محمد الوشيحي

رجال المطنزة 
والعازة


… ويستمر «أبو جعل» في سخريته من أعراق الناس في الكويت، ومن أصولهم وجذورهم، فيدعمه الفأر والضبعة، ويحميه الخنزير، وينشر أخباره الطفل المترف… وتتسرب الدولة من قبضة الحكومة، فتشتعل «فلاشرات الخطر» في أوساط المناطق الخارجية، ويعلو صوت «الجهّال»، ويطرق العقلاء ويصمتون، وتبدأ الاتصالات تحت بند «إلى متى؟»، وتتجه أصابع الاتهام في المناطق تلك إلى بعض أعضائها، أمثال دليهي الهاجري، سعدون حماد، عسكر العنزي، غانم اللميع، سعد خنفور، خالد العدوة، محمد الحويلة، حسين مزيد، شعيب المويزري، وغيرهم.

وترتفع الدول المجاورة، فتدفع الغيوم بيد والنجوم بيد كي تحصل على موقع لها في السماء، والكويت تصارع الدود، رحماك يا ربنا المعبود. والدول تتوحد، والشعوب تنزل الملعب على طريقة منتخب البرازيل، اليد باليد، وتعتمد الخطة الهجومية بحثاً عن الكأس…

ويدخل الشعب الكويتي الملعب، فيتبادل لاعبوه اللكمات والركلات والصفعات فيما بينهم، يا رافضي يا مجوسي، يا ناصبي يا وهابي، يا بيسري يا قليل الأصل، يا بدوي يا مزدوج، يا حضري يا حرامي، وترتفع فقاعات الصابون، فتكتب السفارات الأجنبية في الكويت تقاريرها إلى قياداتها، والحكومة تتفرج على زراعة الفتن، وقيل هي من يوفر السماد والماء والشمس… ويردد العقلاء: «راحت رجال تنطح الدروازة، وبقت رجال المطنزة والعازة».

وكلما ازداد الأغبياء غنى، قلّت حاجة بعضهم إلى بعض، وتفرقوا، فاستغنى الأخ عن أخوته وابتعد عنهم، واستغنت المرأة عن زوجها وطالبته بالطلاق، وتمرد الشاب على أبويه واستقل عنهما، وتلفّت الناس بحثاً عما يشغل أوقات فراغهم، فلا يجدون إلا التصارع، دينياً وعرقياً…

وكان التنابز و»المعايَر» وظيفة النساء العاطلات عن العمل كل ضحى، «يا أم شوشة»، «يا الحولة»، «يا الداثرة»…، فأصبح الرجال الكويتيون عاطلين عن العمل، فزاحموا النساء على صنعتهن، وهزموهن، وأخجلوهن، وعلموهن كيف يكون التنابز على أصوله، ليس في أوقات الضحى فقط، بل على مدار الساعة، كما الصيدليات المناوبة.

وكل من يطالب اليوم بزيادة الرواتب يساهم في صبّ البنزين على الحرائق، ويدفع البلد إلى مزيد من التمزق والتشقق، عن جهل أو قصد…

البطر و»الفسقة» هما السبب. ولأن لا أمل في تغيير نهج الحكومة، فليس لنا إلا البحث عن حلول لتغيير نهج الشعب، ولا حل أفضل من تخفيض الرواتب إلى النصف، كي يلتهي الناس في البحث عن مصادر دخل إضافية، والقاعدة تقول «الطبيعة تكره الفراغ».

❊❊❊

رحمك الله أيها الإعلامي الجميل سلمان العتيبي، وألهم أهلك وذويك الصبر والسلوان، و»إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ». 

حسن العيسى

سجِّلوها على «أبو عدس»

