سامي النصف

محاولة للفهم

كلنا خلق الله ولا فرق بين البشر بسبب اللون أو العرق أو الدين، لذا لم أفهم مغزى تهديد عائلة أحد علماء الدين الأفاضل للشركة المنتجة لمسلسل «إخوان مريم» كونهم صوروه بأنه أسود اللون ولم أفهم في المقابل اعتذار الشركة اللاحق عن ذلك الفعل فللمعلومة لا توجد أسرة كويتية إلا وتتعدد ألوان أبنائها وكنت سأتفهم لو طلبت العائلة الكريمة تصحيح تلك الواقعة حفاظا على الدقة التاريخية دون الحاجة لادعاء الضرر أو التهديد بالمقاضاة.

 

وقد قرأت تاريخ الكويت بتمعن شديد وعلمت من خلال ما قرأت حقيقة ان بلدنا قام على جهود أبنائه العاملين في التجارة والغوص حيث لم نكن نملك أي موارد أخرى، وكان التاجر الكويتي يحرص رغم قلة موارده على حسن سمعته، لذا لا يمكن تصور صحة وجود تجار كحال التاجر «أبوشاهين» في ذلك المسلسل الذي يحرص على الاستيلاء على بيوت من يقترض منه المال في وضع أقرب لتاجر البندقية الشهير.

 

ودلالات خطأ ذلك الفهم عديدة منها انه لم يأت ضمن الموروث التاريخي الكويتي من كلام متواتر أو مكتوب أو شعر محفوظ، كما لم يعلم في الكويت قط عن ظاهرة «Homeless» أو من يبيت في الشوارع بسبب الاستيلاء على منزله من قبل الدائنين رغم فقر الكويت الشديد مقارنة بالدول الثرية والمتقدمة المبتلاة بمثل تلك الظاهرة غير الإنسانية هذه الأيام وهو أمر يجب أن يسلط الضوء عليه كويتيا بالإيجاب لا السلب خاصة أمام المشاهد العربي أو الخليجي.

 

ولم أفهم رفض البعض زيادة 25 دقيقة في «الأسبوع» لدعم الأنشطة المدرسية في المدارس مع العلم ان أغلب مبدعي العالم في الآداب والفنون والإعلام والرياضة وعباقرته ليسوا نتاجا لمخرجات المناهج الدراسية المعتادة بل هم من مخرجات حصص الأنشطة المدرسية التي تكشف الإبداع وتدعم المواهب.. و25 دقيقة في الأسبوع مو قادرين عليها وين وصلنا؟!

 

كما لم أفهم معنى ومغزى دراسة لأحد الاخوة الأعزاء تظهر «مظلمة الموظف الكويتي» كونه تحول من عطلة اليوم الواحد الى عطلة وإجازة اليومين كحال جميع دول العالم الأخرى (كتبت شخصيا مقالا عام 80 دعوت فيه الى عطلة الجمعة والسبت) وكأن الإنصاف يقتضي منا ان نعود به لعطلة اليوم الواحد، كما لم أستوعب أرقام دراسة الزميل حول هذا الموضوع التي تظهر ان معدل راتب الموظف الحكومي الكويتي وغير الكويتي تقارب 1200 دينار في الشهر.

 

آخر محطة: لتسليط الضوء على مكارم تجار الأمس وهم جزء من تاريخ الكويت الناصع حاله حال أفعال أبنائه الآخرين، أخبرني العم المرحوم عبداللطيف الطبطبائي ان التاجر الكويتي كان كريما رغم انه لم يكن يملك الكثير لدرجة انه كان يتصدق الخميس وقد لا يجد في بيته ما يأكله الخميس الذي يليه.

احمد الصراف

حرام.. حلال..حرام.. حلال!!

