محمد الوشيحي

حاخامنا

نحن واليهود «الحال من بعضه والجيب واحد»، وأتذكر مقالة كتبتها بعنوان «مشايخ آل كابوني»، استنكرتُ فيها طريقة تفكير بعض جهّال الدعاة الذين تحوّلوا إلى قناصة، يختبئون فوق السطوح في انتظار مرور يهودي أو بوذي أو مسيحي، بل إنهم قصفوا أوروبا وأميركا واليابان وبقية سكان الكوكب من غير المسلمين في عقر ديارهم بما لذ وطاب من الأمراض والزلازل والبراكين والشلل ووو، والحمد لله أن الحيوانات والنباتات سلمت منهم: «اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم» ليش يا شباب؟ لأنهم أعداء الله (على اعتبار أننا أحبابه)، «اللهم دمر بلدانهم واجعل عاليها سافلها»، «اللهم سكّن ما تحرك منهم وحرّك ما سكن»، والجملة الأخيرة تعني أن يصيب العدو مرضٌ يجعل كل عضو ساكن من أعضائه يتحرك، كالأنف مثلاً، فيقف العدو أمامك وأنفه يرفرف، وأذنه تدور، في حين تثبت الأعضاء المتحركة وتسكن. وأتحدى أكبر «كونسولتو طبي» أن يعالج مرضاً كهذا.

وأتذكر أنني تلقيت رسالة مؤدبة، بعد كتابة المقالة، من عمي الكاتب السوداني الجميل «جعفر عباس»، الذي لا أدري كيف يجد وقتاً لشرب الماء، دع عنك التنزّه مع الأسرة أو مشاهدة التلفزيون، إذ إنه، ما شاء الله، يكتب في خمس صحف أو ست، إضافة إلى منصبه الذي يشغله في قناة الجزيرة كمدير لإدارة الجودة… أقول راسلني يستأذن في نشر مقالتي في عموده الصحافي، فأجبته فوراً: «الفضل لك لا لي». وأزعم أن مقالتي تلك هي أكثر مقالاتي انتشاراً، أو فلنقل «من أكثر مقالاتي انتشاراً»، في المنتديات العربية والصحف والمدونات، فقد نشرها كاتبان في أعمدتهما الصحافية، والعهدة على ذاكرتي…

المهم، كتبت المقالة من هنا، وعينك ما تشوف إلا النور من هنا، كتبت: «لماذا لا يدعو الدعاة بأن يهتم المسلمون بالمختبرات والبحوث؟»، فجاءتني الردود: «عليك لعنة الله، وهل دعا بذلك محمد بن عبدالله الهاشمي (صلى الله عليه وسلم)، أو أحد من صحابته، وهل كان في وقتهم مختبرات وإدارات بحوث، لعنة الله عليك يا مبتدع؟!»، وكتبت: «لماذا لا يدعو الدعاة بأن يساهم أطباؤنا في اكتشاف أدوية للأمراض المستعصية؟»، فجاء الرد: «يا عدو الله، ألا تعلم أن العسل وحبة البركة والرقية الشرعية فيها كل الشفاء، ولا حاجة إلى مختبراتك ومختبرات أعمامك اليهود، شلت يمينك»، فبيّنت لهم: «حتى لو شُلّت يميني، سأكتب باليسرى على الكمبيوتر، لا فرق، ادعوا على الكمبيوتر (شُل كيبوردك)»، وكتبوا وكتبت وكتبوا وكتبت، وكانت كتاباتهم تبدأ باللعن، وتنتهي بالدعاء الأسود.

