احمد الصراف

مبارك وخزعل

بالرغم من كثرة حَمَلة شهادات الاجتماع والتاريخ، المضروبة والصحيحة منها، بين «خريجي الدولة»، فإنه لا أحد منهم تقريبا اهتم بتوثيق العلاقة مع حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح (1840 – 1915)، الذي ينص الدستور على حكام الكويت يجب أن ينحدروا من ذريته! وقد دخلت الكويت في نزاع مع الدولة العثمانية في أول عهده، بعد لجوء أبناء شقيقيه الأكبر محمد والأصغر جراح، للبصرة، واصطفاف يوسف الإبراهيم معهما، وتحريضه الدولة العثمانية عليه، الأمر الذي دفع مبارك الصباح للاتصال بالمقيم السياسي البريطاني في بوشهر، وليقول له انه سيطلب حماية بريطانيا للكويت إن حاول العثمانيون التدخّل وإنهاء حكمه. وقد مالت إليه بريطانيا لرفضه قبول وجود حامية عثمانية في بلاده! ولكن الأمور هدأت بعد وفاة يوسف الإبراهيم في مارس 1906.
نشأت علاقة خاصة، وحميمة، بين مبارك الصباح وخزعل بن مرداو، توطدت مع الوقت، وكان للشيخ خزعل دور مهم في تاريخ الكويت، ولكنه أهمل، ككثير من الأمور الأخرى، وأكبر شاهد ما تعرض له قصره في دسمان من تلف ودمار! وقد اشتهرت حسينية معرفي، الأقدم في الكويت بـ «الخزعلية»، ويقال إنه هو الذي اقترح فكرة بنائها على عبدالكريم معرفي، وانه تبرع لها، ونسبتها له كانت بسبب استخدامه لها كمقر لاستقبال زواره، عندما كان يزور الكويت. والشيخ خزعل كان حاكما لمنطقة المحمرة، التي تسمى خرمشهر حاليا، من قضاء خوزستان، التي غزاها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب، وينتمي نسبه لقبائل بني كعب العربية، وسبق أن أسس والده، جابر بن مرداو، دولته التي لم تعمر طويلا، وكان ذلك في منتصف القرن الـ 19، وساعد في بقائها انهيار الدولة الصفوية، واعتراف ناصر شاه، القاجاري به حاكما للمحمرة، التي أصبح خزعل زعيمها بعد اغتيال أخيه الأكبر مزعل. وارتفعت أهمية المنطقة في عيون القوى الكبرى بعد اكتشاف النفط في مسجد سليمان، القريبة من إقليم خوزستان مع بداية القرن العشرين، فعزز الإنكليز علاقاتهم معه. ولكن صعود رضا شاه (بهلوي) للحكم، والد محمد رضا، بعد إطاحته بحكم القاجار، ورغبته في توحيد إيران وإخضاع أقاليمها لسيطرته، هدد حكم الشيخ خزعل، الذين لم يقف الإنكليز معه هذه المرة، كما أن صديقه الشيخ مبارك كان قد غادر الدنيا قبلها. وهكذا تمكن رضا شاه من الاستيلاء، أو استعادة عربستان من الشيخ خزعل عام 1925، وإنهاء دولته، ونقل مخفورا إلى طهران ليبقى فيها حتى وفاته.
لإقليم المحمرة، الأهواز، عدة تسميات، وأن كلمة أهواز، هي جمع من كلمة «حوز»، مصدر للفعل «حاز»، بمعنى الحيازة والتملك، وبالتالي تعني الحيازات! ولكنها تعني في الفارسية الحوض، والكلمة عربية، لأن المنطقة كانت تشتهر بالزراعة وانتشار أحواض الري بها، والأهواز هي نفسها الأحواز، فهكذا ينطقها الفرس، و«الأحواز» هي العاصمة، وأشهر مدن الإقليم الأخرى: المحمرة، وعبادان، الحويزة، وشوشتر وسوس، والفلاحية ومسجد سليمان وغيرها. كان الشيخ خزعل من اللاعبين الكبار في الخليج، وصديقا لكبار من ساهموا في صناعة تاريخ المنطقة، كالشيخ مبارك الصباح والسيد طالب النقيب.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

