سعيد محمد سعيد

حسناً… اسمع «ويش يقولون»!

 

لست أذهب هنا إلى تصحيح قائمة من المفردات والمصطلحات والتسميات التي انتشرت في المجتمع البحريني منذ اشتعال الأزمة، ذلك أن معانيها معروفة مشهورة لكل من ينطق العربية، ولست اتجه إلى المقارنة بين المعنى الأصلي والمعنى «المستخدم» خلاف الأصلي، فكل مفردات لغات العالم يستخدمها صاحب الخلق في مكانها، ويتلاعب بها الفاسد كيف شاء، إنما هي مفردات، أراها تستحق التأمل… هنا نماذج منها:

* الخونة: من السهل أن تصف الآخرين بالخيانة! ومن اليسير أن تلصق تهمةً كبيرةً كهذه بمن تختلف معهم، لكن من أعقد المصاعب أن تثبتها، فكلمة الخونة أصبحت في بلادنا تستخدم ضد قوى المعارضة الوطنية وضد شريحة كبيرة من المواطنين، وفي الوقت ذاته، لا يمكن لأحد أن يوزع مفردة «الشرفاء» على من يشاء. في البحرين، وهذه وجهة نظري، ليس فيها خائن للوطن وفق أهواء فلان وعلان.

* أذناب إيران: ويستمد منها أيضاً الطابور الخامس والسادس والعاشر والألف، ولربما وجد البعض راحة وسعادة وهو يصف مكوناً وطنياً، وفقاً للانتماء المذهبي والعقائدي، بأنه تابع وموال وخادم لإيران، تسهيلاً لسلب حقوقه واستهدافه، لكن ذلك ما لا يمكن لأي دولة قانون أن تقبله، وإن قبلته فهي الراعية لنشره وترسيخه، وإن فعلت فإنها هي من تعبث بالسلم الاجتماعي والنسيج الوطني. ويحضرني هنا المقال الذي انتشر في الأيام الماضية للكاتب والأكاديمي السعودي عبدالرحمن الوايل في صفحته على الفيسبوك، الذي أشار فيه إلى حوار مع أحد الشباب الذي تأسّف على أن يكون 70 في المئة من العاملين في صرح طبي هم من الشيعة! فسأله: «وما مؤاخذتك على الشيعة الذين يعملون معك في هذا الصرح الطبي الوطني، أليسوا هم من مواطني المملكة، ويعملون في صرح وطني؟ فأجابني بكل ثقة غبية: بلى؛ ولكن ولاء الشيعة ليس للوطن. فسألته: إذا لم يكن ولاؤهم للوطن، فلمن يكون إذاً؟ فأجابني بكل تأكيد أحمق: بأن ولاءهم لإيران. فسألته وكيف توصّلت إلى هذه الحقيقة، هل شققت عن قلوبهم، وتأكدت أن ولاءهم هو لإيران وليس لوطنهم؟ فأجاب كالعارف والمتمكن من ظواهر الأمور وبواطنها: بأنهم يؤمنون بولاية الفقيه؛ أي ان ولاءهم لخامنئي، أي لإيران! وقبل أن أدخل في تفكيك هذه الأطروحة الحمقى واللاوطنية، أريد أن أورد قصة، علها توضح أهمية جمع الولاءات الوطنية لا إهدارها».

* المجوس: لها ذات الارتباط بالعقول الطائفية والنفسيات المدمرة، وليس القصد أن هناك في هذا الكون مجوساً لا يعبدون الله سبحانه وتعالى، بل تستخدم لإخراج (مسلم ينطق الشهادتين) من ملة الإسلام ونسبته إلى ملةٍ أخرى، وبهوس الإذعان الشيطاني، يطيب لأولاد إبليس استخدامها بتلذذ.

* صفويون: هي تعبير كبير عن الجهل المذهل لمن لا يعرف الصفوية ولا نشأتها ولا نسبها ولا دولتها! وإلا لو كان من يستخدمها يعرف جيداً معناها لربما وجد أنها (تعنيه هو لا غيره!)، وتسري أيضاً هذه الكلمة في خطب (مشالخ فتنة) وأصحاب أقلام مدادها كريه، يتفننون في الحديث عن النسيج الوطني والوحدة والتماسك والأسرة الواحدة.