وهذه الأيام خرج إلينا في الفضائيات دعاة ما أجملهم على القلب، منهم الشاب السعودي الرائع أحمد الشقيري، الذي كتب عنه الزميل الهادئ العميق الجميل «حمد نايف العنزي» في هذه الجريدة يمتدحه… الشقيري استنكر مثل هذا الدعاء على غير المسلمين، ووضع اقتراحات أخرى للدعاء أجمل من دعاء القصف والدمار الشامل. كذلك فعل الشيخ سلمان العودة، والدكتور طارق السويدان الذي أعتذر إليه عن ظلمي إياه، إذ حسبته من هذه النوعية من الدعاة الأفاقين (حقك عليّ يا دكتور فقد أخطأت في حقك).

وليت دعاتنا يغيّرون دعاءهم ليصبح: «اللهم علّم الشعب كيف يتظاهر ضد الفساد والمفسدين تظاهراً سلمياً، اللهم سكّن يد النائب المرتشي وهي قابضة على الفلوس وحرّك لسانه للخارج والداخل وهزهز أكتافه كي يتجمهر عليه الصحافيون بكاميراتهم فيفضحوه، اللهم أعد كرسي رئاسة «برلمان الشعب» إلى الشعب، اللهم وافضح أهداف الضباع والثعالب، وهكذا»، فيدعو كل شيخ ما يهم مواطني بلده.

وكما ذكرت في البداية، نحن واليهود «الحال من بعضه والجيب واحد»، إذ خرج قبل أيام حاخام أهبل – يبدو أن جذوره عربية – يدعو على زعماء العرب بالطاعون. 

