محمد الوشيحي

اعلان تبرع

مقنع جداً ما ذكرته الروائية الجزائرية الرائعة أحلام مستغانمي على لسان بطل روايتها: «الإنجاز الوحيد بالنسبة إلى كاتب، هو ما يتركه في مساحته من بياض».

ولطالما راودتني هذه الفكرة عن نفسي. لطالما أغرتني وأغوتني وأثارتني بجمالها، حتى قبل أن أقرأ ما كتبته أحلام، فأنا رجل يضعف أمام الجمال… و»ياما» فكرت في أن أكتب مقالة بعنوان «فراغ»، وأترك المساحة فاضية، ثم أذيّلها بتوقيعي، لكنني أتراجع خوفاً من ألا يفهمها البعض، أو أن يساء فهمها، بل خوفاً من أن أسيء أنا نفسي فهم مقصدي من «كل هذا» الفراغ.

من خلال هذا العمود، أعلن وأنا بكامل قواي العقلية تبرعي بكل أجزاء جسمي بعد مماتي، بدءاً من شعر رأسي وانتهاء بأصابع قدمي، وفي ما يلي تفاصيل قطع غياري…

شعر رأسي غير قابل للتساقط والصلع – صادقاً أتحدث – فقد ورثت من والدي رحمه الله قوة الشعر، إذ أجلس متربعاً ويأتي من يشد شعري وهو واقف بيديه الاثنتين فلا أشعر بألم، وكأنه يشدني من ذراعي، لكنني منذ فترة بدأت أشعر بآلام في جلدة رأسي، وينتابني شعور أنها تزحزحت عن مكانها، وتحتاج إلى إعادة «تعيير».

أما من أراد الاستفادة من أصابع قدميّ، فلا أملك إلا أن أحذره، وذنبه على جنبه بعد ذلك، فالأصبع الوسطى في القدم اليمنى مطأطئة الرأس بشكل دائم كحال «عقلاء السلطة»، تحيط بها أصابع كرؤوس الشياطين، والسبب جنون اقترفته أثناء طفولتي المترفة، عندما تحدّيت الجميع بأن أضع قدمي تحت عجلات أول سيارة تمر بنا، فكانت النتيجة أن تهشم رأس أصبعي الوسطى، وانكسرت ركبتي، لكنني قاومت الألم ولم أبكِ، إلا بعد عودتي إلى البيت… بكيت بنحيب، وأكملت مسيرة بكائي في المستشفى.

وما دمنا في الأصابع، فسأذكّر بأن أصبعي الوسطى في اليد اليمنى كانت قد تعرضت لكسر شديد، أدى إلى انحنائها من أعلاها على شكل حرف (L)، وبقيت على وضعها هذا فترة، وكنت كلما رفعت يدي لتحية أحد كأنني أشتمه شتيمة قبيحة، ولولا تدخل الطبيب الشعبي «عبدالعال العتيبي» الذي كسرها مرتين وأعاد تجبيرها، لاستمرت أصبعي في الشتم القبيح.

أما بالنسبة لصدري ورئتيّ وكل ما يمكن أن يتأثر بالتدخين فالحذر الحذر لا أبا لكمُ، أي والله، فأنا أدخن أكثر من ثلاث علب دخان يومياً، وأكبسها بـ «دلّتين» من القهوة النيبارية المرّة. وقد أعذر من أنذر.

وعلى من أراد الاستفادة من لساني وأصابع يدي اليمنى أن يقصّ منها قليلاً، وإلا فسيهلك.

قسماً، أتحدث بصدق، «قيموا المزح هلّق» على رأي السوريين… إذا متّ فأعضاء جسدي كله حلال لكل محتاج من أي مذهب ودين وملة. 