عادل عبدالله المطيري

الكويت وجوارها

لا جديد في السياسة الداخلية، فمازالت الأوضاع بين شد وجذب، حتى أصبحت عملية التنبؤ بمسار الأحداث السياسية الكويتية بمثابة التنجيم ـ حيث لا ينفع معها كل مناهج ونظريات التحليل السياسي المعتمدة، ولكن ما يهون الأمر انه لا خاسر ولا رابح فالكل في نهاية الأمر كويتيون ويبحثون عن المصلحة العامة، ولكن لو نظرنا إلى محيطنا الإقليمي ولو بنظرة خاطفة لما حول الكويت فحتما ستكون كافية لمعرفة المخاطر الإقليمية المحدقة بنا، فإيران تختنق سياسيا واقتصاديا، بالإضافة إلى قمع الحريات فيها وتسلط رجال الدين على الشعب، واقتصادها ينهار والظروف المعيشة للإيرانيين تزداد بؤسا، حتى أصبحت «المليون تومان» العملة الإيرانية بعشرين دينارا فقط لا غير.

ومازال ملالي إيران يحلمون بامتلاك الأسلحة النووية لزيادة نفوذهم في المنطقة التي تعاني أصلا من النفوذ الطائفي والسياسي، فهذا العراق الجار الشمالي الآخر، يكاد يسقط في شرك الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة، والسبب الرئيسي هو إيران ورجالها من العراقيين، وعلى رأسهم (المالكي) الذي يريد ان يجدد لنفسه ولاية ثالثة وربما رابعة، وما الذي يمنعه ـ فمادام يخدم طموح إيران السياسي والطائفي في العراق والمنطقة فلا مانع لدى إيران ولو بقي لقرون.

فالمالكي وحكومته لا يختلف اثنان على سياستها الطائفية والإقصائية ضد سنة العراق، كما أن في عهده أصبح العراق وبحسب التقارير الدولية اكبر مستنقع للفساد المالي والإداري في العالم.

ولو انتقلنا إلى الحليف الآخر وربما الأخير لإيران في سورية، لوجدنا الوحش الطائفي والديكتاتوري بشار الأسد وحربه ضد كل شعبه بلا استثناء للأعراق أو الأجناس أو الاعمار، حرب إبادة شاملة ربما لم تشهدها البوسنة على أيدي الصرب، ولم يفعلها الأفارقة في حروبهم العرقية والسؤال: لماذا تتمسك إيران بالمالكي في العراق وبشار الأسد في سورية؟

الإجابة بكل وضوح أن أي تغيير سياسي في العراق وسورية سيحول العراق وسورية إلى دول عربية قوية وفاعلة، وبكل تأكيد ستكون ضد السياسات الطائفية والتوسعية الإيرانية، وستخلق حتما توازنا في المنطقة لن يكون في صالح إيران، ما يهمنا في الكويت هو مراقبة الأوضاع الإقليمية بحذر شديد وانعكاساتها على المجتمع الكويتي، وتهدئة الساحة السياسية المحلية حتى لا يدخل الأعداء بين الاخوة ليفسدوا بينهم.

فالشحن الطائفي عندنا هو الذي أثار هذا الصراع الإقليمي الحاد، وبكل تأكيد فأنا أؤيد «ديبلوماسية الصمت» التي تنتهجها الكويت مع الجوار الملتهب وعدم الرد على مهاترات إيرانية المعتادة ضد الخليج، وكذلك الموقف الكويتي المحايد في الازمة العراقية الداخلية، لأن الأمور ستمشي في الطريق الصحيح، فالانتخابات الإيرانية بعد أشهر وستسخن الساحة السياسية هناك، وقد يصيبها الربيع قريبا، والمالكي لاشك انه ينازع في العراق.

