لم تعرض على الإعلام قرائن المحكمة الدولية نحو إدانة بعض العناصر القيادية في حزب الله بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولا أحد يستطيع أن يقدر الآن معقولية أو عدم معقولية أسباب "القرار الظني" للمحكمة في اتهام حزب الله، فالقرار في ضمير المحكمة أو القاضي بلمار، إلا أن حزب الله وأنصاره سارعوا إلى اتهام المحكمة ضمنياً بالعمالة لإسرائيل والأميركيين، وقدموا بدورهم أدلة، حسبما يقول أصحابها، تقطع بتورط إسرائيل في جريمة الاغتيال بواسطة الطلعات الجوية ودور ضابط لبناني عميل لإسرائيل اسمه غسان الجد كان موجوداً في مسرح الجريمة…!
سياسة حزب الله في الدفاع هي الهجوم على المحكمة والتحقيق وتوجيه الاتهامات إليها قبل أن تعرض على الرأي العام أسباب القرار الظني، فلم يترك حزب الله فرصة كي يطلع اللبنانيون والعالم على محتوى وأسباب القرار، وفي الوقت ذاته تجري التلميحات بعظائم الأمور مثل الحرب، بينما لو مضى نحو إعمال هذا القرار المحتمل… كيف يمكن هضم دفاع حزب الله وتبرئته من تهمة لا نعرف أدلتها حتى الآن؟
لا يجحد عاقل دور حزب الله النضالي ضد إسرائيل، ولا ينكر أحد أنه لولا هذا النضال لما تحقق الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، وبهذا سجل لنا حزب الله أول انتصار عربي جزئي ضد إسرائيل في مسلسل طويل من هزائم الأنظمة العربية… أيضاً لا يمكن أن ننفي حقيقة أن حزب الله هو الأكثر تمثيلاً للأغلبية الشيعية في لبنان، وهو الأقرب لمعاناتهم التاريخية وبؤس أحوالهم لعقود ممتدة في التاريخ اللبناني، ومع كل ذلك، ورغم الدمار الذي أصاب لبنان واللبنانيين حين تحول الجنوب اللبناني إلى "هانوي" التحرير ضد إسرائيل، يبقى أن نسأل هل كانت مثل تلك البطولات والتضحيات الكبيرة للحزب تضفي رداء القداسة عليه وتحصنه من أي خطأ أو انحراف في مسيرته؟… ضلوع إسرائيل في جريمة اغتيال الحريري مسألة محتملة، وأيضاً هناك احتمالات تقول إن غير إسرائيل لهم مصالح و"أجندة" مكتوبة لاغتيال الحريري وغيره من رموز لبنانية كبيرة مثل جبران تويني وسمير قصير… فلماذا الآن النفي المطلق لكل هذه الاحتمالات؟
يكاد يقول الحزب للناس إنه هو لبنان ولبنان هو الحزب، ولا شيء قبله ولا بعده، وبالتالي فإن للحزب وقياداته صفة "السيادة" المستحقة للدول، ولا يجوز في أي حال مساءلة أصحاب السيادة ولا مخاصمة أهل العصمة… ولتذهب العدالة إلى الجحيم…