حسن العيسى

مع يعقوب شاهين الغانم وبرده يأتي نسناس

يطبع المكان صورته في وجدان الفنان المبدع، ثم تتحدث اللوحة عن ذلك المكان بلحظة وجوده وتحفظه خالداً من التلاشي في الزمن المطلق، ولا يبقى غير ذكرى الماضي. ونقل إلينا الفنان الكبير أيوب حسين- شفاه الله- ذلك الماضي بفرشاة الرسم المعبرة عن حياة الأمس, وترك لنا إرثاً رائعاً لهوية غابت وطمست اليوم في طيات حداثة وتفاهة السلعة في أكوان الاستهلاك والغرق بمادية النهم الاستهلاكي، أما السيد غانم يوسف شاهين الغانم فقد وضع القلم مكان فرشاة أيوب العملاق، وبسط لنا لوحات مخطوطة بخمسة كتب خطها من وحي ذاكرته، وتخبرنا عن أيام الجمال والقبح، وأيام بهجة البسطاء وليالي الشقاء، تذكرنا بالجميل والتراحم والقبيح الكريه حين يتشكل ببؤس الفقر والمعاناة.
بزغ قبل أيام نجم سهيل، وفي سهيل يقول الشاعر "… يا سهيل الجنوبي برده يأتي نسناس…"، ويكتب غانم "… ومن المناظر التي رأيتها أن المواطن يقضي تقريباً جزءاً من يومه منقع جسمه بالبحر وأما المرأة بغرفة الجليب وهي تلطف جسمها بالماء البارد يستخرج كأنه مثلج…" ويضيف غانم الشاهين "ومن الأشياء الواجب ذكرها أن الحمارة والجصاصة حميرهم تتعب بالصيف فيكون عملهم أكثر الأحيان بالليل أو أذان الفجر. ومن جراء ذلك ترتفع أسعار حطب البادية من عرفج وحمض… أما الذين يصيفوا بالخارج فإني أتذكر منهم الشيخ فهد السالم ومحمد العتيبي وزيد السرحان وهؤلاء وجهتهم لبنان وسوريا". ولنترك الصيف ونرى كيف يصف لنا السيد غانم حياة البؤس في مهن لم تكن تعيب الفرد كما يحدث بثقافة اليوم النفطية وإنما تشرفه فيقول "… من المهن التي عاصرتها أنني رأيت كيف كان المواطن يطرق البوادي بهذا البر الشاسع واضعاً على كتفه شوال (خيشة) وهو يرتحل على رجله خارج من بوابة الشامية أو نايف ووجهته البادية، وهو يتقصى خطوات الجمال الذاهبة والايبة… فعندما يتبعها يعرف بأنها وصلت آبار كيفان لترتوي ويقف بقربها ويضع (الشوال) على جنب وينتظر الجمال بعد ارتوائها وقد اخذت تلقي فضلاتها من بطنها فينتظرها حتى تجف من الشمس ثم يأخذ الجلة ويضعها بداخل الشوال…" لتباع بوسط الصفاة بالمغرفة (المغراف) التي تسع من كوب شاي اربع مرات. كان يباع هذا الكوب ما بين بيزة او بيزتين…" وتستعمل تلك الفضلات كوقود للطبخ.
ويمضي بنا غانم واصفاً الديرة حين تهجم عليها أسراب الجراد "… فما يأتي صباح باكر فإذا بالطبيعة تغيرت وأظلمت البادية والمدينة وغابت الشمس وتحول النهار كأنه ليل دامس. وما تمر ساعة أو ساعتين وإذا بهذا الظلام أسراب ملايين الجراد وقد حل بالمدينة وقراها وأكل الأخضر واليابس… وحلت بالمدينة وقراها كارثة. ومن كثرته امتلأ البحر بملايين الجراد فقذفته الأمواج على الساحل… (وحين يجف إضافة مني) يصبح كالخشب اليابس، فيأتي أصحاب المزارع والبهائم يحملوه على دوابهم ويذهبوا به إلى بيوتهم ويخزنوه بكميات كبيرة…".
"وهذا الجراد أكله الأوائل قبل الإسلام وبعد الإسلام لأنه نظيف ولا يأكل إلا الخضار والأعشاب. فهو عندنا أكل خضارنا وشجرنا انتقمنا منه فأكلناه مطبوخاً حاراً ومشوياً بلونه الذهبي…".
 لن تتسع مساحة المقال لعرض الكثير من لوحات غانم شاهين الغانم في كتبه الخمسة… هي تستكمل أعمالاً قدمها المرحوم حمد السعيدان في الموسوعة الكويتية… وهي تضيف إلى كتابات الفاضل سيف مرزوق الشملان وصفحات من تاريخ الكويت للوالد يوسف بن عيسى وغيرهم حين تصور الذاكرة الاجتماعية للدولة بالأيام الخوالي. اقتبستها وعرضت بعض صورها دون محاولة تعديل الأسلوب واللغة المختلطة باللهجة الكويتية… تركتها على دفئها وببساطة روح صاحبها… ويبقى هناك الكثير، مثل أصل كلمة فريج سعود وسكة عنزة ومطير، وطحن الحبوب، والضريرين وعملهما العظيم في تنظيف "القلبان"… سأعود إليها إن شاء الله… بدون أن أنسى أن جراد الأمس كان حشرات ابتلعناها… أما جراد اليوم فهو بشر يبلعوننا ويهضمون غدنا… يهضمون الدولة… ونعجز عن هضمهم.