قريبا سيتبدل المشهد مع سقوط بشار في سورية، ويتمنى الإيرانيون والعراقيون لو تتورط دول الخليج العربي في صراع معهم لتنخلط الأوراق، وليتمكنوا من إعادة تماسك صفوف شعوبهم التي ملت من سياستهم.

محمد الوشيحي

دلدلة اللسان لإغاظة إيران

يقيني الثابت على أربع أرجل أن إيران لم تعد تصدّر الزعفران فقط، كما كانت أيام الشاه، بل أضافت إلى الزعفران مواد غذائية أخرى، كالخلايا التجسسية والأفكار الطائفية وما شابه من مستلزمات البقالة.
ويقيني الأكثر ثباتاً أن الإيراني بطبيعته أكثر إتقاناً للعمل من العربي (كل من على هذه الأرض أكثر إتقاناً للعمل من العربي، لا الإيراني وحده)، والأهم أن الإيراني روحاني بطبيعته، أي يمكن دفعه بسهولة إلى التهلكة لأسباب عقدية وطائفية، وعندما أقول التهلكة فأنا أقصد الموت الحقيقي، الذي لا تشوبه شائبة ولا تعيبه عائبة.
وأدعو دائماً إلى أن نضع أصبعنا على زناد المسدس إذا ما مرت إيران بالقرب منا، وفي حالة النوم يجب أن نكلف أحدنا بالبقاء متيقظاً فوق السطح، وأن نضع مسدساتنا في متناول أيدينا، وتحت مخداتنا إن نمنا… وفي رمضان أدعو إلى عدم تناول أي طبق يأتينا من إيران، حتى لو أبكانا زكاء رائحته، بما في ذلك "صحن التشريب" الذي نظمتُ فيه إلى الآن نحو خمس عشرة معلقة.
كل ذلك أؤمن به وأعتقده وأدعو إليه ويؤمن به آخرون كثر غيري ويعتقدونه، لكن هذا لا يعني أن نتعامل نحن العربان مع إيران كما نتعامل الآن بنظام دلدلة اللسان لإغاظتها، فيذهب رئيس أهم دولة من دولنا، فيترحم على أبي بكر وعمر وعثمان، بالإضافة إلى علي بالطبع، رضي الله عنهم جميعاً، ويكتفي بذلك ونكتفي معه، وشكر الله سعي الساعين! ولا يعني ذلك أيضاً أن نضرب رئيس إيران أحمدي نجادي وهو يمشي في حي "الحسين" في القاهرة بالحذاء، ثم نفسر الحادثة باعتبارها انتقاماً إلهياً لدماء شهداء الثورة السورية! هذا يدخل من ضمن باب "دلدلة اللسان"، في كتاب التعامل السياسي.
إغاظة إيران، أو تحديداً النظام الحاكم في إيران، تتطلب أموراً ليس من بينها دلدلة اللسان، ولا تحريك القبضة اليمنى على باطن الكف اليسرى. إغاظة النظام الحاكم في إيران يجب أن تسبقها وحدة خليجية أرى أن تناول صحن التشريب الإيراني أهون منها وأقرب. ولا أظن أن العربان يمكن أن يأمنوا جانب إيران قبل أن يأمنوا جانب حكامهم وقياداتهم.
وقبل أن نحارب المد الصفوي أو المد الفارسي أو حتى المد بالطاء المفتوحة، سمه ما شئت، وقبله المد الصهيوني، والمد الهندوراسي، وأي مد يخطر على بالك، أظن أن علينا قبل ذلك محاربة المد "الفسَدي" الذي ينتشر بيننا بفعل قياداتنا، وأن نسعى إلى قلب المعادلة، فيراعي حكامنا خواطرنا ويصطفون في طابور لإلقاء قصائد المديح فينا، وتهابنا حكوماتنا لا العكس، ويتلمس الوزير رقبته قبل أن يضع توقيعه على أي قرار، ووو، كما في الدول المحترمة، أما قبل ذلك فلا تحدثني عن أي مد، بما فيها مد البحر، وتعال معي نتناول الكستناء المشوية في هذا الجو البارد على أنغام موال "إذا أشوفك" للفنان المبدع ماجد المهندس.  