لبنان (أو على الأقل الحكومة اللبنانية)، أصبح مثل "بلّاع الموس" كما يُقال في الأمثال الشعبية، فلا هو قادر على قبول ما قد يسفر عنه قرار المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي تبدو فيه مؤشرات على إدانة لعناصر من حزب الله، ولا يستطيع في الوقت ذاته، نسيان أمر المحكمة، وكل ما بُني من تحقيقات وإجراءات خلال أكثر من خمس سنوات، تمّ تحت وصاية مجلس الأمن الذي خلق المحكمة بعد جريمة اغتيال الراحل.
كيف يمكن لعاقل أن يوفِّق بين عبارتين للرئيس سعد الحريري، حين أكد أن المحكمة ليست "أمراً طارئاً وليست بنت الساعة"، لكنه في الوقت ذاته -والكلام عائد إلى رئيس الوزراء- يرفض أن تكون قضية الاغتيال "سبباً في اندلاع فتنة مذهبية…"!
كم هو صعب موقف الرئيس سعد الحريري، يريد حكم القانون والعدالة حين ينتصفان لمقتل والده، لكنه يدرك أن حكم القانون  سيعني فتح صندوق "بندورا" للشرور على لبنان من جديد، مع أن جرّة "بندورا" لم تُغلَق يوماً ما في لبنان منذ لحظة ميلاده واستقلاله حتى اليوم، فلبنان هو حالة قبائلية عربية متخلفة تحت مسمّى طائفي، وقد كتب الباحث بطرس لبكي في "النهار": "…كل اللبنانيين ينتمون إلى أسر، والأسر تنتمي إلى جب، والجب إلى عائلة، والعائلة إلى عشيرة، والعشيرة إلى قبيلة، وهذا صحيح، خاصة في المناطق الريفية من حيث يأتي 95 في المئة من اللبنانيين"!
هذه هي حالة لبنان القبلي الطائفي المُفتَّت إلى إقطاعيات مناطقية، يتزعم كل إقطاعية شيخ القبيلة أو "الرمز الطائفي".
لبنان ومعظم أقطار العالم العربي مع استثناء جلي في الحالة المصرية، مشاريع دول أوطان لم تكتمل، والانتماءات القبلية والمذهبية مقدمة دائماً على الولاء للدولة العاجزة عن توفير الحماية والعدالة الاجتماعية، ليس لبنان حالة مختلفة عن العراق أو اليمن في الفشل، ولا يبتعد كثيراً عن المشهد الصومالي، أو المشهد  المحتمل لمعظم الأقطار العربية، والاختلاف هنا في دولنا ليس في النوع، بل في الدرجة، أي درجة التناقض والتنازع في الولاءات العشائرية والمذهبية، فكيف لنا أن نفكر بدولة القانون في لبنان   وليس لدينا "دولة"؟ دولة بمعنى السلطة التي تحتكر سلطان العنف  على إقليمها، وهناك سلطات أخرى أقوى من سلطة الدولة، مثل حزب الله الذي يرفض مع حلفائه من حركة 8 آذار القرار المحتمل للمحكمة، التي يصفها الجنرال عون بعدم النزاهة وغياب الشفافية، وبأن "أحكامها مسيَّسة"!
مصادرة  قرار المحكمة "الظني" في النهاية، هي مصادرة لما تبقى من الدولة اللبنانية، ولن تجد  الحكومة اللبنانية من حل سوى أن تطلب من مجلس الأمن نسيان المحكمة وما مضى، ولتُسجَّل قضية مقتل الحريري ضد مجهول كان اسمه "أبو عدس".

احمد الصراف

مات صاحب الضمير والنفس الأبية

تعود معرفتي بالصديق المرحوم أحمد البغدادي الى سنوات طويلة. وفي عام 1999، وبعد أن توطدت صداقتنا فكريا وعرفنا طينة بعضنا، قدم لي مخطوط كتاب جديد له بعنوان «تجديد الفكر الديني.. دعوة لاستخدام العقل» وطلب مني مراجعته والتعليق عليه، وبعد أسبوع أعدت له المخطوط طالبا منه إعفائي، لاعتقادي أن المراجع وكاتب المقدمة يجب أن يكون أكثر علما ومعرفة من المؤلف، أو على الأقل مساويا له، في موضوع الكتاب! وبما أنني لست هذا ولا ذاك، فلن أكتب مقدمته، وعليه نشره كما هو، فمد يده شاكرا ولم يقل شيئا! وعندما أبلغني الصديق طالب المولى بخبر وفاته تذكرت تلك الواقعة، وشعرت، ولا أزال أشعر، كأن شيئا مني قد مات!
إن رحيل هذا الرجل الكبير، قامة ومقاما، سيترك فراغا لا أعتقد أن أحدا من «مفكري» الكويت وكتابها وأدبائها وسياسييها يستطيع ملأه بسهولة، فقد كان أبو أنور فريدا في مكانته متحدثا جيدا وصاحب مقال صحفي ورأي واضح وحر، وباحثا متعمقا ومؤلفا متمكنا، والأهم من كل ذلك، وهذا ما لا نجده في غالبية أو كل زملائه الأكاديميين وحتى رفاق دربه، هو وضوح مواقفه السياسية والعقائدية والدينية، وثباتها في العشرين سنة الأخيرة، وهي الفترة التي عرفته في الجزء الأعظم منها.. عن قرب!
قد لا يكون أحمد البغدادي الوحيد الذي يستحق لقب «مفكر كويتي»، ولكن مكانته أكبر من أن تختزل في مقال أو خطبة أو مرثية تُقال أو لقب يُمنح، فقد كان قمة في أشياء كثيرة، وكان يتسم بجرأة نادرة وشجاعة في قول الحق من دون تردد، وكان صاحب موقف، فقد رفض بكل إباء مختلف المغريات والعروض المادية التي لم يستطع الآخرون، الأكثر غنى منه، مقاومتها، وكنا نتشاور في العروض التي كانت ترده بالظهور على هذه القناة أو بالكتابة في تلك الصحيفة، وكنا نشد من أزر بعضنا في رفض تلك الإغراءات!
ربما لا يعرف الكثيرون عن البغدادي سوى أنه كاتب مقال صحفي جريء، وكان في السنوات الأخيرة يكتب في جريدة السياسة، التي منحته هامش حرية يليق بمكانته، ولكن عندما يأتي اسم الكويت في أي حفل سياسي أو منتدى أو تجمع ثقافي يطفو اسمه على السطح، فهو المدافع الإنساني والكاتب الليبرالي والداعية العلماني والملتزم والأكاديمي، وسجين الرأي، الوحيد ربما، والحقيقي، في تاريخ الكويت، وفوق هذا كان متدينا لا تفوته صلاة ولا شهر صيام، ولم تعرف الخمرة طريقها لجوفه، ولسنا هنا في معرض مدحه أو ذمه، بقدر أهمية تبيان ذلك لكل أولئك الذين كالوا له مختلف التهم وأساؤوا اليه بشتائمهم وطعنوا في شخصه ومعتقده وصحة تدينه، ولم يترددوا في تكفيره وملاحقته وتلفيق مختلف التهم له وايذائه في أهله ورزقه، لا لشيء إلا لأنه كان يوما منتميا، حزبيا، لهم، وكان بالتالي يعرف «خمال سلفهم» و«ألاعيب إخوانهم» ومداهناتهم وتلفيقاتهم المشبوهة.
أحمد البغدادي لم يكن كاتبا صحفيا عاديا، بل كان «ادوارد سعيد» الكويت، ولم يكن باحثا عاديا في التراث، بل «محمد عابد الجابري» الكويت، ولم يكن متحدثا ومفكرا فقط بل كان أيضا «أدونيس» الكويت، ولاشك أن من كانوا يعارضونه وينتقدونه من المتأسلمين يشعرون الآن كم هم صغار أمام حجج ومواقف هذا الرجل الذي لم تستطع كل أموالهم شراءه بأي ثمن.. فسلام عليك يا صديقنا الكبير أينما تكن.
< كتاب «تجديد الفكر الديني»، ممنوع تداوله في الكويت ولكن مادته تدرس في جامعة تونس.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