في أول أيام الغزو والاحتلال العراقي للكويت، وأثناء تفكيري وجاري في ما يجب أخذه معنا، إن اضطررنا للخروج من الكويت، لأي سبب كان، قال جاري إن المهم المال والأشياء الثمينة الأخرى وبالذات الخفيفة على الحمل، ومن ثم الصور العائلية الشخصية، وأهميتها تكمن في ما تحمله من كم كبير من الذكريات الحميمة، إضافة إلى أنها إن فقدت فلا يمكن تعويض غالبيتها!
تذكرت تلك الحادثة، التي مر عليها 20 عاما بالتمام، وأنا أقرأ مقال خلف الحربي، في جريدة عكاظ السعودية 6/7، بعنوان «يسرقون أعمارنا ثم يعتدلون»، والذي جاء فيه أن سيدة قامت بحرق كل صورها وصور أبنائها وعائلتها عندما أخبرها أحد رجال الدين أن الاحتفاظ بها حرام حرام!! وتقول إنها، وبعد عقدين من الزمن تقريبا، أصبحت ترى صورة ذلك الرجل في الكثير من الصحف، وهذا يعني أنه تراجع عن فتواه المتشددة، أو المتسرعة (لا فرق)! ولكنه ورط غيره بفتواه، وأنها الآن لا تعرف كيف تستعيد ذكريات طفولتها وطفولة أبنائها، بكل ما كانت تعنيه تلك الصور لها من أهمية ومحبة صادقة.
كما وردت في المقال قصة رجل قام قبل عشرة أعوام بتحطيم كل الأطباق اللاقطة للمحطات التلفزيونية في بيته بعد أن حذره شيخ دين مشهور، جاءهم في الشرقية، من خطر القنوات الفضائية على الأمة. كما دفعه حماسه وقتها للطلب من جيرانه الاقتداء به، وكانت صدمته كبيرة حين وضع أخوه الأكبر طبق التقاط في البيت، فتعارك معه ووجه له كلاما معيبا جدا! وبعد سنوات شعر بالخجل من نفسه وبخيبة أمل كبيرة عندما شاهد ذلك الشيخ، صاحب الفتوى، يظهر في برنامج ديني في واحدة من أسوأ القنوات الفضائية مقابل عقد كبير!
كما وردت في المقال قصة رجل آخر اختار ترك وظيفته المرموقة في البنك عندما أخبره أحد أقربائه أن الكثير من المشايخ يقولون إن راتبه حرام. وقال إن ذلك الرجل يعمل اليوم في وظيفة بائسة ويضحك على نفسه لأنه سمع كلام المشايخ وترك وظيفته، حيث اكتشف أن أغلب أولئك المشايخ الذين سبق ان أفتوا بحرمة رواتب المصارف أصبحوا أعضاء في هيئاتها الشرعية، وبعضهم في البنك نفسه الذي تركه في شبابه!
وقال الزميل الحربي إن سبب عودة هؤلاء الشيوخ عن فتاواهم ومواقفهم المتشددة وتحولهم لشيوخ «وسط» أنهم ربما راجعوا أفكارهم فوجدوها متسرعة وحماسية أكثر مما يجب! أو أنهم شعروا بأن الأفكار المتشددة لا تساعد على الاستمتاع برغد العيش بعد أن تغيرت أحوالهم المادية للأفضل بكثير! وقال إن المشكلة لا تقف هنا بل تشمل ظاهرة أخرى وهي مشكلة ظهور شيوخ جدد يريدون أن يخلقوا لأنفسهم وضعا ماديا معينا، فنراهم يتشددون ويحتسبون ويوترون الأجواء ويعطلون التنمية لكي يصبحوا نجوما لامعين ويتبعهم الخلق، ثم بعدها يعتدلون ويصبحون وسطيين ويقدمون البرامج التلفزيونية ويدعون الناس الى التسامح والتآخي!
وقال إننا لا نحتاج إلا الى ورقة لكي ندون على وجه منها أسماء عشرة مشايخ كانوا متشددين ثم اعتدلوا، بعد أن سرقوا عشرين عاما من أعمارنا، ثم نكتب على الوجه الآخر أسماء عشرة مشايخ آخرين يقودون حاليا موجة التشدد، وإذا طال بنا العمر، فسنرى بعد عشرين عاما، أن المتشددين أصبحوا ينافسون أصحاب القائمة الأولى في الاعتدال والوسطية بعد أن أصبحوا من سكان القصور! أما الأمة فليس لها إلا العناء والتحسر على العمر الضائع، والبحث عن مبررات اعتدال الشيخ المرموق مثلما بحث عن مبررات تشدده!
وقد ذكرني هذا المقال بموقف رجل الدين عادل الكلباني الذي كان يوما يؤم الصلاة في مكة، ذكرني بموقفه من الغناء وكيف أفتى قبل فترة بأنه غير حرام، وهو الأمر الذي ربما دفع الكثير من أتباعه ومريديه الى الاستماع والاستمتاع والتعود على الغناء والتعلق وشراء الأجهزة والسيديهات! ولكن الشيخ الكلباني قرر (هكذا، وعلى كيفه) تغيير رأيه والإفتاء بحرمة الغناء! فما الذي سيفعله مريدوه وأتباعه الآن بما اشتروه، وهل ستعود الدائرة نفسها؟

أحمد الصراف