حسن العيسى

لو أقدر!

لو أقدر أن أنزع الأصفاد الحديدية التي كبلت قدمي طفلين عند مصعد في قصر العدل لصنعت منها قلادة عبودية تزين رقبة السيدة التي بعثت إلي برسالة إلكترونية تشجب ما كتبته، أمس الأول، عن جلسة محاكمة مسلم البراك، وما صاحبها من انتهاكات لمبدأ علنية الجلسات، وتختم رسالتها بأن الكويت عظيمة فيها حرية وديمقراطية… "ومو ناقصنا شي". صورة الطفلين المصفدين، وكأنهما سفاحان خطيران، تخبرنا عن جمال وروعة الحرية وحقوق الإنسان وحقوق الأطفال في بلد "مو ناقصنا شي والحمد لله".
لو أقدر، ويا ليتني، أملك صوراً كثيرة لراشد العنزي وعبدالحكيم الفضلي وغيرهما، وهم في السجون لمجرد أنهم عبروا عن آرائهم عفوياً عبر "تويتر" أو حرضوا على تظاهرات غير مرخصة، وافترضت جهة الادعاء على وجه اليقين أنهم ارتكبوا جرماً خطيراً بالمساس بسمو الأمير وسلطاته، وكأن أجهزة الأمن والتحقيق شقت قلوبهم وقرأت مقاصدهم مفترضة سوء النية.
ليتني أعلق صور هؤلاء المتهمين على حوائط غرف النوم فوق أسرتهم الدافئة الوثيرة وفي صالونات جلوس المؤلفة قلوبهم من مريدي بعض شيوخ أهل الأريحية النفطية والكرم الطائي، (كرم حاتمي من بيت المال وليس من جيوبهم الخاصة بطبيعة الحال)، لعل فرق المريدين من التبع، يدركون، ولو للحظة واحدة، أن هناك بشراً غيرهم، صودرت حرياتهم ومست كراماتهم أسابيع ممتدة وسنوات طويلة بسبب شبهات قلقة بجرائم الرأي، عل وعسى أن ينبض عرق صغير بوخز الضمير في معاصم لوردات ودوقات نظامنا الحاكم "كامل الأوصاف"، كما يرسمه فنانو البؤس بلوحات المريدين.
لو أقدر، أن أنقل لتبع النظام، الذين بينهم وبين الفكر والثقافة الإنسانية مسافات شاسعة، ليس لها من حدود، ولا لعمقها من قرار، أوضاع إخوانهم وأخواتهم البدون… كيف تحيا تلك الجماعات المنفية من الوجود القانوني والإنساني، وتناست السلطة ما قدمه كثير من  هؤلاء البدون أو آباؤهم وجدودهم للدولة عبر الخدمة في الجيش أو الشرطة، والأرواح الرخيصة التي بذلوها من أجل هذا الوطن. واليوم تطوى صفحتهم من الذاكرة الكويتية، وكأنهم غير موجودين، ويعلق مصيرهم على "احتمالات" صدقات أصحاب السيادة في مجلسهم، أي مجلس التابعين وحكومتهم المتبوعة ليوم الدين.
لو أقدر، أن أقرأ على جماهير الموالين بعضاً من النصوص القانونية التي غاب عنها عمداً التشريعات التي تنظم أوضاع الخدم الخصوصين، وتضع الحدود الدنيا لحقوقهم التائهة في إمبراطورية "مو ناقصنا شي".
لو أقدر أن أذكر بارونات الدولة بالقانون الذي يحظر على القضاء النظر في مسائل الجنسية ودور العبادة والإبعاد الإداري، أو القانون الآخر الذي يحظر منح غير المسلم الجنسية الكويتية حين شرع بالتواطؤ بين السلطة التنفيذية وجماعة الفرقة الناجية السياسية في مجلس ٨١، لربما أدرك المريدون أن غياب تلك التشريعات، أو فرض مثل هذا التشريع الأخير، يخرق ويقتل أبسط مبادئ حقوق الإنسان، تلك المبادئ المنسية في ديمقراطية المزاج الواحد ولا تداول للسلطة.
لو أقدر لكتبت الكثير عن مصيبة الدولة التي تحيا وتعشق فلسفة من "صادها عشى عياله"، وما أكثر الذين صادوا الملايين وعاش أولادهم وضمنوا البحبوحة لذريتهم من بعدهم وتناسوا وطنهم متغطرسين متعالين على الآخرين المحرومين… لكني لا أقدر، وليس لي غير أن أذكر، أن مصيبتنا ليست في هذه السلطة، وإنما في مستنقع ثقافة الخواء التي تتكاثر فيها فيروسات "مو ناقصنا شي".