احمد الصراف

من هو صاحب الفضل الأكبر؟

يلاحظ من يتابع ما يكتب في المدونات وما يرسل من تعليقات وردود للصحف على مواقف السياسيين ومقالات الرأي، يلاحظ الكمّ غير المريح من الحقد والكراهية الذي بدأ بالانتشار في المجتمع، مصحوبا بادعاءات سخيفة لا تعني، حتى لو صحت، شيئا، كالقول بأن البدو أصل الكويت، ولهم الفضل الأول والأخير في نشوئها، ليرد عليهم آخرون بالقول ان الحضر هم الأصل وأصحاب الفضل وغيرهم طارئون جدد، ليتصدى لهم فريق ثالث قائلا انهم عندما عبروا البحر وجاؤوا الكويت لم يكن فيها أحد غير بضعة صيادي سمك وبعض المزارعين! والغريب، إضافة إلى تفاهة هذه الادعاءات، أن لا شيء يمكن تحقيقه أو الوصول له من قولها، فليست هناك جهة تمنح جوائز وشهادات لمن يثبت أنه من أوائل من وصل واتخذ الكويت وطنا، علما بأن الجميع مواطنون متساوون أمام القانون، أو هكذا يفترض!!
ولو اطلع هؤلاء المادحون لأنفسهم ولأعراقهم وطوائفهم على حقيقة أوضاع المناطق التي سبق ان قدموا منها، أفرادا وجماعات، من واقع أفلام وثائقية معروفة المصدر ومن المخطوطات والكتب التاريخية، سواء جاؤوا من صحارى الجزيرة وبراريها، وتخوم نجد وحواضرها، أو من جزرها وثغورها، أو من الجانب الآخر من خلجانها، ومن قرى ومدن فارس وما فوقها وحولها، لما وجدوا في كل تلك الوثائق المصورة والمكتوبة سهولا خضراء ومياها جارية وثروات معدنية وحقول قمح وذرة على مد النظر، ولا مداخن مصانع وطرقا معبدة وقطارات وسيارات فارهة وصحة وعافية وثقافات وفنونا عالمية وعلوما متقدمة، بل لن يروا سوى قحط وأوبئة وجوع وفقر وبطالة دفعت الجميع للهجرة والنزوح، شيبا وشبانا، أفرادا وجماعات، مشيا وعلى دواب تشكو الجوع والسقم، أو على ظهور سفن متهالكة، تعدك بالموت أكثر من الحياة، ولو كان في مواطن هؤلاء وأهاليهم ومساكنهم سابقا خير لما عافوها وقدموا لحر الكويت وجدبها وفقرها!
هذه هي الحقيقة، ومن أراد أن يستثني نفسه وأسرته وجماعته وقبيلته فهو حر، لكن الحقيقة مرة وغير سهلة البلع، ولكن ما هو جميل ومشرف أن الجميع جاء بحثا عن لقمة عيش شريفة، وليس هناك ما يخجل منه، فما حدث في الكويت حدث ما يماثله في آلاف الأمكنة طوال التاريخ البشري، وعلينا جميعا التوقف عن الادعاءات الفارغة التي لا يمكن أن تؤدي لشيء غير تفرقة فئات المجتمع!
لا تنسوا أن كمال الجسم البشري يكمن في امتلاكه لكامل أعضائه وعملها جميعا لمصلحة البدن، وبالتالي ليس لعضو فضل على آخر!

تصارعت أعضاء الجسد فيما بينها على من هو صاحب الفضل الأكبر! فقالت العين انها الفضلى، فلولاها لما رأى الإنسان شيئا، ولأكلته الحيوانات بسهولة، فردت الأرجل قائلة انه لا فائدة من رؤية الخطر إن لم تكن هناك أرجل تبعدك عنه، فانبرت الأيدي بالدفاع عن نفسها قائلة انها صاحبة الفضل الأكبر فهي التي تعمل وتخبز وتحوك وتبني، فانبرى اللسان قائلا ان كل سعي الإنسان هو البحث عن لقمة يأكلها وهو الذي يتذوق ويعرف الطعام الطيب من الخبيث ويعطي الجسم قوته، وهكذا قالت بقية الأعضاء واشتد الخلاف وارتفعت الأصوات، وفجأة صدر صوت كالرعد من المؤخرة أسكت الجميع، وهو يقول: تبا لكم جميعا، قد تكونون جميعا أعضاء مهمة للجسد الذي يجمعنا، ولكن ليس لأحدكم فضل كفضلي، فالجسد يمكن أن يستمر في الحياة من غير واحد أو أكثر منكم، والأمثلة على ذلك لا تحصى، ولكن عملي أنا هو الاهم، فتوقفي عن أداء وظيفتي لبضعة أيام فقط كفيل بإصابة الجسد كله بالتسمم وموتنا جميعا، فالرجاء التوقف عن هذا الهراء ومحاولة كل طرف إسداء الفضل لنفسه!

أحمد الصراف