بالتأكيد، يدخل تقرير الزميل أحمد بلال في صحيفة «المصري اليوم» عن مؤتمر هرتزيليا الثالث عشر تحت العنوان الأكبر للسبق الصحافي المميز! ففي ذلك التقرير الذي نشر يوم الخميس (4 أبريل/ نيسان 2013)، والذي انفردت به «المصري اليوم»، تفاصيل في غاية الخطورة لما دار في ذلك المؤتمر الذي (يعد أحد أهم المؤتمرات التي تضع استراتيجية الصهاينة)، لكن أهم توصية صدرت عن ذلك المؤتمر في أواخر مارس / آذار الماضي هي ضرورة تكريس الصراع السني – الشيعي، وتشكيل محورين من دول المنطقة: سني وشيعي!
الصراع الطائفي في المجتمع الإسلامي، وكما نبه له الكثير من العلماء والباحثين والمثقفين والكتاب على مدى العقود الثلاثة الماضية تكثيفاً، كان ولايزال يقع تحت عنوان (مؤامرات الغرب والصهاينة ضد العرب والمسلمين)، إلا أنه مع هذه الحقيقة الماثلة والتي لا يمكن انكارها، فإن هناك حقيقة أخطر، وهي أن المجتمعات الإسلامية ذاتها، تحت وطأة رؤوس طائفية من المحيط الى الخليج، هي من يتولى اشعال الصراع المذهبي في الأمة، بدرجة ربما تفوق ما يتمناه الصهاينة والغرب، فمنهم المتلبس بلباس علماء الدين ومنهم المفكر ومنهم السياسي ومنهم من هب ودب، ومنهم وفوقهم وعلى رؤوسهم ايضاً حكومات تصرف الملايين وتوفر التسهيلات ليقوم أولئك بمهتمهم على أكمل وجه، ولهذا، فهم يستحقون فعلاً شكر وثناء وتقدير (هرتزيليا) على جهدهم الجبار في تفتيت المجتمع الإسلامي.
بحسب ما ورد في تقرير «المصري اليوم»، فإن (هذا المؤتمر يمثل ما يمكن أن نسميه بـ «عقل إسرائيل»، حيث تشارك فيه جميع النخب الإسرائيلية، سواء في الحكم أو في المعارضة، مدنية أو عسكرية، علمانية أو دينية، للنقاش في أهم القضايا التي تواجه إسرائيل، وطرح رؤى لكيفية التعامل معها ومواجهتها، وترتيب أولويات إسرائيل لمدة عام كامل)، لكن يتوجب على حكومات وقادة العالم الإسلامي أن يتأملوا بدقة في توصيات (هرتزيليا)، إن كانوا صادقين في حماية الاستقرار والسلم الاجتماعي والنسيج الوطني في بلدانهم، ذلك أن شراسة الصهاينة ومؤتمرهم وتوصياتهم تهدف الى تحقيق المزيد من المكاسب والاستقرار والتنمية للكيان المحتل، فيما يستهدف تدمير الأمة، حلفاء لأميركا أو غير ذلك، فبحسب التقسيم الإسرائيلي، فإن هناك محور شر هو المحور الشيعي، ويبحث الصهاينة عن محور بديل أسموه (المحور السني) تكون نواته من الملكيات العربية التي تخشى أن يصل قطار الثورات العربية إليها، إضافة إلى مصر وتركيا، اللتين أشار إليهما تقرير المؤتمر بـ «الأطراف التي عملت على إنهاء الأزمة في أعقاب العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة في 2012»، وأن هذه الأطراف (تجسد التغيير، حتى لو كان محدوداً، الذي طرأ في المجموعة السنية في المنطقة، والمهتمة بعمل علاقات مع إسرائيل، سواء مباشرة أو غير ذلك، بهدف الحفاظ على الأمن الإقليمي)، وهذه الجزئية الخطيرة بحثها مؤتمر الصهاينة بتكثيف عميق، فاختيار مصر وتركيا إضافة إلى الأردن للانضمام للمحور السني المرتقب، الذي من المفترض أن يكون متحالفاً مع إسرائيل والغرب، لم يأت من فراغ، فـ «التحركات الدبلوماسية حول العملية في غزة والأزمة السورية تشير إلى تعاون وتنسيق متزايد بين الولايات المتحدة الأميركية، مصر، تركيا، الأردن ودول الخليج»، بحسب التقرير، الذي يرى في تشكيل هذا المحور ضرورة استراتيجية، و «صفقة شاملة» من شأنها أن تزيد من أمن إسرائيل، وتدفع نحو شرق أوسط جديد.
الصفقة الشاملة التي يخطط لها الصهاينة، ومع انتقادهم لما اسموه «سياسة الاختفاء من أمام العاصفة»، وهو المصطلح الذي يوجب استفادة الصهاينة من الاضطرابات في المنطقة واستغلال الفرص لتحقيق المزيد من التدمير للمجتمعات الإسلامية والعربية، تعتبر بالنسبة للصهاينة من أنجح الصفقات وايسرها تحقيقاً! كيف؟ الصهاينة يدركون أن الحليف الأقوى لهم وهو الولايات المتحدة الأميركية، يتحكم في المنطقة كيفما يشاء، ولهذا، فمن السهولة بمكان ضمان استمرار الصراع المذهبي بين السنة والشيعة في الأمة وتأجيجه الى الدرجة التي تضاعف الحريق المدمر، ولأن هناك بيئات حاضنة، من قادة وانصار واتباع الايديولوجيا الطائفية، فإن الصورة التي نشهدها اليوم في المجتمعات الإسلامية من احتدام الصدام الطائفي، ومشاركة حكام في اشعال المزيد من النيران الطائفية، تؤكد بما لا يدع مجال للشك، أن المجتمعات الإسلامية حينما تتصارع مذهبياً فليس من أجل (الدين الإسلامي وأبناء الأمة)، إنما بالتأكيد، هو لصالح الغرب عموماً والصهاينة تحديداً.
لكن، كل ذلك المخطط التآمري الخطير المستمر منذ عقود، يمكن أن يسقط بسهولة! فإذا كانت حكومات العالم الإسلامي متيقنة من أن الصهاينة اعداء لهم، فلا يتوجب عليهم احتضان ورعاية وتسمين (حمير الطائفية) ليقوموا بدورهم الخبيث، ويلزم ألا تكتفي تلك الحكومات بالتصريحات الصحافية والإعلامية الاستهلاكية تحت عناوين الأسرة الواحدة والوطن الواحد وحقوق الجميع المتساوية بصيغ مجوفة من ناحية، ثم تترك الحبل على الغارب لرؤوس الطائفية لأن تتآمر ضدهم مع الصهاينة، وهي سعيدة فرحة مسرورة.