تذكرت، وأنا أقرأ خبر تبرع أمانة الأوقاف بمائة ألف دينار لدعم مشروع البصمة الوراثية، ما كان يردده القس الجنوب أفريقي دزموند توتو، في قمة تمسك الأقلية البيضاء في جنوب افريقيا بالحكم، من أسف على كل من مات وسيموت من ضحايا الفصل العنصري، لأن الحق سيعود لأصحابه من الغالبية السوداء، وأن من الأفضل للبيض الاعتراف بالواقع وإنقاذ كل تلك الأرواح الغالية من الموت دون داع! ذكرتني مقولة القس توتو وتبرع الأمانة بالقاعدة الفقهية الإسلامية في حكم ثمرة أي علاقة غير شرعية بين رجل وامرأة بأن «الولد للفراش وللعاهر الحجر»! ويعني ذلك أنه لا يحق للأم أن تطالب بوليدها من أي علاقة محرمة، بل يعود النسب للأب فقط، أما المرأة، وهي هنا «العاهر»، فليس لها شيء! وهذا يعني أيضا أن أي «رجل» يمكن أن يتقدم ويدعي انه الأب، ولا يحق للمرأة «الأم» أو العاهر أن تعترض، أو تنكر نسب ابنها أو ابنتها له! ومن هذا المنطلق اتت معارضة بعض الجهات والقوى الدينية، من سلف وإخوان، لأي محاولة حكومية لتطبيق البصمة الوراثية والاستعانة بها في تحديد النسب، بدلا من تطبيق القاعدة الفقهية، ليس فقط لخلفيتها الدينية، بل وأيضا بسبب التخوف من أن أي تطبيق موسع للبصمة الوراثية سيؤدي الى كشف النسب الحقيقي للكثيرين، وربما منهم من «وصلوا»! وأن بعضهم ليسوا ابناء أو آباء من يدعون الانتساب اليهم، وفهمكم هنا كاف!
وقد توقفت معارضة هؤلاء «الغلاة، او الذين على رأسهم ريشة» للبصمة الوراثية مع إقرار السعودية لها، وسيكونون خلال فترة قصيرة، كالعادة، ليس فقط من مؤيدي تطبيقها، بل وفي مقدمتهم! فقد سبق ان حرم هؤلاء مثلا المشاركة في الانتخابات النيابية، وفجأة تغير «مزاجهم الفقهي» ولم يكتفوا بتحليلها بل وحرصوا على أن يكونوا في مقدمة المشاركين فيها. والدليل على ذلك أن المعارضين السابقين للبصمة لم يكتفوا بالتزام الصمت، بعد القرار السعودي، بل قاموا بالإيحاء للأمانة العامة للوقف، من منطلق «ميانتهم» عليها، لصرف مبلغ مائة ألف دينار من صندوق الصدقات لدعم مشروع فحص البصمة الوراثية للمقيمين بصورة غير قانونية، أو «البدون».
ونحن إذ نثمن قرار الأمانة العامة للوقف، ومساهمتها في مشروع علمي وإنساني، إلا أننا نتساءل، من دون اي خبث، كيف أصبح «حرام الأمس» حلال اليوم؟ وإن كان بالإمكان وقف العمل بقاعدة فقهية بجرة قلم، فلم لا نمتلك الشجاعة لوضع تفسيرات مرنة وعصرية للكثير من القواعد الفقهية الأخرى؟ علما بأن البصمة الوراثية لو طبقت منذ عشر سنوات مثلا لخففت عبئا كبيرا على جهات عدة، مثل الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية، والإدارة العامة للأدلة الجنائية ولجنة دعاوى النسب وغيرها، علما بأن البعض منها بدأ «بسكوت» بالاستفادة من البصمة الوراثية. كما يذكر أن عدد الذين استفادوا من تبرع الأمانة بلغ 9580 فردا حتى الآن، بكلفة زادت على 814 ألف دينار، وبالتالي مطلوب قيام جهات اخرى بالتبرع لهذا المشروع الإنساني والحيوي، فكلفة الفحص الواحد تبلغ 85 دينارا.
أحمد الصراف