احمد الصراف

أدوات النصب الثلاثية

يقول محمد الجذلاني، القاضي السابق في ديوان المظالم السعودي، «إن اللحية والثوب أمر ليس من الدين في شيء ولا صلة له بالتدين، لكنه بحكم العادات والتقاليد أصبح مُكملاً للتدين وقسيماً للحية والثوب، أي عدمُ لبس. العقال! ومتى اكتملت لدى الرجل هذه الأمور الثلاثة فهو أهلٌ لأن يزكيه إمامُ المسجد والداعيةُ والفقيه. وقال إنه لاحظ من خلال عمله في القضاء أن بعض المجرمين الذين يُتهمون بأبشع الفواحش والجرائم الأخلاقية والمالية يُفاجئون القاضي بعددٍ من التزكيات من بعض المشايخ، وأنه لا يعتقد أنهم استحقوها لولا مظهرهم المخادع. وقال إن من أكبر المساوئ التي يعاني منها المجتمع السعودي المتاجرة من قبل البعض بالتدين. وهي أن يكون الدينُ ومظهرُ التدين سُلّماً للتكسب وطلب المال، في الوقت ذاته الذي ينطوي فيه خبرُ صاحبه على أبشع الأخلاق وأسوأ القبائح التي لا يمكن أن تجتمع مع التدين الصحيح ولا مع الإيمان الصادق في قلب الرجل» انتهى.
نكتب ذلك بعد انتشار خبر الإفراج مؤخرا عن قاتل ابنته، التي لم تتجاوز الخامسة من العمر، بعد الحكم عليه بدفع ديتها، والاكتفاء بالفترة التي قضاها في السجن والتي لم تزد على سنة بكثير! وقد اعتمد القاضي في حكمه على حديث «لا يقاد الوالد بولده»، على الرغم من عدم الاتفاق عليه! وحيث انه هو الوالد، والخاسر من موتها، فالدية بالتالي قد تكون من حقه، وهذا ربما من سخريات تفكيرنا!
تقول حيثيات جريمة القتل التي هزت وجدان الكثيرين ان حارس المدرسة السابق، والمدن اللاحق، الذي تحول، بفضل مظهره الخارجي وطلاقة لسانه، الى داعية ديني شهير وضيف معروف ومطلوب على القنوات الفضائية، والدينية بالذات، أدين قبل أكثر من عام بقليل بجريمة تعذيب ابنته الصغيرة لشكّه، وهي التي لم تتجاوز السنوات الخمس، في سلوكها، أو عذريتها! وبين التقرير الطبي وجود آثار تعذيب غريبة عليها، تمثلت في إدخال اسلاك وعصي في جسدها، وحرق تلك الأماكن لإخفاء آثار الاعتداء. ونقل عن العاملين في المستشفى ان مؤخرة الطفلة تمزقت، وحاول من قام بذلك احراقها لكي يلتئم الجرح. وأكدت مصادر المستشفى ان الطفلة تعرضت للاغتصاب «في كل مكان». وقد توفيت، متأثرة باصابتها في اكتوبر الماضي. ومعروف أن الحكم على الآباء والازواج الذين يقتلون اطفالهم او زوجاتهم يكون بين خمس الى 12سنة سجنا على الاكثر. لا أود الاسترسال أكثر، فإنني أشعر حقا بالألم.

