محمد الوشيحي

الازرق لا يكتب احمر

معظم المسؤولين ذوي الشخصيات «الوازنة» – على رأي إخواننا المغاربة – الذين تشاهدونهم في البلد غلابة غلب ما يعلمه إلا الله سبحانه، يغرقون في شبر ماء، إلا في كيفية حلب الدولة من خلال اللجان والمهمات الرسمية. وليت أحد النواب يطلب من ديوان الخدمة المدنية تزويده بتكلفة اجتماعات اللجان الحكومية والمهمات الرسمية، ثم يبيّن نسبتها من ميزانية كل وزارة، ويقارنها مع ميزانية التدريب والتطوير في الوزارة تلك، ثم يعرضها على المارة وعابري السبيل من المواطنين، فالناس هنا يعرفون منبع النفط لكنهم يجهلون مصبّه.

وأمس، تابعت حديث الحاضر الغائب النائب السابق وليد الجري، وكان من ضمن طلباته أن تضع الحكومة استراتيجيتها ولا تكتفي بالخطة التنموية، وقطعَ الجري، الذي هو فعلاً «جريء» كما كان جده الأكبر، بأننا لو سألنا الوزراء عن الاستراتيجية لتلقينا ست عشرة إجابة، بعدد الوزراء، لا علاقة لإجابة هذا الوزير بإجابة ذاك. وأنا أقول يا أبا خالد، إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع، وطلبك «الاستراتيجي» لا يُطاع ولا يطاق.

وسأطرح فكرة أخرى أسهل من فكرة الجري الاستراتيجية، وهي فكرة مجربة، جربَتها الحكومة ونجحت إلى حد ما… فبعد أن حصلتُ على شهادة الثانوية العامة تقدمت إلى «الطيران المدني» لدراسة الطيران، وكنت أمنّي النفس بالصياعة في كوكب الأرض، فأتناول الغداء في بروكسيل والعشاء في نيودلهي، وأرتدي اليوم جلد نمر، وغداً «بنجابي»، وبعد غد تنورة الأسكتلنديين، هكذا كنت أفكر. (تذكرت حادثة لشاب سعودي، كتبها في مدوّنته، يقول إن مدرسته أقامت حفلة، وطلبت من التلاميذ أن يرتدوا ملابس الشعوب، وكان نصيبي اللباس الأسكتلندي، التنورة. يقول استغرق الأمر مني نحو ثلاثة أيام لتجهيز التنورة، وجاء يوم الاحتفال، فارتديتها وخرجت سعيداً بها إلى الوالد الذي كان يجلس في «الحوش» مع مجموعة من أصدقائه كبار السن كي أضحكهم وأحدّثهم عن الشعب الأسكتلندي، لكن شيئاً ما ارتطم بجبهتي وأحرقني واسودّت الدنيا في عيني، وفي المستشفى تبيّن أن الوالد حفظه الله رماني بـ»الدلّة» المليئة بالقهوة بعد أن ظن أنني تشبهت بالنساء! وفوق كل هذا لم يزرني طوال مكوثي في المستشفى، إلى أن شرح له المدير والمدرّسون حقيقة الأمر، فعفا عني بلا نفس).

أعود إلى موضوعي، عندما تقدمت إلى «الطيران» فاستقبلتني اللجنة وطرحت عليّ أسئلة «اختبار الذكاء»، منها أن قام أحدهم بإعطائي قلماً قائلاً: «هذا قلم أزرق، ونبيه (أي نريده) يكتب أحمر»، فكتبت كلمة «أحمر»، وحصلت على الدرجة، لا لذكائي بل لأن من سبقوني تعرضوا لمثل هذا السؤال، فنقلوه إلينا.

وكل ما نريده الآن من المسؤولين، قبل تعيينهم، أن يقرأوا هذه المقالة، ثم نمد لهم قلماً أزرق، ونطلب منهم أن يكتبوا «أحمر»… وأدي دقني. 