الإفراج عن المعتقلين

 

كم هي عظيمة بركات شهر الله الأعظم وهي تحل على الجميع في هذه البلاد الطيبة، على رغم الكثير من المآسي والآلام والأوجاع، لكن الجميع على استعداد للمضي قدماً، دون حاجة للعودة إلى المربع الأول… مبارك عليكم الشهر جميعاً، ونبارك ونشارك أيضاً فرحة الإفراج عن المعتقلين، آملين بذلك أن تفتح صفحة جديدة بين كل الأطراف.

منذ نحو عشرة أيام مضت، والناس تتابع وتتساءل عن مدى دقة المعلومات التي انتشرت بين الناس فيما يتعلق بالإفراج عن معتقلي كرزكان والمعامير، وهذا أمر ليس بغريب على ملك القلوب، جلالة عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ولعلنا ونحن نعيش أعظم الشهور وأفضلها عند الله، نتمنى أن يكون هناك توافق بين الدولة وكافة الشرائح لإنهاء الملفات العالقة التي طال أمد وصفها بأنها (ملفات عالقة)، لكي لا تعود الأيام واللحظات والمواجهات والممارسات التي تنغص عيش العباد والبلاد. في شهر أبريل/ نيسان من العام الماضي 2009، أجريت لقاءات متعددة مع مختلف مكونات المجتمع، وخصوصاً الشباب منهم والناشئة، بعد المبادرة الملكية بالعفو عن الموقوفين والمعتقلين، فكانت الآراء تصب على محور واحد، وهو أنه في إمكان الدولة القضاء على كل المشاكل وعدم السماح لكائن من يكون أن يؤثر على الاستقرار الأمني، وذلك من خلالها إصرارها على تجديد المشروع الإصلاحي ترجمةً ميدانيةً وعدم السماح للعابثين، سواء من كتبة التقارير السرية أو المخربين أو الذين يريدون بالبلاد شراً، عدم السماح لهم أبداً بأن يتنفسوا في مجتمع يرفضهم.

هناك الكثير الكثير ما يمكن التباحث في شأنه فيما يتعلق بترسيخ الاستقرار والاتفاق على خطوط التوافق بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني، ولعلني في سلسلة من 4 حلقات تحت عنوان :»نزولاً إلى الشباب… صعوداً إلى الدولة»، قدمت الكثير من النقاط والمحاور التي يمكن من خلالها تجسير العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني لأنه بدون شراكة مجتمعية حقيقية لن يكون سهلاً تحقيق مؤشرات متقدمة من الأمن والتنمية. على أي حال، سيكون المقام لتكرار الحديث حول المأمول من الدولة والمجتمع المدني كبيراً ومتاحاً مستقبلاً، فتقبلوا مني جميعاً التهنئة بهذا الشهر الفضيل، وكذلك تهنئة خاصة بمناسبة الإفراج عن المعتقلين، وجعل الله أيام هذه البلاد، قيادةً وحكومةً وشعباً كلها خيراً وأماناً وصلاحاً.