كما تفاخر مدينة فلورانس الإيطالية بمبدعيها، تفاخر مدينة الصباحية الكويتية بعظمائها وعباقرتها. أحد عظمائها، لم أقل آخرهم، هو النائب في المجلس الحالي ناصر الشمري، وهو نائب خارق، والخارق كما يقول الحكماء “هو من يخرق قوانين الطبيعة ولا يتصرف كسائر البشر”، والنائب ناصر خرق قوانين الطبيعة وقام بالتوقيع على مقترح من دون أن يقرأه، حفظه الله.
عظيم آخر هو “عبّود”، وهو اسم الدلع لأحد عظماء الصباحية قطعة واحد وعلمائها، كان فاشلاً بامتياز في المدرسة، وكان لا يعرف من اللغة الإنكليزية إلا “يس” و”نو” والأعداد من الرقم صفر إلى الرقم عشرة، ومع ذا كان لا يعوقه عائق في الترجمة، ولعظمة موهبته تولى الترجمة للشباب أثناء السفر، وكان من عشاق شرق آسيا، وكان ذا نخوة وذا نزعة قومية عربية، وعلى استعداد للاستيقاظ من نومه لمساعدة أي عربي علق مع أحد الشرق آسيويين ودخل معه في حيص بيص لغوي.
“يس” و”نو” والأعداد وأصابع اليدين ورموش العينين وبعض التأوهات مثل امممم آآآ يوووه بااااه، هي كل ما يحمله عبود في مزودته من “عدة الشغل”، فإذا ذهب إلى فندق بقصد حجز غرفة لمدة ثلاثة أيام، أطلق لتأوهاته العنان: “اممممم ثري اوووو” ثم يغمض عينيه دلالة النوم، ويفرك إبهامه بسبابته للاستفسار عن المبلغ، ولا تنتهي المهمة قبل ترديد كلمة نوووو نوووو وضم الكفين أمام الوجه على الطريقة الهندية لتخفيض المبلغ.
الغريب أن “لغته” يفهمها الجميع بلمح البصر، في حين يدوخ بقية الشباب مع التايلنديين السبع دوخات، وغالباً ما تفشل مهامهم. وبعد ذيوع صيته وانتشار شهرته، استدعيناه، نحن الذين لم نسافر معه، للاستفسار منه عن طريقته، فطلب منا إعطاءه أي جملة نختارها ليتولى ترجمتها لإقناعنا بقوة لغته، فأعطيناه عدداً من الجمل فشرحها بلغته الخاصة وبلمح البصر فإذا هي واضحة سهلة المفردات.
كبر عبود، وخبأته الدنيا عنا تحت عباءتها، ولا أدري إن كان قد تزوج “وصار عنده أولاد” كما تغني فيروز أم بقي على حاله يتنقل بين المواخير والحانات، لكنني سأبحث عنه لمساعدتي في توصيل أفكاري في المقالات وفي البرامج من دون أن أتعرض للسجن والغرامات الخيالية التي يفرضها قانون الإعلام الموحد.
تداركنا يا عبود يرحمك الله، تداركنا أيها العروبي الصبحاوي الشهم، وافتح معهداً لتعليم لغتك العبقرية كي لا نقع في شَرَك هذا القانون الإممممممم يوووه ييييي.
إنه زمن عبود يا صاحبي.