حسن العيسى

خرائب فوق التل

قبل احتلال العراق بفترة وجيزة زار الأستاذ الأميركي فؤاد عجمي (من أصل لبناني) الكويت، وجلسنا معه في جمعية الخريجين، وبدأ الأستاذ فؤاد موعظته متحدثاً عن "حلمنا" الكبير حين يزال نظام صدام وتشيد في العراق دولة ليبرالية ديمقراطية تقوم على مبدأ سيادة القانون والحريات الإنسانية، قال لنا إن الدولة العراقية القادمة ستكون كما يذهب المثل الغربي "مدينة فوق التل"، أي ستكون مثالاً يشع بأنواره على المنطقة العربية، كنا مشدوهين ومأخوذين بسحر الأحلام الوردية حين يضرب المارد الأميركي بقيادة البطل بوش الثاني ضربته السحرية في المنطقة، ويتبدد الظلام ليبدأ "عصر الأنوار" محمولاً لدولنا ليس على فكر فلاسفة مثل اسبينوزا وهوبس وروسو، بل سيأتي على متن قاذفات القنابل وطائرات الشبح ومصفحات ابرامز…!
لم نهتم، ولم نكن نحن الممتنين للتحرير الأميركي لدولتنا الكويتية نكترث من أي درب ستأتي لنا "أنوار" الحرية، فالرعب من صدام كان يملأ نفوسنا، وفكر القوى الدينية المتزمتة يحاصرنا من كل اتجاه، وإذا كانت الأرحام العربية عقيمة لا تلد فلاسفة ولا مفكرين مناضلين يكونون شعلة نور في دروب الحرية فليكن إذن التغيير من الخارج على يد أهل الحضارة والتقدم، ولتسطع أنوار الحرية القادمة من عاصمة بنجامين فرانكلين وتوماس جيفرسون… ونسينا في معمعة التاريخ مونرو "ومبدأه" بالهمينة المطلقة على القسم الغربي من العالم الجديد، ونسينا من بعده ولسون وتي دي روزفلت، ومن خلفهم ومعهم تاريخ حافل ممتد للدولة الأميركية في الهيمنة على العالم حين تتدخل بحجة حماية الحريات وحقوق الإنسان في الظاهر، وبدأت بدول أميركا اللاتينية وامتدت إلى منطقة الذهب الأسود (النفط) في الشرق الأوسط… لم تكن "المأساة" الفلسطينية ولا موقف الولايات المتحدة المساند الأبدي لإسرائيل يهمنا كثيراً، فالكويت بعد تحريرها أضحت في عقلنا اللاواعي مركز الكون، وكانت مواقف بعض الفلسطينيين الذين أيدوا صدام في احتلال الكويت نكاية بأميركا سبباً مقنعاً لتناسي الهم الفلسطيني العربي جملة وتفصيلاً.
مضت الأيام… لنشاهد انتصار البطل بوش الثاني، وهو يقف على سطح حاملة الطائرات يزف للعالم خبر انتصار الحرية في العراق… وكان انتصاراً عظيماً تعاصر معه انتصار الطائفية والقبليات في العراق… وحمل معه أجساد العراقيين المقطعة من تفجيرات "القاعدة" ومن الحرب المذهبية التي نقول رياء إنها انتهت.
من حاملة الجنود الخارجة من العراق والمتوجهة إلى الحدود الكويتية أشار الجندي الأميركي الصغير بإشارة النصر فرحاً وهو يقول: انتصرنا…! هذا صحيح فقد انتصروا بضمان مكامن النفط يحرسها الخمسون ألف جندي من الباقين في العراق ومعهم قوات شركات الحراسة الخاصة… وانتصرت معهم قوى الإرهاب والطائفية وتفتت العراق… ماذا سنقول لفؤاد عجمي ومثاله عن "مدينة فوق التل"… لنخبره عن الخرائب فوق التلال.

احمد الصراف

أنا طائفي (!!!)

وطني وما ساءت بغير بنيك، يا وطني ظنوني
أنا لم أجد فيهم خديناً آه من لي بالخدين.
وا ضيعة الأمل الشريد. وخيبة القلب الحنون.
رقصوا على نوحي وإعوالي وأطربهم أنيني
وتحاملوا ظلماً وعدواناً عليّ وأرهقوني
فعرفتهم ونبذتهم لكنهم لم يعرفوني
وهناك منهم معشرٌ أفٍّ لهم كم ضايقوني
هذا رماني بالشذوذ. وذا رماني بالجنون.
وهناك منهم من رماني بالخلاعة والمجون.
وتطاول المتعصبون وما كفرت وكفروني
لا درّ درّهمُ فلو حزت النضار لألهوني
أو بعت وجداني بأسواق النفاق لأكرموني
أو رحت أحرق في الدواوين البخور لأنصفوني
فعرفت ذنبي أن كبشي ليس بالكبش السمين.
يا قوم كفّوا، دينكم لكمُ، ولي يا قومُ ديني
 
هذا ما قاله فهد العسكر قبل ألف عام ولا يزال صالحا للنصف الأول من رمضان هذا العام.
نشرت القبس (8/22) مقالا لأحد الزملاء تهجم فيه على شخصنا ونعتنا بالطائفي الذي فزع لطائفي آخر، وبالليبرالي والعلماني!
ردنا باختصار شديد يتمثل في نقاط أربع:
أولا: من الواضح تواضع معلوماته عن طبيعة كتاباتي وما تمثله من انعكاس حقيقي لشخصيتي، بعكسه تماما! فأنا لم ولن أفزع طائفيا لأحد، وكتاباتي عن موضوع «تسمية الخليج» تعود لما قبل ثمان أو تسع سنوات وعددها 5 مقالات تقريبا وتتوافر في أرشيف القبس، ومنطلقاتي معروفة ولا علاقة لها بالطائفية.
ثانيا: من اتهمني بالدفاع عنه شخص لم ألتق به أو أتحدث معه أصلا، ولأسباب خاصة لا تسرني معرفته ولا أسعى للالتقاء به، فكيف أدافع عنه؟
ثالثا: الاخ الزميل ومن أصل مليون وكذا ألف نسمة من مواطني الكويت، هو الوحيد الذي لا يحق له اتهامي «أنا» بالذات بالطائفية. فهو الذي سعى ونجح في أكثر من انتخابات برلمانية من خلال انتخابات قبلية طائفية، كما أنه يشارك بفاعلية في قيادة حركة طائفية دينية تحت مسمى «الحركة الدستورية»، وهي المظلة التي يعمل تحتها حزب الإخوان المسلمين، التابع للتنظيم العالمي الطائفي. كما لا تسمح حركته لغير المنتمين لها طائفيا بالكتابة في مطبوعاتها! إضافة إلى أنه سعى لتأسيس كيان دولي لطائفته القبلية، وهو الأمر الذي تحدث عنه الكثيرون، ونحن لا اعتراض لنا بطبيعة الحال على طائفيته أو اعتزازه بقبيلته أو أن يتخذ ما يشاء من مواقف، ولكن نتمنى عليه هو بالذات أن يترك لغيره مهمة توجيه اتهامات الطائفية لنا!
رابعا: مؤسف أن أضطر لأن أقف هذا الموقف، وأدافع عن نفسي وشخصي المتواضع أمام هذا الشخص، وربما من حقي العتب على القبس، التي تعرفني حق المعرفة، لسماحها بنعتي بالطائفية! أما «تهم» الليبرالية والعلمانية ففخر لا أنكره!

أحمد الصراف