محمد الوشيحي

دبور… يا ديبورا


إذا سألتني عن أسعد شخص في الكويت، فسأصحح لك سؤالك كي يصبح «من هما أسعد شخصين في الكويت اليوم؟»، والجواب: وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد ووزير المالية مصطفى الشمالي. ليش؟ لأن النائب النشط خالد الطاحوس، من دون أن يقصد، أهدى للوزيرين «علبة مسامير» ثبّت بها كلّ منهما كرسيه المهزوز، عندما طلب إقالتهما، فالسياسة في الكويت تقوم على العناد وتنام على «الحَرَّة»، والنائب الطاحوس يحتاج إلى كيس مملوء بالمكر والخبث والدهاء يحمله على كتفه في رحلته السياسية.

والطاحوس أحد الذين طرحوا الثقة بالوزراء في كل الاستجوابات، بل هو من الذين يملكون «استجواباً أحمر»، أي استجواب سمو رئيس الوزراء، وإن لم يكتمل. إذاً هو في عين الحكومة، أو ذوي القرار، عدو ظاهر، أو فلنقل «خصم معلَن». ولو كنت أنا مكان الطاحوس، لاستعنت بالنائب مرزوق الغانم، الذي تربطني به صلة رياضة، وهمست في أذنه برغبتي، وتركت الغانم يرتّب حروفه مع زميله النائب صالح الملا، ويضعان مطلبهما أمام كتلتهما «الوطنية»، وخلال يومين ثلاثة سأقرأ خبر «إقالة الوزيرين».

الطاحوس وهو يطلب إقالتهما لم يكن يعلم أنه حتى لو كانت هناك نية لإقالتهما فعلاً فقد أُلغيت. خلاص. على أن الوزير الشمالي كان الأسبق في تثبيت كرسيّه، عندما دخل معه النائب الفذ مسلم البراك في سجال نشرته الصحافة بالطبلة والمزمار. مع أن البراك أدهى وأذكى سبعاً وثلاثين مرة من الشمالي، لكن حكم مباراة الملاكمة رفع يد الشمالي إلى الأعلى، فالبراك كان يبحث عن الضربة القاضية، ولم يجدها، بينما الشمالي كان يجمع النقاط فملأ شليله بها، إذ إن المطلوب الآن هو إشغال المعارضة عن قضية تمويل الخطة التنموية.

والحكومة، أمام قضية التمويل، مثل الزوجة التي وقفت على السلّم، وهددها زوجها بالطلاق إن هي صعدت أو نزلت، ولو كنت أنا مكانها لتزحلقت على «الدرابزين»، وهربت إلى بيت أمي. ولو كنت أنا مكان الحكومة لفعلت ما يمليه عليّ ضمير التجار، فالتجار أقوى من البرلمان، واترك عنك الوهم والحديث عن الدستور والمادة السادسة «الأمة مصدر السلطات…»، فالتجار هم مصدر السلطات، هم المنبع والمصب. وكما يقول السوداني: «الفلوس عليك الله تشدّ الهواء من قرونه».

***

يبدو أن السفيرة الأميركية ديبورا جونز «من الربِع»، أي من جماعتنا. فمن يقرأ لقاءها في منتدى الشبكة الوطنية الكويتية الذي جاء قبل يومين، بعد تأخير استمر نحو ستة أشهر، يشك أنها عضو في حكومة الكويت.

ولو أن أحداً أخفى اسمها من على شاشة الكمبيوتر وسألني من هو صاحب هذه الإجابات، لأجبته مباشرة: «واحد من ثلاثة، إما الوزير روضان الروضان، أو الوزير الدكتور محمد البصيري، أو هو الإطفائي الحكيم رئيس البرلمان جاسم الخرافي». لم يكن ينقص السفيرة إلا أن تطالب بعدم تسييس السياسة، ثم تعيّن زوجها وكيلاً في حكومة الكويت.

