلاف مع حزب آخر، ومع كل ما سبق حرص الرئيس مرسي على أن يكون الإخوان أقلية في كل هذه المؤسسات، وقد حرصت على قراءة «الأهرام» و«الأخبار» و«الجمهورية»، وهي من الصحف التي تم تعيين رؤسائها، فوجدت أغلب المقالات تنتقد مرسي بالحق وبالباطل.
الحديث يطول في هذا المجال، وفي المقال المقبل سأتحدث -بإذن الله- عن أكذوبة التشيع في مصر، والإصلاحات، التي تمت في عهد رئيس لم تمض عليه ثمانية أشهر في الحكم! ولعلها كانت كافية كي يستعجل خصوم مصر محاربته ومحاولة إيقافها.