من أهم عوامل بناء الثقة بالنفس عند الطفل، وحتى البالغ، هو إعطاؤه أكبر مساحة من الحرية، ومن ثم محاسبته على تصرفاته، Trust and verify، والقاعدة القانونية في أغلب دساتير العالم تشدد على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، إلا أن العكس هو المطبق في أغلب دولنا، فالشخص متهم حتى يثبت العكس، وعليه أن ينال نصيبه من الركل والشتم قبل أن يتضح أنه بريء! مشروع القانون الحكومي المتعلق بالرقابة على وسائل الإعلام، والشهير بمشروع «خنق الحريات» هو قانون يفترض من كتبه أن جميع مستخدمي وسائل الاتصال الاجتماعية والكتّاب، هم سيئو النية ومتهمون، وهذا افتراض لا يمكن أن يخلق جيلا واعيا مدركا لمسؤولياته، أو ربما هذا ما يريده من صاغ مواد ذلك القانون. وبالتالي كانت ردود الفعل السلبية عليه من كل أطياف المجتمع ومكوناته أمرا طبيعيا، ودليلا على سوء نية من اقترحه، واعتباره جوابا غير عقلاني على ما يعانيه الوضع السياسي من احتقان، لما يفرضه من رقابة مسبقة على حرية الرأي، التي «كرّسها» الدستور. ويبدو أن جهات في الحكومة، ربما يمثلها وزير الإعلام، الدمث الخلق اجتماعيا، وغير ذلك إداريا، تود استخدام مواد هذا القانون القاسية للسيطرة على تدفق المعلومات والحد من حرية التعبير، كما ورد في بيان لمنظمة «مراسلون بلا حدود» العالمية، وقولها إن القانون لن يؤدي حتما لتعزيز الحريات، كما زعم الوزير المعني، بل سيشكّل تهديدا لحرية الإعلام، إن أقره مجلس الأمة بصورته الحالية، وسيؤدي إلى تكميم الأفواه، وهذا ربما ما تسعى إليه وزارة الإعلام، في تعارض واضح مع تصريحات سابقة للوزير لقناة «بي بي سي»! كما أن من المضحك قوله إن القانون يهدف إلى حماية الإعلاميين والمجتمع! فمنذ متى كان الحد من تدفق المعلومات وحرية القول والنشر ضروريا لصحة المجتمع وعقل أفراده، وفيه حماية للإعلاميين؟ ومن هم هؤلاء الذين يهدف القانون إلى حمايتهم، وهم المهددون، من خلال مواده، لتوقع أشد العقوبات بحقهم، إن هم حاولوا كشف أوجه الخلل والفساد في الأجهزة الحكومية، أو الدعوة إلى تصحيحها؟ ويكفي للاستدلال على الطبخة الخبيثة وراء الرغبة في إقرار هذا القانون، ما ورد على لسان إحدى النائبات في مجلس الأمة، من أنها لم تقرأ القانون، ولكن اطلعت على بعض منه، وهذا كان كافيا لكي تؤيد إقراره، لأن البعض، حسب قولها، أساء لحرية الرأي وشتم وضرب وطعن في ذمم وشرف الآخرين دون أدنى مسؤولية! وطبعا هذا كلام أجوف، ويخلو من الجدية تماما.
أما قولها إن القانون تعارضه غرفة التجارة، وصحف ثلاث تمثل رأي الغرفة، فهذا إن صح، فإنه شرف للغرفة وللصحف الثلاث، وأعتقد شخصياً أن هذا القانون لو أُقر بصيغته الحالية، فستنتفي عنا صفة «دولة ديموقراطية»، ونصبح جميعا مكممي الأفواه، وهذه بداية الدكتاتورية، وستزيد من تفشي الفساد والمفسدين! أما غير المستغرب، والمستهجن جدا، فهو موقف بعض المعنيين الذين يتصرّفون وكأن الأمر لا يعنيهم! وهذا موقف مخجل آخر!
أحمد الصراف