أحمد الصراف

سامي النصف

كالمستجير من الرمضاء بالنار!

في تونس وبعد وصول المعارضة للحكم، باتت بعض أطرافها متهمة بقتل المعارض البارز شكري بلعيد الذي لم يقتله ـ للعلم ـ نظام زين العابدين بن علي، وفي مصر أفتى أحد شيوخ الدين القريبين من إحدى الحركات السياسية المشاركة بالحكم بقتل زعماء المعارضة، وهي فتوى لم تصدر ابان حكم الرئيس حسني مبارك، وفي الكويت ذكر أحد ممثلي المعارضة أنهم سيصدرون، حال وصولهم للحكم، قانون «العزل السياسي» الذي سيتم من خلاله عزل وقمع وسجن، ولربما قتل معارضيهم، حيث ان التجربة تظهر أن قوانين العزل هي دائما المقدمة لطوفان الديكتاتوريات، ومنا لدعاة الحكومة الشعبية التي بدأت تظهر قمعيتها وهي خارج الحكم فما الذي سيحدث عندما تصل إليه؟! الارجح سنشهد أنهارا من الدماء واغتيالات وسجونا وبدء تكوين ظاهرة.. المهجرين الكويتيين في الخارج!

***

أكبر شعار ديكتاتوري شهده التاريخ وأتى ذكره في القرآن الكريم هو (ما أريكم إلا ما أرى) وهو شعار نراه مطبقا حرفيا لدى بعض القيادات السياسية المعارضة التي اعتزل بابا الفاتيكان ولم تعتزل، فإن قالت تلك الزعامات لا تعدلوا الدستور وجب على الجميع القول بصوت واحد «إلا الدستور»، وان غيرت رأيها وطالبت بتعديل الدستور لفرض الحكومة الشعبية ورفض أحكام المحكمة الدستورية.. إلخ، وجب على الأتباع والشباب منهم تحديدا القول بصوت واحد للقيادات الملهمة «الشور شورك يا يبّه، والراي رأيك يا يبّه»، فهل في هذه الممارسات أي ديموقراطية أو حرية رأي؟!

***

وقفنا مع تغيير نهج وقواعد العمل السياسي في الكويت لا مع تغيير الاشخاص، ومن ذلك رفضنا ورفض أغلب الشعب الكويتي معنا لقضايا الاستجوابات القائمة على «الشخصية» لا «القضية»، ومعها رفض نهج المطالب الشعبوية المدغدغة التي لا مثيل لها في تاريخ الأمم، لذا نتساءل عن مصلحة الكويت في تكرار وتطابق ما يحدث هذه الايام مع ما كان يحدث في السابق والذي رفضه ومجه الشعب الكويتي! وكيف يمكن لوم الآخرين على أمور يتم تكرارها اليوم؟ وكيف يمكن لمن يرفض أن يحاسب المجلس الحالي قبل أن يعطى الفرصة الكاملة للعمل وهو طلب محق، أن يحاسب الحكومة والوزراء قبل أن يمنحهم الفرصة الكاملة للعمل؟! نرجو أن نسمع أخبارا مفرحة عن سحب الاستجوابات وإعطاء الحكومة 6 أشهر «على الأقل» قبل المحاسبة لتعزيز الانجاز ودعم التنمية.

***

من قواعد اللعبة السياسية الخاطئة السابقة التي يؤمن بها بعض النواب السابقين وتسببت في مقاطعتهم للانتخابات الاخيرة الاعتقاد بأن من ربح الانتخابات عبر تحالفات الأربعة أصوات لن ينجح بدونها، وهو خطأ شائع فهناك من نواب المجلس المبطل الجدد من لو نزل ضمن نظام الصوت الواحد لنجح كون الحرمان من التحالفات مطبقا على الجميع وهي عملية نسبة وتناسب، ومن الممارسات الخاطئة القائمة في المجلس الحالي الاعتقاد بأن الناخبين لن يعيدوا انتخاب النائب إلا إذا ظهر لهم كل صباح عبر الاسئلة أو التصريحات أو الاستجوابات، والحقيقة أبعد من ذلك، فقد كانت هناك مجاميع من النواب يعاد انتخابها لحكمتها وصمتها وقلة حديثها أو ظهورها الاعلامي، وعملها الدؤوب في اللجان البرلمانية.