حسن العيسى

ماذا تعلمنا؟

الكويت هي الدولة رقم عشرة في حجم التبرعات التي قدمت إلى ضحايا باكستان، وتسبقها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وبعض الدول الأوروبية ومنظمات تابعة للأمم المتحدة. حجم الكارثة الباكستانية أكبر مما يمكن تصوره، فغير الضحايا الذين ماتوا هناك أكثر من عشرين مليون نسمة، وأكثرهم من الأطفال، معرضون لأمراض فتاكة مثل الكوليرا، بسبب تلوث مياه الشرب، وصرحت "اليونيسيف" بأن توفير مياه نظيفة يتطلب اكثر من مليوني دولار يومياً، وهو مبلغ لا يمكن أن تتحمله تلك المنظمة.
أرقام كبيرة، وهي ليست أرقاماً حسابية بل أرقام تشي بمأساة بشرية وأشباح الموت والجوع تقف فوق رؤوسهم. ونقلت "بي بي سي" عن مسؤول باكستاني ان الدولة الباكستانية قد تحتاج إلى أكثر من خمس سنوات لإصلاح الأضرار، وبتكلفة قد تصل إلى 15 مليار دولار… لكن هذه الدولة الباكستانية التي يئن شعبها اليوم من هول كارثة طبيعية هي قبل كل شيء دولة نووية، ولم تتأخر في الماضي بالصرف على إنتاج سلاح الرعب هذا قبل الهند، فهل أنفقت كما يجب لبناء جسور وسدود وطرق ووسائل تصريف مياه متينة، لا لتجنب مثل تلك الكارثة بطبيعة الحال وإنما للتخفيف من أثرها…؟ في بحث دورية "فورن أفيرز" نشر الباحثان الستر سميث وكوريز فلور بحثاً في "سياسة الكوارث"، فهما يقولان إن الأموال مسألة مهمة للتخفيف من هول الكوارث، إلا أنه قبل الأموال تأتي السياسة الحصيفة، فعلى سبيل المثال في 12 يناير عام 2010 أصاب عاصمة هايتي زلزال بقوة 7.0، وتسبب في قتل وهلاك ما يقارب 222 ألف نسمة، وفي الشهر التالي تعرضت تشيلي لزلزال بقوة 8.8، ولم يمت سوى 500 فرد… وقبل أربعين سنة أصاب بيرو زلزال قتل 66 ألف نسمة، ثم أصيبت عام 2001 بزلزال أقوى ولم يمت غير 150 نسمة، مع الأخذ في الاعتبار الكثافة السكانية ومعدلات النمو، لكن المعيار الأهم هو أن بيرو كانت عام 1970 دولة غير ديمقراطية، ولم تعد كذلك حين حدث الزلزال الثاني… ومضى الباحثان في ضرب عدة أمثلة من الصين واليابان وإيران وغيرها، لننتهي بنتيجة هي أن الوعي وسياسة الاستعداد للكوارث هما العامل الحاسم في التخفيف من مصابها.
لنعد الآن إلى الكويت التي كانت الأولى عربياً في سخائها بشأن مأساة باكستان، علنا نتعلم شيئاً من كل هذا، متسائلين ما إذا كانت الدولة تعي وتعمل حساباً لكل احتمالات الكوارث، سواء كانت طبيعية أو بشرية سياسية من فعل البشر بأخطائهم وحماقاتهم…! ماذا تعلمنا من تجربة الغزو مثلاً… وهو كارثة نتيجة فعل بشري إجرامي… وهل غيرنا من سياسات الماضي وتعلمنا من دروسه آخذين في الاعتبار اليوم نواقيس خطر الحرب التي تدق بشدة قربنا…؟ هل تعلمنا شيئاً أم مازلنا على "طمام المرحوم"؟ السؤال لكم. 

احمد الصراف

رسالة سامية وطلب هزيل

«قبولية حاكم الكويت بالمهادنة البحرية لأجل سنة واحدة في سنة 1841 ميلادية. مضمون هذه الأحرف بأني أنا يا صباح ابن جابر بنيابتي عن أبي جابر ابن عبدالله الصباح حاكم الكويت قد رضيت وقبلت عن نفسي وعن رعاياي والمتعلقين علّي بالقرار الذي قرره جناب في الشركة والأجلال الأجل الأفخم القبطان هذل باليرز خليج فارس مع المشايخ العرب المصالحين من استقامة المهادنة والصلح عن صدور التعديات والتعرضات في البحر وأن لا لي حرب ولا جدال في البحر مع جميع مشايخ العرب الداخلين في سلك الصلح والمهادنة مع جناب في الاقتدار والمفاخر السركار الأنقريز الأفخم وأن أصون رعاياي والمتعلقين علي من التعدي والتعرض على ساير الطوايف المتصالحين في البحر وأن لا قدر الله تعالى أحدا تجرى وتعرض رعاياي والمحسوبين علي في البحر فلا يكون فورا أقوم لأخذ القصاص والانتقام بل التزم برفع الأمر لجناب علي الجاه الباليرز صاحب المذكور حتى هو يقوم بلازم التنبيه والقصاص بعد تحقق الأمر وأجريت مع جناب المستشار ان مضمون ما ذكر من حين التحرير الذي هو غرة ربيع الأول 1257 إلى مدة سنة كاملة هذا والله خير الشاهدين». (ختم: صباح بن جابر).
هذا نص رسالة أو تعهد من قبل حاكم الكويت أرسلت في عام 1841 لممثل بريطانيا «العظمى» في الخليج، وكان الحاكم بأمره على كامل أوضاع المنطقة بما فيها العراق. وسبب ذكر هذه الرسالة المنقولة من كتاب «تاريخ الكويت الحديث»، لأحمد مصطفى أبوحاكمه، إضافة لأهميتها التاريخية، ما ورد فيها من أن الخليج الذي نشترك فيه، ودول مجلس التعاون العربية الأخرى، مع إيران، كان يسمى في الكويت، ومن واقع عشرات آلاف المستندات والخرائط والمراسلات، وحتى أواخر ستينات القرن الماضي، بخليج فارس. وبالتالي، وحفاظا على مصداقيتنا، وليس لأي سبب آخر يدور بكل رأس مشبع بنظريات المؤامرة، فإن الاسم يجب أن يبقى بالاسم الذي اشتهر به أكثر من غيره، وذلك لكي لا نتهم من قبل إيران أو غيرها أننا من مزوري التاريخ عند مطالبتنا لها أو من غيرها بحقوقنا في المياه أو اليابسة. كما أردنا من التطرق لرسالة الشيخ الجليل، والتي يوجد ما يماثلها الكثير، الإشارة للسؤال البرلماني الذي وجهه النائب وليد الطبطبائي للوزير أحمد الفهد والمتعلق باستخدام «الخليج الفارسي» بدلا من العربي في كتيب بعنوان «اللمحة الإحصائية» والذي صدر اخيرا عن الإدارة المركزية للإحصاء، حيث طالب النائب بالتحقيق في الواقعة وتزويده بنتيجة الإجراءات القانونية التي تم اتخاذها تجاه المسؤولين عن الواقعة!
وهنا نرى أن النائب يريد الانتقام من المسؤول عن كتابة اسم تاريخي، كما هو مدون في عشرات آلاف المستندات الحكومية الرسمية، ولكنه لا يود حتى الاقتراب من كل قضايا الإجرام والسرقات والمتاجرة بالبشر التي يرتكبها علية القوم، لأنه ربما يخاف الاقتراب منهم، ويبحث عن المواضيع التي يعتقد أنها أكثر إثارة للنعرات والغرائز الدفينة والعصبيات!
سنظل لسنوات نلتّ ونعجّ في تسمية لم نعرفها إلا في منتصف ستينات القرن الماضي، وسيستمر العالم أجمع في استخدام التسمية الصحيحة، شئنا أم أبينا!!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

