في كل مرة أذهب فيها للإدلاء بصوتي في الانتخابات ينتابني شعور مربك جدا، حيث تختلط بذهني المفاهيم وتتضارب القيم في وجداني، فهل أنتخب على أساس عرقي وقبلي وعلى طريقة (الأقربون أولى بالمعروف)، أم يجب عليّ أن أدفع بمرشحي الصحوة الدينية وأستبرأ لديني، أم ربما أكون اكثر وطنية وأقوم بدعم مرشحي التجمعات السياسية المعارضة التي ترفع شعارات محاربة الفساد؟ جربت الخيار القبلي ولم ينفع المعروف بالاقربين، والخيار الاسلامي لم يجد، حيث كان اغلب البرلمانيين الاسلاميين السابقين اشد بعدا عن قضايانا الشرعية، كما اتضح لي ان الخيار الثالث كان اكثر الخيارات فشلا، وهو دعم مرشحي التجمعات السياسية المعارضة، الذين كانوا في الحقيقة يقتاتون على شعار مكافحة الفساد، وربما اكثر من الفاسدين انفسهم، ولذلك تجدهم لا يسعون أبدا للقضاء على الفساد، بل كان هدفهم الرئيسي هو تسليط الضوء على بعض الممارسات الحكومية الخاطئة فقط، ليبدأ بعدها فصل جديد من فصول مسرحية مكافحة الفساد والإصلاح، والتي يستعرضون فيها «بكل ما أوتوا من قوة» أمام السلطة والمجتمع معا، من اجل أن يبتزوا الأولى ويكسبوا تأييد الثانية.
القبليون والطائفيون والمعارضون جميعهم اشتركوا في هذا العمل السياسي المحترف، والذين خدعوا فيه المجتمع لسنين عدة، لم تكن لديهم رؤية للإصلاح السياسي، بل ربما لم يريدوا أصلا تغيير قواعد اللعبة السياسية لأنهم في النهاية مستفيدون من بقائها عندما كانوا «قبليين» كان من الشرف الاشتراك في الانتخابات الفرعية، وعندما اصبحوا معارضة قدحوا بالقبلية وفرعيتها.
أما الطائفيون، وبغض النظر عن نواياهم، فقد رفعوا شعار الدفاع عن الطائفة وفشلوا فيه، وكان من نتائج سلوكهم تقوية الطوائف الأخرى وارتفاع حالة الاحتقان المذهبي في المجتمع.
أما من حمل لواء المعارضة السياسية، فكانوا ولسنوات عديدة يتبعون المثل الشعبي «اضرب المربوط يخاف المنفلت»، حيث كانوا يستجوبون بعض الوزراء غير الأساسيين، وعلى خلفية بعض الأخطاء البسيطة، لكي يرغموا باقي الحكومة على تمرير مصالحهم.
ما الذي تغير؟ هذه حكومتنا وهذه ممارستها العتيقة، وهذه معارضتنا القديمة بشخوصها وتياراتها، كانوا وما زالوا في العمل البرلماني والسياسي منذ سنين طوال، لم يسبق لهم أن رفعوا شعارات الإصلاح السياسي الحقيقي كالحكومة المنتخبة وقانون الأحزاب واستقلال القضاء، ما الذي تغير إذن؟ من المؤكد ان المعارضة السياسية لم تتغير كثيرا لا من ناحية الأشخاص ولا الأفكار، من تغير هو المجتمع الكويتي وخاصة فئة الشباب الذين تعلموا وتثقفوا وشاهدوا تجارب الدول المتقدمة في الإصلاح وإدارة الدولة، وعرفوا أن ما كانت تقوم به المعارضة الكويتية في السابق يعد خطأ وربما كان متعمدا، ولذلك رفع بعض الشباب في الحراك مطالبهم الإصلاحية وبكل رقي وحضارية ولأول مرة، بينما كانت المعارضة السياسية آنذاك لا تهتم إلا برحيل حكومة سمو الشيخ ناصر المحمد، واستمر الشباب بمطالبه الإصلاحية في عهد حكومة سمو الشيخ جابر المبارك، والتي احتوت المعارضة السياسية عندما كانت اغلبية برلمانية، حتى بعد صدور مرسوم الصوت الواحد، استمر الشباب بمطالبهم الإصلاحية، بينما كان كل هم المعارضة التقليدية هو عودة الأصوات الانتخابية الأربعة، والآن بعد ان اصبح الطلاق بائنا بين الحكومة والمعارضة التقليدية، تبنت الأخيرة مطالب الحراك الشبابي للاستقواء بهم في مواجهة السلطة.
أخيرا، أتمنى على السلطة الكويتية التي قطعت الطريق في العام 1962على المعارضة وتبنت الإصلاح السياسي والذي حول الكويت من امارة تقليدية إلى إمارة دستورية، ان تعيد الكرّة مرة أخرى فتقر قوانين الإصلاح السياسي كتنظيم الحياة الحزبية والتي ستقضي حتما على الطائفية والقبلية والمرتزقة السياسيين، وان تعيد النظر في تنظيم المناطق السكنية على عشر دوائر انتخابية مع صوتين انتخابيين، على ان تشكل الحكومة من الأغلبية البرلمانية، وان يعطى للسلطة القضائية المزيد من الاستقلالية.
بذلك تكون السلطة الكويتية قد واكبت موجة الإصلاح التي تجتاح إقليمنا الملتهب، وكذلك تخلصت من الابتزاز الدائم لها من المعارضة.