***

آخر محطة: (1) قضية يمكن حسابها بسهولة جدا.. الكويت أنجزت وتقدمت وأصبحت لديها ديموقراطية تحسد عليها من الآخرين عندما كان الفصل التشريعي المكون من أربع سنوات يمر دون استجواب واحد، حيث يبقى الوزير مدته كاملة ليخطط ويعمل ويبدع وينتج.

(2) الكويت تخلفت وتأخرت وأصبحت ديموقراطيتها القدوة السيئة التي تخوف بها الحكومات شعوبها عندما طغت الاستجوابات والسخونة السياسية على العمل الديموقراطي الكويتي وأصبح بقاء الحكومات والوزراء لا يزيد على أشهر قليلة.. للاخوة الافاضل في المجلس الذين دعمنا ومازلنا ولا نود أن يخيب الظن فيهم أن يقرروا أيا من المثالين السابقين سيقتدون به ويدخلون التاريخ من خلاله!

احمد الصراف

الحلقة المفرغة

هناك أحيانا وضع يؤدي تلقائيا لوضع أو فعل أو تصرف آخر، ليعود ويكرر نفسه في حلقة لا نهاية، ويحدث كل ذلك دون ان نشعر به. فلو افترضنا أن رئيس شركة كبيرة يقول لسكرتيرته إن عليها في الأسبوع المقبل أن تهيئ نفسها لمرافقته في رحلة راحة واستجمام، وأن تقوم باجراء ترتيبات الحجز، فانها ستقوم بالاتصال بزوجها لتخبره بأنها ستسافر في الأسبوع المقبل برفقة رئيسها في رحلة «عمل»، وان عليه الاهتمام بنفسه خلال فترة غيابها. وهنا يقوم الزوج بالاتصال بـ«صديقته» ليخبرها بأن «تجهز» نفسها لقضاء بعض الوقت معه، لأن زوجته ستكون غائبة في رحلة عمل. هنا تقوم هذه الصديقة، التي ربما تعمل مدرسة في مدرسة أطفال خاصة، وتخبر تلامذتها بأنها، وبسبب ظروف خاصة، سوف تتغيب عن المدرسة في الأسبوع المقبل وأن عليهم البقاء في البيت والدراسة. هنا يقوم أحدهم بالاتصال بجده ليذكره بوعده بأن يأخذه يوما لرحلة الى جبال المنطقة، وان مدرستهم سوف تتغيب عن المدرسة وهذه فرصة مناسبة ليقضوا بعض الوقت معا. وحيث أن الجد، الذي يعمل رئيسا لشركة كبيرة، كان ينتظر منذ فترة هذه الفرصة للاختلاء بحفيده الوحيد، ولكي يفي بوعده له، فقد قام بالاتصال بسكرتيرته ليقول لها إن حفيده طلب منه مرافقته للجبال، وان عليها الغاء كل ترتيبات سفرهم معا، لأنه وعده ويود أن يفي بوعده. وهنا تقوم السكرتيرة بالاتصال بزوجها لتخبره بقرار مديرها الغاء الرحلة وانها ستكون معه، ليقوم هذا باعلام صديقته بان زوجته سوف لن تسافر مع رئيسها، وبالتالي سوف لن يخلو لهما الجو ولا الوقت ليكونا معا، فتقوم هذه بأخبار تلامذتها بأنها «تغلبت» على «ظروفها الخاصة»، وانها سوف لن تغيب بالتالي عن المدرسة في الأسبوع المقبل، ليقوم أحد طلبتها بالاتصال بجده والاعتذار منه بأنه سوف لن يكون بمقدورهما الذهاب للجبل لأن المدرسة عادت وغيرت رأيها، وتغلبت على مشاكلها، وهنا يقوم الجد، رئيس الشركة، بالاتصال بسكرتيرته ليقول لها إن حفيده سوف لن يذهب معه الى الجبال القريبة، وان عليها اعادة اجراء حجز السفر لأنهما سيسافران معا…لتقوم السكرتيرة بالاتصال بزوجها لتخبره بأنها ستتغيب عن البيت لمرافقة رئيسها …….. وهكذا!!
الحياة ممتلئة بمثل هذه المواقف وتحدث لنا دائما، ليس بالضرورة بتلك الصورة، ولكننا غالبا لا نشعر بها، لأن من الصعب جدا معرفة ما يحدث بعد ان نتخذ قرارا ما، أو يكون بامكاننا تتبع تبعاته من حلقة لأخرى، فالبعض يزرع، ليأتي آخر ويحصد، وثالث ليعجن ويخبز، ورابع ليأكل مجانا ما سرقه من خبز، ولتسير الحياة بنا بوتيرتها سنة بعد اخرى وجيلا بعد آخر وقرناً بعد قرن، لنموت ويأتي غيرنا. ولكن في خضم كل ذلك لا نود ان نتعظ أو نتعلم، الا بعد أن يصبح الوقت متأخرا، وربما هذا هو سر جمال الحياة بكل حلاوتها وعذابها وخطاياها.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

