وقفنا في طابور طويل في مطار هيثرو لاسترجاع أموال الضريبة، وامتد وقوفنا لما يقارب التسعين دقيقة تقريباً، جنسيات وثقافات وأعمار وحالات مادية مختلفة وقفت تنتظر في هذا الطابور للوصول إلى دورها، وخلال فترة الانتظار يحاول شخصان من الكويت بكامل أناقتهما وملابسهما الثمينة تجاوز هذا الوقوف الطويل واستثناء نفسيهما من الطابور، فيتصدى لهما رجل وامرأة من أوروبا الشرقية رافضين هذا التجاوز الفج، ويعلو صوتهما في الرفض، فيتدخل المسؤول عن الضرائب ويعيد الشابين الأنيقين إلى مؤخرة الطابور رغم علامات الغضب البادية على وجهيهما وتنتهي المشكلة. وبعد حين لاحظت أن الرجل والمرأة القادمين من أوروبا الشرقية لم تتجاوز أموالهما المسترجعة ما يعادل العشرين ديناراً فقط، في حين أن الشابين الأنيقين من الكويت كانا يحملان من فواتير استرجاع الضريبة ما قد يعادل الألف دينار أو أكثر. ماذا لو كانت حادثة الطابور هذه في الكويت؟ أعتقد أنكم تعرفون الإجابة جميعاً، وهي لب مشاكلنا أصلاً. بريطانيا تضم من تنوع الثقافات والاختلافات ما قد يوازي الكويت ودول المنطقة مجتمعة، ومع هذا لا يشعر البريطاني أن من يستوطن بلاده حديثاً قد سلب حقوقه، ولا يشعر بخوف من مدّ صفوي أو يهودي أو عرقي، ولا بـ»طرثوث» أو من أهل لندن من الحيتان، يعيش الشيوعي مع الرأسمالي والمسلم مع من يعبد الشيطان والغجري مع النبيل، والشاذ مع السوي، في بلد واحد يتسوقون من متجر واحد، يعملون في مؤسسة واحدة، يقطنون في مساكن متقاربة، يتنزهون في حديقة واحدة، يستخدمون حافلة واحدة دون مشاكل أو قلق من المختلف عنهم. أما نحن فإن توسعنا في العنصرية والتقسيم لن تتجاوز فئات مجتمعنا عشرة عناصر على أقصى تقدير، ومع هذا نعيش في هم وخوف وقلق، ويردد هذا «كلونا البدو»، و الآخر يقول «توسع صفوي»، وثالث يقول «حيتان ينهبون البلد»، و كل هذا القلق وببساطة لأننا لا نتعاطى مع طابور مطار هيثرو مثلما يتعاطون هم معه، مسطرة واحدة لا يتجاوزها أحد. علتنا ليست بعدد وليست بأفكار مختلفة ومتنوعة، قد تكون رجعية لدى البعض، ومتقدمة لدى البعض الآخر من فئات المجتمع، فمهما اختلفنا فلن نصل إلى عُشر اختلاف قاطني بريطانيا ومع هذا هم لا يعانون ما نعانيه من هاجس وخوف من الآخر. لن يأكلنا أحد، ولن يتمدد علينا أحد، ولن ينهبنا أحد، إن تملكنا ما يجمع الشعوب تحت مسطرة واحدة اسمها القانون لا تميز أحداً عن الآخر، والمصيبة أننا نملك القانون والإطار والمسطرة منذ خمسين عاماً، ومازلنا نطالب بتطبيق ما هو موجود أصلاً، لأن هناك حكومات متعاقبة تتعمد استثناء بعض الفئات من القانون فيشعر الآخرون بالظلم والخوف والقلق، ولن تنصلح الحال أبداً ما دمنا ندار بنفس عقلية اللا قانون تلك. هواجسنا يا كرام ليست سوى بعبع تديره الجهة المهيمنة على مؤسسات الدولة، ولن تزول إلا بفرض القانون قسراً عليهم. خارج نطاق التغطية: يزعجني جداً أن يتحدث بعض نواب الأغلبية المبطلة «تيار الصدفة» عن حكم المحكمة الدستورية المرتقب حول مرسوم الصوت الواحد، فهم لم يتوجهوا إلى المحكمة الدستورية كما فعل الملا والغانم والصرعاوي وأسيل والرومي للطعن واتباع الخطوات الدستورية القانونية، بل لم يؤيدوا هذا التوجه أصلاً… واليوم يخاطبون المحكمة الدستورية معتمدين على قصر ذاكرة الناس. بما أنكم لم ترتضوا تحكيمها فمالكم تنتظرون حكمها؟