علي محمود خاجه

من التالي؟

ثلاثة زملاء في المرحلة الثانوية، ومثلهم في المرحلة الجامعية، وابن عمتي، وابن ابن عمي، وشقيق صديقي، والعديد من المعارف، رحلوا عن دنيانا رحمة الله عليهم، وكلهم تجمعهم حوادث الطرق الكويتية للأسف. وأنا على يقين بأن هذا الأمر ينطبق على الغالبية العظمى إن لم يكن مطلق المجتمع الكويتي، فمن منا لم يفقد قريباً أو صديقاً أو زميلاً بسبب الطرق، بل إنني منذ بداية أغسطس إلى اليوم قرأت وعلمت بأكثر من عشرة أشخاص رحلوا بحوادث الطرق، وهو ما يعني حالة وفاة واحدة كل يومين سببها الطريق الذي لا نستطيع الاستغناء عنه. وعلى الرغم من جهود وزارة الداخلية التي حولت شوارع الكويت إلى ستوديو كبير بكثرة الكاميرات المتناثرة في أرجاء الكويت، وعلى الرغم من زيادة أسطول دوريات المرور، وعلى الرغم أيضاً من زيادة وسائل السلامة في المركبات، فإن هذا كله لم يوقف ضحايا الطرق، فقد أكون أنا الضحية التالية، وقد يكون أي قائد مركبة آخر حتى لو كان ماهراً كشوماخر أو جاهلاً بالقيادة، بل حتى النصيحة التي يكررها لي عمي منذ حصولي على الرخصة لا تفيد فهو يقول: «اعتبر أنك الوحيد الذي تجيد القيادة في الشارع كي تأمن المخاطر»، كل هذا لم يُجْدِ نفعاً والضحايا في ازدياد. والملاحظ هنا أنه على الرغم من أن أكثر الضحايا الذين فارقوا دنيانا من فئة الشباب، فإننا ولله الحمد لا نسمع عن ضحايا من شبابنا المبتعثين في الخارج، وتحديداً في الدول المتقدمة، مع أن نسبة تفوق الألف شاب يغادرون سنوياً لاستكمال تعليمهم في الخارج، وهو ما يجب علينا أن نفهمه جيداً. فالعلّة كما هو واضح ليست في قدراتنا على قيادة السيارات بقدر ما هي في مدى احترامنا وحرصنا على إعطاء الطريق حقه. فما هو المختلف في شوارع بوسطن عن شوارعنا؟ وما هو الحامي في طرق ليفربول وغير متوفر لدينا؟ وكيف تختلف الفورد الأميركية في أميركا عن مثيلتها في الكويت؟ لا أعتقد أن هناك ما يختلف، إلا أن النصوص مطبقة هناك، فالمخالف يحبس سواء كان شقيق أوباما أو مواطناً آخر، والهارب يطارد سواء كان حفيد إليزابيث أو بريطانياً غيره، وهو ما نفتقده، بل ونسعى إلى تهميش أي نص رادع والالتفاف حوله رغم علمنا بأننا مخطئون، وهو أمر لن نستطيع تغييره للأسف بين عشية وضحاها، ولكن لابد لنا أن نبدأ به كي نقلل على الأقل من الأرواح المهدرة. إني أكتب اليوم لأني أحب ألا يتكرر حزني برحيل مفاجئ سببه رحلة قصيرة في الطريق، أو أن يحزن أهلي بسبب رحيلي وأنا في الطريق، كلما تفكرت في الموضوع أصبت بالرعب من هول مفاجأة قد تلامسني أو تلامس غيري، لذا لابد أن نبدأ كي نوقف قدراً كبيراً من الألم يتفوق على جميع آلام الحياة الأخرى. خارج نطاق التغطية: غبقة لـ»صوت الكويت» يوم غد الثلاثاء في مقرها بالخالدية داخل أسوار الجمعية الثقافية النسائية، فرصة جميلة للقاء مَن لم نلتقِ بهم منذ مدة فأسعدونا بها. 

احمد الصراف

الحب بالحب والكره بالكره

تعرضت باكستان في الأيام القليلة الماضية لكارثة سيول قل نظيرها في العصر الحديث، فقد من جرائها الآلاف حياتهم، والأسوأ من ذلك خسارة أكثر من 20 مليون باكستاني كل ما يمتلكونه من ماشية ومحاصيل وأدوات ومأوى، وهم بحاجة للماء والغذاء والكساء، بعد أن أصبحوا جميعا معدمين تماما، وكل ذلك حدث في ظل حكومة عاجزة ينخر في أوصالها الفساد بالرغم من أنها تحكم «أرض الطهارة»!
الغريب في الأمر أن رد الفعل الدولي، بالرغم من هول الكارثة وحجم خسائرها غير المسبوق، كان سلبيا بشكل عام، ولم يستجب غير دول قليلة لمطالبات السلطات الباكستانية، وسكرتير الأمم المتحدة، وما وصلها من مساعدات كان متواضعا بكل مقياس، والدليل أن الكويت كانت الأكثر كرما! والجدير بالذكر أن الفيضانات أصابت بشكل أساسي مقاطعة وزيرستان والمناطق المجاورة لها وهي الأكثر تدينا وقربا للفكر الأصولي الطالباني!
ولو بحثنا في أسباب هذا الجفاء الدولي في التعامل مع هذه الكارثة البشرية، وضعف تجاوب الدول الغنية الكبرى مع طلبات الاغاثة، مقارنة بمواقف الدول نفسها من كوارث أقل قسوة من هذه الكارثة بكثير، لوجدنا أن مواقف باكستان العدائية مع دول عدة وفساد أنظمتها وطاقمها السياسي وعدم وضوح مواقفها من الحركات المسلحة والمتشددة دينيا، وما يشاع عن العلاقة المشبوهة التي تربط أجهزة مخابراتها بحركة طالبان و«القاعدة»، ربما كانت جميعا وراء هذا الجفاء، فمواقف الدول بعضها من بعض لا تبنى من خلال تجربة أو حادثة واحدة، بل من سلسلة مترابطة من الأحداث والمواقف العدائية أو عكسها، وبالتالي يجب ألاَّ نستغرب ان كرهنا العالم أو أحبنا، فالدول كالبشر تكره وتعادي من يكرهها وتحب وتميل الى من يعاملها بالمثل، فهل نتعلم من تجربة باكستان شيئا؟
وفي هذا السياق أحضر لي صديق باكستاني نموذج طلب جواز سفر رسمي صادر عن السفارة الباكستانية، تضمن الفقرة الغريبة التالية التي تفرض على طالب تجديد جواز سفره التوقيع بأنه يعلن بطريقة خالية من أي شك موافقته على اعتبار «ميرزا غلام أحمد قادياني» مدعي نبوة، واعتبار أتباعه، سواء كانوا من جماعة اللاهوري أو القادياني، من غير المسلمين!!
فهل هناك من يحترم حكومة تمنع اصدار، أو حتى تجديد جواز سفر مواطن، ان رفض التوقيع على مثل هذه الشهادة، حتى ولو كان أتباع القاديانية أكبر أشرار الدنيا؟ ومن الذي يملك حق توزيع صكوك الغفران على البشر، وتصنيفهم مسلمين أو غير مسلمين؟

أحمد الصراف