لم تتخلف إلا لأن نظامها التعليمي متخلف، ولا أمل في التقدم من الإكثار في العبادات أو بتركها، ولا بالدعوات الصالحات ولا بعكسها، ولا ببذل الخير أو بالبعد عنه، ولا بأي طريقة أخرى خلاف التعليم المميز! فقد هاجمتنا مختلف الأوبئة والأمراض لنقص معرفتنا بوسائل النظافة وطرق الوقاية، وغرقت سفننا لعدم كفاية درايتنا «التعليمية» بفنون الملاحة وتقلبات الجو، وخسرنا تجارتنا لقلة علمنا بعلوم الحساب، وانهزمنا في كل معاركنا لتفوق أعدائنا علينا، بعلومهم! وضاعت منا أشياء كثيرة يوم هجرنا العلم واحتمينا بالتعصّب وآمنا بالخرافات! ولو نظرنا لأكثر الأماكن رهبة وهيبة لوجدناها الأكثر تمسكا بالتقاليد، وبعدا عن العلوم الحديثة، وبالتالي لا مجال لإحداث أي تطور أو تغير نوعي على حياتنا، كتحسين قدرات الأمة ودفعها للعمل الخلاق، بغير معرفة العلوم الصحيحة، فغياب هذه المعرفة مثلا هو الذي سهل موافقة «النخبة السياسية» على قوانين وأنظمة كثيرة متخلفة وخطيرة بتبعاتها كقانون إسقاط فوائد القروض، الذي ستكون له تداعيات سلبية عميقة! فغريب أن يتصرف «أب»، على اعتبار أن النخبة المتمثلة في مجلسي الوزراء والأمة هما أب وأم هذا الشعب، بمثل هذا التهور وقلة الإحساس بالمسؤولية عندما يتعلق الأمر بمصلحة هذا الابن ومستقبله ورفاهية أبنائه من بعده! فلو أدرك هؤلاء الآباء النتائج الخطيرة التي ستترتب مستقبلا على قانون إسقاط فوائد القروض، لما أقروه أساسا، ولكن ما العمل وهم على ما هم عليه من…؟!
تقول قارئة وطبيبة معروفة إنها كانت تقوم بتدريس ابنتها التي تبلغ العاشرة عندما وقع نظرها على صفحة 55 من كتاب اللغة العربية للصف الرابع في موضوع تعلق بحث الأطفال على العطاء والتطوّع! وتقول إنها سعدت لوجود مواد في المنهج تساعد على غرس قيم أخلاقية عالية طالما افتقدناها في مجتمعاتنا، كالتطوع والتبرع بالدم، ولكن سعادتها لم تطل كثيرا، فقد وجدت مدى ما تضمنته المادة من تخريب، بغية تحقيق أغراض «سياسية» محددة! فقد طلب الدرس من التلميذات وضع علامة ( ) أمام أحد الخيارات التالية: إعطاء مال للمتسولين. التطوع في الهلال الأحمر. السفر للخارج بحثا عن المحتاجين. التبرع بالدم لبنك الدم. تقديم المال للمؤسسات الخيرية. وتقول إن ابنتها اختارت التبرع لجمعية خيرية، لأن المدرسة أوحت لهم بأن هذا الخيار هو الوحيد الذي يتيح لهم دخول الجنة! ثم يأتي من يعتقد بأننا، وبمثل هذا المستوى الهابط من التعليم والتربية سنتمكن يوما من هزيمة أعدائنا، ولن أفترض أن إسرائيل بينهم، فهذا حقا أمر «حامض على بوزنا»! إضافة إلى أن أعداء الداخل، وما أكثرهم، أشد فتكا وضررا من مائة إسرائيل وألف استعمار!
* * *
• ملاحظة: تبلغ القيمة السوقية لـ«غوغل» اليوم 249 مليار دولار! علما بأن الشركة لا تمتلك أي أصول صلبة، ولا مناجم ولا مصانع ولا عقارات، بل فقط ما في عقول مديريها من علوم!
أحمد الصراف
[email protected]