ماذا دهاك يا حاجة ديبورا؟ ما هذه الإجابات المدهونة بالـ»نيفيا»؟… دِبور*.

***

لمن تابع المسلسل المحلي التاريخي «اخوان مريم»، الذي يروي سيرة الأسرة الحاكمة، والذي أساء إلى الفن، وأكّد نظريتي «السلق» و»البحث عن الأرخص»، فأظهرنا صغاراً «فنياً» أمام سورية وعملها الدرامي العملاق «باب الحارة»، وغيره من المسلسلات الفخمة… أقول، لمن تابع هذا المسلسل فبكى، اقرأ ما كتبه الزميل الرائع «عامر الفالح» في جريدة الراي يوم أمس الأربعاء، فقد «غسل كبودنا»… شكراً عامر.

* دبور: كلمة بدوية شبه منقرضة، وتعني الخزي، أو الفشل. 

حسن العيسى

من عمل الإنسان وليس الطبيعة

 في بداية عام 2008 اندلعت في أوطان الفقر والبؤس حركات تمرد وعصيان، بدأت أولاً في هايتي ثم في بنغلادش، هدفت تلك الحركات إلى جلب الانتباه الدولي نحو معاناة الشعوب الفقيرة بسبب غلاء أسعار الغذاء وعدم قدرة مزارعي تلك الدول على منافسة مزارعي الدول الثرية الذين تدعم منتجاتهم دولهم، ومثال ذلك الولايات المتحدة التي تنادي بالعولمة وفتح الأسواق للمنافسة دون تدخل الدولة، وكأنها تأمر بالمعروف وتنسى نفسها! لم تُرِد تلك الحركات سوى تنبيه المجتمع الدولي إلى مأساتها. ومضت حركات العصيان هذه من دون أن تترك أثراً في الذاكرة التاريخية. وذكرت جريدة "الفايننشال تايمز" نقلاً عن لجنة برنامج الأمم المتحدة للغذاء أن قطع المساعدات عن تلك الدول وصرف النظر عنها من قبل الدول المانحة يرجعان إلى أن الأخيرة تعاني أزماتٍ مالية، فكانت دول مثل إثيوبيا ورواندا وأوغندا هي أول ضحايا الجوع، وأصابت الكارثة الملايين، ولاحظت جريدة "الأمة" البنغالية أن المؤسسات المالية الدولية تعهدت بـ12.3 مليار دولار لمساعدة تلك الدول التي يتهددها شبح المجاعة لم يصل منها سوى مليار واحد! ثم أضافت الجريدة أن هذا لا يعني سوى اللامبالاة من الدول الغنية!
 ترجمت الفقرة السابقة باختصار وإضافة وتصرف من كتاب "نوام تشومسكي" الأخير "آمال واحتمالات". وتشومسكي هو عالم لغويات في جامعة" إم إي تي" وهو أحد أشهر ممثلي الضمير الإنساني بالولايات المتحدة، ولم يتأخر يوماً عن فضح تاريخ ممارسات الدول الاستعمارية بدءاً من اكتشاف العالم الجديد على يد كولمبوس حتى هذه اللحظة، ويمضي تشومسكي مقرراً أن مثل تلك الكوارث التي تصيب البشر في دول الفقر هي من صنع الإنسان وليست من القدر فقط، بمعنى أن تلك الكوارث وإن رجعت إلى فعل الطبيعة التي لا ترحم فإن الإنسان ساهم بالقدر الأكبر فيها عبر استغلال دول البؤس من المستعمر وعدم اكتراث الأخير لعمق ما سببه من مآسٍ.
 لنترك الكبير "تشومسكي" ونقرأ ما يحدث اليوم في باكستان، فكارثة الفيضانات تنمو يوماً بعد يوم في تجويع ونشر الأمراض في المناطق المنكوبة، والمساعدات الدولية غير كافية، والمتضررون يشتكون من ندرة وصولها إليهم. وهناك مَن يتوجس من أن معظم المساعدات ستذهب إلى المؤسسة العسكرية دون المتضررين، وأدبيات الإعلام الغربي همها الأكبر يتلخص في خطر استقواء حركة "طالبان" مستغلة بطء الدعم الدولي لباكستان، وكأن الكارثة هنا ليست فيضان نهر على أراضٍ لم تكن مأهولة في السابق، وكان النهر سابقاً يتمدد كما يشاء دون أضرار، ثم أضحت تلك المناطق قرى ومساكن للفقراء المزارعين، بل تكمن الكارثة هناك في خطر نمو "طالبان" و"القاعدة"… أما الجوع والأمراض فهي مسألة تأتي في المرتبة الثانية بعد "طالبان"! "عجبي" على هذه الإنسانية!