* تطهير: لك أن تفهمها بعدة معان، لكن أبرزها بحسب من ينشرها في المجتمع البحريني والخليج والوطن العربي تعني: أن تصب جام غضبك على من يخالفك في المذهب أو يعارض الدولة أو يطالب بحقوقه أو يعبر عن رأيه، فلذلك هو يستحق «التطهير» من كل الحقوق الإنسانية والشرعية والوطنية.

* الانقلابيون: كالطلقة الهائجة، يطلقها بلا مهارة في التصويب والتسديد، من يتغنى بالوطنية والإخلاص للوطن بشكل زائف، ليجد لنفسه مكاناً من الأعطيات والمصالح الشخصية، ولينفث ما لديه من سموم.

* أهل الدوار: مكوّن من الوطن اختاروا دوار اللؤلؤة أو دوار مجلس التعاون الخليجي (تقاطع الفاروق حالياً)، يمثلون شريحة المعارضة بمطالبها التي لا تخفى على أحد، والوصف اليوم يستخدم ليختصر كل المفردات أعلاه: خونة، انقلابيون، مجوس، أولاد متعة، أذناب إيران، أعداء الوطن…

والحال أن من حق المواطن أن يكون معارضاً، لا ضير في ذلك.

* خيمة نمبر 6: مرفق من مرافق الدوار لا وجود له إلا في عقول الفتنة والطائفية والادعاء الكاذب بالوطنية. لم يكن في الدوار خيامٌ مرقمة. كانت الأشجار والنخيل هي التي تحمل أرقاماً، ومع ذلك يستمتع باستخدامها من يدّعون أنهم (أولياء الله الصالحون).

* الطبالة: ليسوا أعضاء في فرقة موسيقية يقرعون الطبول، وليسوا بالقطع مواطنين موالين للحكومة ويعبرون عن ولائهم المطلق فهذا حقهم. إنما هم جوقة من البشر المتمصلحين الذين يقرعون الطبول مدحاً وثناءً ونفاقاً لينالوا ما يملأ جيوبهم، ولا مكان أصلاً للولاء للوطن في ثقافتهم.

* أهل الفاتح: مكوّن من الوطن اختار مركز الفاتح الإسلامي ليعبر عن ولائه ودعمه للحكومة، ولربما لرفضه لجزء من مطالب أهل الدوار أو كلها. هذا حقهم المشروع دون شك، لكن، ولأن هذا موقفهم، فهم ليسوا بالضرورة طبالة أو طائفيين أو كما سيأتي أدناه… (موب رياييل، ريموت كونترول، منافقون)، إطلاقاً، بل هم مكوّنٌ وطنيٌ لا يمكن عزله.

* موب رياييل: وصف لا يختلف عليه اثنان يشير إلى نماذج لا تريد خدمة الوطن وفق مسئوليتهم الدينية والوطنية والتشريعية، بل لأنهم اختاروا طريقاً واحداً… لا يهمنا الوطن ولا المواطن ولا حاضره ولا مستقبله، يهمنا فقط جيبنا وحسب!

* ريموت كونترول: ليس جهازاً للتحكم عن بعد، إنما حين يختارها أحد بني آدم ليصف به نفسه بكل سرور وفخر، فإنه في الحقيقة يتحوّل من الإنسانية إلى التشيؤ (أي التحول إلى شيء… مجرد شيء)، لا يمكن أن يخدم وطناً طموح شعبه كبير.

هناك من المفردات والمصطلحات والشتائم ما لا يليق المقام لذكرها لوقاحتها ودونيتها أكثر مما ذُكر أعلاه، لكن لو قُدّر لنا أن ندرج وصايا الدين الإسلامي ونصوص القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية المطهرة في شأن الكلام الطيب وجمال القول، لما نفع ذلك في نفوس من جُبل على سيئ القول وبذاءة اللسان، إنما من العار أن يكون المجتمع البحريني، مصدراً لمفردات صالت وجالت على ألسنة الكثيرين، وهي مما لا يُشرف البحرين وأهلها، وإنما جاءت مندفعةً من أقوام هم للتباغض والتناحر والعداوة قادة، وهم للشقاق والنفاق والخصومة والطائفية رواد… زادهم الإعلام السيئ وخطاباته الدنيئة انتشاراً وكأنهم أعلام التقى وجهابذة اللغة ليسيئوا إلى البحرين وأهلها إساءةً كبيرة.

هناك مفردات سيئة للغاية، يفرح بها من يفرح كونه جزءًا منها، ويستاء منها من يستاء كونه لا يرتضيها، بدينه وحسن خلقه ووطنيته، لا لنفسه ولا لغيره من أبناء الوطن.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *