الكويت هي الدولة رقم عشرة في حجم التبرعات التي قدمت إلى ضحايا باكستان، وتسبقها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وبعض الدول الأوروبية ومنظمات تابعة للأمم المتحدة. حجم الكارثة الباكستانية أكبر مما يمكن تصوره، فغير الضحايا الذين ماتوا هناك أكثر من عشرين مليون نسمة، وأكثرهم من الأطفال، معرضون لأمراض فتاكة مثل الكوليرا، بسبب تلوث مياه الشرب، وصرحت "اليونيسيف" بأن توفير مياه نظيفة يتطلب اكثر من مليوني دولار يومياً، وهو مبلغ لا يمكن أن تتحمله تلك المنظمة.
أرقام كبيرة، وهي ليست أرقاماً حسابية بل أرقام تشي بمأساة بشرية وأشباح الموت والجوع تقف فوق رؤوسهم. ونقلت "بي بي سي" عن مسؤول باكستاني ان الدولة الباكستانية قد تحتاج إلى أكثر من خمس سنوات لإصلاح الأضرار، وبتكلفة قد تصل إلى 15 مليار دولار… لكن هذه الدولة الباكستانية التي يئن شعبها اليوم من هول كارثة طبيعية هي قبل كل شيء دولة نووية، ولم تتأخر في الماضي بالصرف على إنتاج سلاح الرعب هذا قبل الهند، فهل أنفقت كما يجب لبناء جسور وسدود وطرق ووسائل تصريف مياه متينة، لا لتجنب مثل تلك الكارثة بطبيعة الحال وإنما للتخفيف من أثرها…؟ في بحث دورية "فورن أفيرز" نشر الباحثان الستر سميث وكوريز فلور بحثاً في "سياسة الكوارث"، فهما يقولان إن الأموال مسألة مهمة للتخفيف من هول الكوارث، إلا أنه قبل الأموال تأتي السياسة الحصيفة، فعلى سبيل المثال في 12 يناير عام 2010 أصاب عاصمة هايتي زلزال بقوة 7.0، وتسبب في قتل وهلاك ما يقارب 222 ألف نسمة، وفي الشهر التالي تعرضت تشيلي لزلزال بقوة 8.8، ولم يمت سوى 500 فرد… وقبل أربعين سنة أصاب بيرو زلزال قتل 66 ألف نسمة، ثم أصيبت عام 2001 بزلزال أقوى ولم يمت غير 150 نسمة، مع الأخذ في الاعتبار الكثافة السكانية ومعدلات النمو، لكن المعيار الأهم هو أن بيرو كانت عام 1970 دولة غير ديمقراطية، ولم تعد كذلك حين حدث الزلزال الثاني… ومضى الباحثان في ضرب عدة أمثلة من الصين واليابان وإيران وغيرها، لننتهي بنتيجة هي أن الوعي وسياسة الاستعداد للكوارث هما العامل الحاسم في التخفيف من مصابها.
لنعد الآن إلى الكويت التي كانت الأولى عربياً في سخائها بشأن مأساة باكستان، علنا نتعلم شيئاً من كل هذا، متسائلين ما إذا كانت الدولة تعي وتعمل حساباً لكل احتمالات الكوارث، سواء كانت طبيعية أو بشرية سياسية من فعل البشر بأخطائهم وحماقاتهم…! ماذا تعلمنا من تجربة الغزو مثلاً… وهو كارثة نتيجة فعل بشري إجرامي… وهل غيرنا من سياسات الماضي وتعلمنا من دروسه آخذين في الاعتبار اليوم نواقيس خطر الحرب التي تدق بشدة قربنا…؟ هل تعلمنا شيئاً أم مازلنا على "طمام المرحوم"؟ السؤال لكم.