سعيد محمد سعيد

اقرئيها 126 مرة في اليوم!

 

لأنها وغيرها كثير على ما يبدو، عجزت عن التخلص مما ألم بها من بلاء، فلم تجد إلا وسيلة واحدة، وهي صعبة على أية حال، للاتصال بإحدى القنوات الفضائية التي تقدم للناس بعض ما يطلق عليهم (مشايخ) يساعدون الناس بالرقية الشرعية وهم لا يتقنون قراءة كتاب الله، وبالأذكار، وهم بالكاد يتذكرون النصوص بدقة، والأهم من ذلك، يتلاعبون بعقول الناس من قبيل… «اقرئيها يا أختي 126 مرة في اليوم لمدة أسبوعين، وإن شاء الله ستنالين مرادك، واتركي عنوانك لدى المخرج حتى أرسل لك حجاباً يخلصك من شرور السحر».

هل تعلمون ماذا يجب أن تقرأ تلك 126 مرة في اليوم؟ آية قرآنية كريمة، ولا بأس في ذلك، لكن أن تقرأها امرأة مريضة وكبيرة في السن 126 مرة، فهذا يشق حتى على الشاب اليافع السليم، والغريب أن الشيخ، وكذلك المتصلة، ومقدم البرنامج ذاته، لم يفكروا في مدى قدرة المريضة على فعل ذلك خصوصاً حين تكون الآية الكريمة طويلة نصاً.

المشكلة ليست في أولئك المشايخ… المشكلة في المشايخ والعلماء المعتدلين الذين يتوجب عليهم تكثيف تحذير الناس من مثل تلك المتاجرات باسم الدين وباسم القرآن الكريم.

ذات مرة، أعلنت للقراء الكرام بأنني تمنيت لو استطعت الحديث مع أولئك الناس الذين يمتلكون قدرات خارقة في قراءة المغيبات وفك السحر والحسد والإبداع في صياغة الطلاسم حتى يتمكنوا من فك العمل الذي أصيبت به بلادنا، فيكشفون الشياطين الذين يحومون حول هذه الأرض الطيبة، ويكشفون لنا اللصوص وسراق قوت الناس، ويحذروننا من الجن والعفاريت التي لا ترى بالعين المجردة لأنها تعيش في سرية تامة وتنوي بالبلد وبالناس شراً!

وحين أصل الى واحد من أمثال أولئك، ارجوه رجاءً حاراً أن يكتب لي طلسماً أو حجاباً فأقوم بنسخه أكثر من 700 ألف نسخة فأوزعه على البحرينيين، ولربما حصل غير البحرينيين على ما زاد منه ليلبسه الجميع حفظاً من الشياطين ورجماً لمن يكيد كيده ويناصب جهده، ولا داعي بعد ذلك لأن نكون صريحين في الحديث عن مشاكلنا وملفاتنا وقضايا البلد الحساسة منها وغير الحساسة، ولنرمِ كل شيء على الجن والعفاريت والسحر، ونكتفِ بلبس الأحجبة لنحجب عن عقولنا وقلوبنا كل طرق الوصول الى بر الأمان.

احمد الصراف

منظارنا أصدق من منظاركم

ورد في القبس قبل أيام ان المحكمة العليا في السعودية أقرت امكانية قبول رؤية هلال اول الشهر، وبالذات اول رمضان ونهايته، من خلال المناظير المقربة، مع ابقاء خيار الرؤية بالعين المجردة. وسبق ان اعلن المرجع الديني الراحل محمد حسين فضل الله انه يفضل تحري هلال رمضان من خلال المناظير المقربة! وربما كان أول شخصية دينية رفيعة تطالب باستخدام الوسائل المتطورة الحديثة، والحسابات الفلكية في معرفة اوائل الاشهر القمرية، بدلا من التمسك بالرؤية المجردة وتحريم غيرها، وهو الامر الذي اربك الكثيرين لقرون طوال، وكان مصدر خلاف شديد ومستمر.
وفي السياق نفسه اكد السيد محمد المهري اهمية الاستعانة بالحسابات الفلكية التي يمكن عن طريقها معرفة اوائل الاشهر القمرية، ولا اعتقد انه يعارض الاستعانة بالمناظير لمعرفة بداية الاشهر، بدلاً من الاعتماد على العين المجردة، وسبق ان اعلن ان اول شهر رمضان هو الخميس 12 أغسطس، ولكن مكتب السيد فضل الله في لبنان اعلن ان الاربعاء 11 م 8 هو بداية الشهر، وايضاً حسب حساباتهم الفلكية، فهل خرجنا من مشكلة العين المجردة لندخل في مشكلة منظارنا افضل من منظاركم، وحساباتنا ادق من حساباتكم؟ وهل ستبقى خلافاتنا الصغيرة هي الطاغية والمخربة لعلاقات بعضنا مع بعض؟ يبدو ان الامر كذلك وسيبقى هكذا!
وفي تطور «دراماتيكي» انتقد رجل الدين السعودي عايض القرني ائمة المساجد، وبعضهم من تلامذته ومن المتشربين بفكره، لأنهم يدعون بهلاك اليهود ومن هاودهم ومن النصارى ومن نصرهم، والبوذيين ومن «باوذهم»، وخاصة في صلاتي التراويح والقيام، مشيرا الى انهم، أي الائمة، في دعائهم وكأنهم يرغبون في ان تترك الدنيا لهم فقط. وقال ان تصرفهم ينافي مبدأ التواضع الذي يفترض أن يكون من خصال المسلم والدعوة الى الاسلام.
وهنا نجد ان اقرار المحكمة العليا السعودية بجواز الاستعانة بالمناظير وموافقة بعض المراجع الدينية الاستعانة بالحسابات الفلكية، اضافة للوسائل العلمية الحديثة، في تحديد بدايات الاشهر، ومطالبة القرني وغيرها من التغيرات الايجابية، تعني ببساطة «شديدة» اننا كنا طيلة هذه السنين، او القرون على خطأ.
فكم هو جميل توقف اختلافنا على صغائر الأمور ان كان العلم والمنطق هما الفيصل في حسم الخلاف بيننا. وكم هو أجمل توقفنا عن لعن الآخرين والدعاء عليهم بحرق زرعهم، خاصة عندما نعلم أن آلاف الاطنان منه ترسل لتشبع جوع ملايين الافواه الجائعة في دولنا الاسلامية، او عندما نعلم بأن الدعوة لأن ييتّم الله ابناءهم غير منطقية لأن هؤلاء هم الذين يخترعون ويطورون وينتجون للمسلمين وغيرهم افضل الامصال وأحسن الادوية ويرسلوها لمرضانا ليتداووا بها، ومضحك بالتالي ان نتمنى لهم، بالدعاء الحار، الموت واليتم والفناء والحرق!
ويا ترى لو كان ذلك اللاعن والشاتم لغيره خالي البطن وسقيما فهل كان سيفكر اصلا في لعن من يملأ بطنه ويداوي مرضه؟

أحمد الصراف