سعيد محمد سعيد

شغل «عيال إبليس»… الباطل!

 

أتذكر أنني وأصحابي في القرية، عندما كنا في عمر السابعة والثامنة من العمر في فترة السبعينات (نتلصق) في منازل الجيران الذين لديهم جهاز تلفزيون! لقد كان القليل من الجيران لديهم ذلك الجهاز الساحر آنذاك، لهذا، فلا مانع لدينا أبداً من الالتزام بالشروط (الصعبة) لجارنا صاحب المنزل الذي يشترط علينا ألا ندخل مجلسه إلا بعد أن نستحم جيداً ونلبس ثياباً نظيفة ونلتزم الصمت! هنا، يضطر حتى «الأجلح الأملح» منا أن (يتسبح زين ما زين)… فجلسة مشاهدة التلفاز لا حد لها من المتعة، ويا ويله ذلك الذي يكتشف صاحب المنزل أنه استحم ولبس ملابس نظيفة لكنه لم يؤد الصلاة.

بالطبع، كان المجلس يضم رجالاً وشباباً وأطفالاً، لكن من المشاهد التي لا أنساها، أنه حين يبث التلفاز أغنية لأحد المطربين وتظهر فيها (راقصة)، فإن اللعنات تتصاعد على المطرب وعلى الراقصة! بل، أكرمكم الله، تتصاعد الصرخات والبصقات معاً وخصوصاً من المتدينين من الجيران: «غيروا المحطة لا بارك الله فيهم». هنا، حتى (اللوفرية) الذين (الود ودهم) أن يشاهدوا الأغنية حتى تنتهي، لا ينبسون ببنت شفة.

ولعلني أطابق اليوم ذلك المشهد بما يحدث في حال مشاهدة القنوات الفضائية الفتنوية التي تثير الطائفية وتنفخ في نار التفرقة! وتسعى بخبث مبرمج ممنهج مدروس لتأليب السنة ضد الشيعة والعكس… هنا، تتشابه المشاهد بين فئة من الناس الذين لا يقبلون بمثل هذه الأعمال الشيطانية البغيضة فيلعنون أولئك الطائفيين المسوخ الذين تظهر وجوههم القبيحة وخطابهم النتن وأفكارهم العفنة. هذا إذا كان من في المجلس أناس لا يرضون لأنفسهم النزول لمشاهدة أفعال (عيال إبليس)… أياً كانت طائفتهم وانتماؤهم! فيما بالطبع، هناك من يشعر بالسرور والراحة والسعادة وهو يشاهد تلك النيران تشتعل، بل ويتمنى أن تزداد وتتضاعف ويحمى وطيسها وهو في الوقت ذاته، يرفع صوته بالتكبير والدعاء والابتهال إلى الله لأن ينصر الله المسلمين على المسلمين!

على أية حال، فأنا من الناس الذين يؤمنون تماماً بأن الممارسات الطائفية المدمرة للمجتمعات، لا تنشأ وتكبر وتتضخم وتتعقد إلا إذا كانت الدول والحكومات ذاتها تسمح بمثل هذه الخطابات وهذا المد الإعلامي الشيطاني، وتجمد القوانين المجرمة لمثل هذه الأفعال لتصبح هي طرفاً في مخطط تدميري متعدد الأوجه لا يستقيم ولا يستمر إلا باستمرار الإعلام الطائفي! وفي ذلك تطبيق لمقولة «فرّق تسد»، التي لم تعد خاصة بالقوى الاستعمارية، بل تحوّلت إلى منهج واضح تغذيه بعض الدول والحكومات العربية والإسلامية، تسانده في ذلك منظومة إعلامية كبيرة مدعومة بالمال والامكانات، من الدول ذاتها التي تعشق الطائفية، ومن أطراف أخرى أولها الكيان الصهيوني الذي أوصى مؤتمره الثالث عشر (هرتزيليا) الذي انعقد في مارس/ آذار الماضي بضرورة تكريس الصراع السني – الشيعي، وتشكيل محورين من دول المنطقة: سني وشيعي! (أنظر مقال: «هرتزيليا تثمن جهود الطائفيين»، «الوسط»، 7 أبريل 2013).

شغل «عيال إبليس» الباطل ذاك، في تفتيت المجتمعات الإسلامية بالحراب المسمومة لإشعال الصراع الديني والاجتماعي والسياسي بين السنة والشيعة، له روافده من الخارج والداخل، إلا أن ثمة فقرة أود إعادتها نصاً من المقال المذكور وهي: «لكن، كل ذلك المخطط التآمري الخطير المستمر منذ عقود، يمكن أن يسقط بسهولة! فإذا كانت حكومات العالم الإسلامي متيقنة من أن الصهاينة أعداء لهم، فلا يتوجب عليهم احتضان ورعاية وتسمين (حمير الطائفية) ليقوموا بدورهم الخبيث، ويلزم ألا تكتفي تلك الحكومات بالتصريحات الصحافية والإعلامية الاستهلاكية تحت عناوين الأسرة الواحدة والوطن الواحد وحقوق الجميع المتساوية بصيغ مجوفة من ناحية، ثم تترك الحبل على الغارب لرؤوس الطائفية لأن تتآمر ضدهم مع الصهاينة، وهي سعيدة فرحة مسرورة»، (انتهى الاقتباس). مع إضافة يسيرة أطرحها هنا، وهي ان التصدي للأفكار الطائفية الوضيعة، حتى وإن كانت مدعومة من الحكومات، يلزم أن تتشكل كموقف شخصي مني ومنك ومنهم ومنكم ومن أولئك… كل ذلك يعتمد على الفكر المعتدل في الحياة اليومية، والممارسة المستمدة من الخلق الإسلامي في التواد والتآخي، وليست صنيعة عيال إبليس في النزاع والتصارع.

ولهذا، من الصعب أن يشعر (عيال إبليس) بالطمأنينة حين ينتشر – على سبيل المثال – خبر زواج مواطن سني من شيعية، أو زواج سنية من شيعي! وقد علم الكثيرون بقصة تأجير صالة أفراح لزواج مواطن سني من مواطنة شيعية في الفترة الأخيرة، فما كان من أولئك الموتورين بجحيم العمل الشيطاني إلا أن أقاموا القيامة ورفعوا الرماح الطائفية وهدّدوا وتوعدوا، بل تبرع بعضهم وبادر لعمل (هاش تاق) على حساب التغريد تويتر، منزعجاً متذمراً متشيطناً وكأن سيده الشيطان انفجر غيظاً مما حدث.

إن التقارب وتعزيز العلاقات بين المواطنين السنة والشيعة في كل المجتمعات، يسقط عمل (عيال إبليس)! فالثمرة التي ينتظرونها بفعلهم الخبيث هي المزيد من الصدام والصراع والتدمير للسلم الاجتماعي، ولأن المجتمع البحريني، وفي مراحل متعددة من تاريخه، مر بأزمات كثيرة وتعداها، لا بفضل أفكار (حمير الطائفية)، بل لجهود المواطنين الأخيار الأصيلين المعتدلين من أبناء الطائفتين الكريمتين، ممن يضعون الخلق الإسلامي ومصلحة الوطن وسلامة جبهته الداخلية للوطن فوق كل اعتبار. أما شغل (عيال إبليس)، فكلما استمر وتعفن، تعفنت معه عقول وقلوب ونفوس… الأقرب لها (برميل الزبالة)… أعزكم الله.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *