مرت علينا قبل فترة مناسبة عيد النوروز، الذي تبلغ نسبة المحتفلين به من الشعوب المسلمة السنية أضعاف تلك الشيعية. وعندما قبض آية الله الخميني على الحكم في إيران وتخلص من خصومه، أجرى مجموعة من التغييرات الجذرية في المجتمع الإيراني، ومنها منع الاحتفال بـ«عيد النوروز»، لاعتقاده -ربما- بوثنية العيد ولطقوسه الأقرب إلى المجوسية، الزرادشتية. كما منعه لتضمنه احتفالات فرح وموسيقى ورقص في البيوت والشوارع والحدائق، وهي أمور لم يكن الخميني يحبّذها! ولكن ما إن انحسر التأثير الطاغي لزعيم الثورة بوفاته حتى عاد الإيرانيون، وبقوة، للاحتفال بالمناسبة، فهو العيد الوحيد الذي يعني لهم الكثير. ويتضمن الاحتفال به إصرارا على التمسّك بالحياة والتمتع بمباهجها! يبدأ النوروز مع بداية السنة الفارسية، الشمسية الهجرية، وهو يوم الاعتدال الربيعي، حيث تُعطل فيه كل الجهات الحكومية والأهلية في إيران ودول عديدة أخرى، أعمالها، وتتوقف الدراسة اعتباراً من اليوم السابق لبداية السنة، ويستمر العيد 13 يوماً، وتسميته في الفارسية تعني: اليوم الجديد، وهو اليوم الأول من شهر «فرردين»، أو الحمل، ويصادف 21 مارس، وبدايته تكون في الدقيقة التي تتم فيها الأرض دورتها السنوية حول الشمس وتبدأ دورة جديدة، وتبلغ احتفالات العيد ذروتها في اليوم الثالث عشر والأخير منه، «سيزده بدر»، عندما يخرج كل قادر من بيته للتمتع بالطبيعة في الحدائق والأماكن الخلوية، وليلقوا بنباتات الحبوب التي زرعوها في اليوم الأول من العيد، والتي سبق أن زيّنوا بها صينية الـ«هفت سين»، بأحد الأنهار أو الجداول، لتحمل أحلامهم وأمنياتهم بحياة جديدة أكثر خصوبة ورخاء، وأقل عداوة وحقدا على الغير.
يعتبر التقويم الفارسي الشمسي دقيقاً جداً، ويتكون من 365 يوماً في السنة البسيطة و366 يوماً في الكبيسة، وقد أشرف على وضعه الشاعر والفلكي عمر الخيام بمعاونة سبعة من علماء الفلك، وتتبع التقويم أفغانستان، ويختلف عن الغربي في أن أشهره الستة الأولى تتكون من 31 يوماً والأشهر الخمسة التالية 30 يوماً، أما الشهر الأخير فيتكون من 29 يوماً في السنة البسيطة و30 يوماً في السنة الكبيسة، وبالتالي قد يقع العيد في 21 من مارس أو قبله أو بعده بيوم، اعتماداً على اللحظة التي تكمل فيها الأرض دورتها السنوية حول الشمس، ووفق تطور السنة الكبيسة، وعلى الرغم من عدم وجود أي دليل يربط العيد بالفرس، لاهتمام الشعوب الكردية والتركمانية في كل جمهوريات آسيا الوسطى، كأذربيجان وتركمانستان وطاجيكستان وغيرها بالاحتفال به بالقدر والأهمية نفسهما، إلا أن المظاهر والتسميات الفارسية لمراحله تطغى عليه.
أحمد الصراف