«شوف وجه العنز واحلب لبن»، قفز بذهني هذا المثل الكويتي بعد أن قرأت ملاحظات بعض أعضاء اللجنة التعليمية بمجلس «تابعه قفه» التشريعي، حول مشروع قانون الإعلام الجديد المقدم من حكومة «لا صوت يعلو فوق صوت السلطة»، وأيقنت أن الإعلام الكويتي سيحلب «لبن السلطة المعفن»، وستوارى تحت الثرى مرة واحدة وللأبد بقايا «نثريات» الحريات الإعلامية، وستصبح صحفنا وقنوات التلفزيون والمواقع الإعلامية مرايا مظلمة عاكسة لإعلام «… وصل… واستقبل… وودع» الرسمي. أما المغردون الشباب فيصبحون غرباناً ينعقون مأساتهم حين يختم نواب «تابعه قفه» مصدقين على قانون سواد الوجه الإعلامي.
لم تكتف هذه السلطة التي تدير الدولة وكأنها «ياخور» غنم في حيازتها بقوانين الجزاء بجميع أشكالها الإرهابية، ولا بالعقوبات التي نص عليها قانون المطبوعات والنشر الساري، فتقدمت بهذا المشروع الذي سيقطع أصابع الكتاب، ويخصي عقول الناس، حتى يكتمل مشهد البشر القطيع في حظائر أولي الأمر الرعاة، الولاة، الآباء.
مشروع «دراكو» الإعلامي، لم يكتف بالعقوبات المالية التي تصل إلى مئات آلاف الدنانير، وتفلس كل من يتجرأ على قول كلمة «لا» لسلطة «الكمال» الأوحد، بل إنه يزيد «الجيلة» فوقها بالعقوبات المصادرة للحرية، ليس فقط في نصوص مشروع وحش فرانكشتين ذاته، بل بالإحالة على قوانين القمع السارية بعبارة مثل «… مع عدم الإخلال بأي عقوبة ينص عليها قانون آخر، يعاقب كل من…» ويمضي نص المادة 84 لتعداد الحالات الموجبة للعقاب، وهو يكاد ألا يستثني أحداً من أهل الإعلام، فأضحى الحظر والقهر هما القاعدة، والحرية هي الاستثناء.
كان أولى بالسيد وزير الإعلام، الشيخ ابن الشيخ، أن يصمت ولا يعلق أبداً، على مشروع أهله وعشيرته ومستشاريهم من ترزية الاستبداد، ومن فصيل شعار “قول… عاوز إيه، وأنا اعمله وافصله على المقاس….”، لكن نسي نفسه وأخذ يردد بلا معنى أن القانون لا يفرض عقوبات بدون حكم القضاء! “يحليلك يا شيخ وينك في”، فكل العقوبات لا تصدر بدون أحكام القضاء، فالمحاكم تُعمل القانون، ولا تخلق القانون في مثل نظامنا القانوني، وهي لا تملك من أمرها شيئاً، بالعادة، عندما يكون القانون جائراً وظالماً…
يبقى هناك كلمة أخيرة لكل مسؤولي وسائل الإعلام الخاصة، فلن يكون مجدياً مانشيتات ومقالات نقد موسمية لمثل هذا الإرهاب الإعلامي وتنسى فيما بعد بوعد عقد مالي أو تهديد سلطوي، فمنذ متى أصبحت السلطة تسمع كلمة العقل، وتنصت لصوت الحرية، فكروا في وسائل أخرى كإضراب الصحف والقنوات وبقية وسائل الإعلام الضحايا القادمة، أو إخراج صفحات بيضاء في حال الإصرار على مشروع القانون… تحركوا، انهضوا، اعتصموا، ضحوا قليلاً، اصرخوا بصوت عال ليسمع العالم عن ملهاة الحرية في دولة بني نفط، قولوا بنبرات اليقين: إن الصحافة الحرة هي ضمير الأحرار وليست أثواب رياء وتدبيج آيات نفاق مزركشة لأهل الحكم… عل وعسى أن تحصلوا على بركاتهم وعطاياهم.
كم أشعر الآن بالغثيان في وطني، أشعر بحزمة ثقيلة من القرف تجثم فوق صدري.
ملاحظة على مقال أمس الأول: اسم الكاتب المحلل لاقتصاديات النفط بموقع “الآن” الصحيح هو الزميل والصديق كامل حرمي، أخطأت سهواً وسميته كامل العوضي… عذراً.