ابتسامة «عبدالله»

 

الكثير من القراء الكرام، قرأوا قصة الطفل «عبدالله» التي نشرتها صحيفة «الوسط» يوم أمس الأول (الثلثاء)، وقد تأثر بها الكثير من القراء من المواطنين والمقيمين وهم يشاهدون وجه الطفل ورقبته وصدره وقد أصابه التشوه نتيجة احتراقه – حينما كان في سن الثالثة من عمره – بمادة الحمض القلوي الشديد المعروف باسم (التيزاب).

أولاً، أود أن أتقدم بالشكر الى القراء الكرام الذين وقفوا إلى جانب والدة الطفل بالمواساة، ولكنني، وعلى أنني لا أريد أن أسبب خيبة أمل ولوعة لأسرة الطفل أو للقراء الكرام، إلا أنني سأقول بصريح العبارة: «لم يتصل بنا أحد من المسئولين إطلاقاً… إطلاقاً حتى كتابة هذه السطور؟ ولا من أي جهة!»، ونحن لا نقول ذلك من باب أننا كنا ننتظر بفارغ الصبر اتصال طرف مسئول لكي يرسم البسمة والسرور على وجه «عبدالله ووالدته»! لكن من باب الشعور بالمسئولية، وخصوصاً في حالة كون المصاب طفلاً صغيراً يتأثر بمثل حالته حتى أصحاب القلوب الصخرية.

على العموم، كنا نقول دائماً ونكرر، إن أي مسئول يحترم مسئوليته وموقعه ويقدم خدماته للمواطنين فإننا سنشكره ونثني عليه ونحن على علم بأن الدولة إنما وضعته في هذا المكان أساساً لخدمة الناس، أما في حال التقصير، فلا يهم أن أصبح الكاتب (مجانفاً للحقيقة… لم يتحرَ الدقة.. .لم يتصل بنا… ينوي إثارة المشاكل… يؤلب المواقف ضد المسئولين)، فتلك من نوعية العبارات الفجة الكريهة التي مل الناس من قراءتها في الردود التي تتصدر معظم بيانات ومراسلات بعض الوزارات الخدمية.

على أي حال، فإن الفرج آتٍ للطفل وغيره من المرضى آتٍ دون شك، ونعم بالله وحمداً له على نعمه التي لا تعد ولا تحصى فهو الرب الكريم الذي لا ينسى عباده أبداً، ولهذا، ومن ألطاف الله سبحانه، أن هذا الطفل الصغير الذي يبلغ حالياً العاشرة من العمر، يعرف كيف يبتسم بصبر واحتساب وأمل في الحياة… في المستقبل، في القادم من الأيام… صحيح، أن مشاعرنا جميعاً تنصب في التضامن مع هذه النوعية من الأطفال، ونحاول أن نشعرهم بالحب ونأخذ بخاطرهم، إلا أنهم أنفسهم حين يبتسمون في وجه ما ألم بهم من بلاء، فإنهم يقدمون لنا درساً لا يعرفه الكثيرون منا.

عبدالله… ابقَ مبتسماً و(عَين من الله خيراً)، حتى تبقى والدتك سعيدة، والناس من حولك سعداء… لأنك تعلمنا معنى شكر النعمة.