القضاء

حاولت أن اتجنب الحديث عن القضاء خوفا من الوقوع في المحظور، غير أن ما حدث من تداعيات دراماتيكية في الاسبوع الماضي جعلني ادخل هذا الحقل الممتلئ بالالغام مستعينا بالله ومن ثم بحرصي على قول الحق. فالمعروف ان عددا من المغردين الشباب قد احيلوا إلى المحاكم بتهمة المساس بالذات الاميرية، وان كثيرا منهم صدرت ضدهم احكام قضائية بالسجن لسنوات عدة، وان دخولهم السجن بدأ منذ اول يوم احيلوا فيه إلى النيابة، حيث تم التجديد لهم بالسجن إلى ان احيلوا إلى المحكمة التي قضت بسجنهم! وقد قدم محاموهم طلب الاستئناف ولم تحدد لهم جلسة الا بعد اسابيع عدة! حتى الآن الامور تكاد تكون طبيعية لولا احداث الاسبوع الماضي عندما صدرت احكام بسجن النواب ثلاث سنوات مع النفاذ! والتي في ضوئها ثار الشارع السياسي وتحركت المعارضة بعنف وتداعت القبائل والعوائل ففوجئنا بأمرين: الاول عدم تنفيذ الحكم بالنفاذ، حيث ظل النواب في دواوينهم ينتظرون سيارات الشرطة، ولكنها لم تأت! الامر الثاني انه تم تحديد جلسة الاستئناف بعد اقل من اسبوع من صدور حكم اول درجة! ومع اننا فرحنا لهذه الاجراءات الا ان السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تأثر القضاء بحالة الشارع السياسي والضغط الشعبي؟ لماذا لم يتعامل القضاء مع قضايا المغردين بالروحية نفسها؟ لماذا «يخيس» المغرد بالسجن اسابيع واشهرا قبل ان تحدد له جلسة استئناف؟
***
• في المجالس السابقة كان النواب فيهم الصادق وفيهم غير ذلك، وكان فيهم المخلص وفيهم غير ذلك، وهكذا. لكنهم، جميعهم، يحترمون انفسهم، ويحترمون مشاعر الآخرين من الذين انتخبوهم، غير ان هذا المجلس – بو صوت واحد – كل يوم يثبت الوقت انه مجلس غير. فالسمعة السيئة أصبحت لازمة له، وهي الصفة التي اطلقها تسعة من اكبر القضاة بالكويت على عدد منهم. ولعل آخر ما سمعناه وشاهدناه يؤكد التصاق هذه الصفة بعدد منهم، فقد نشرت احدى الصحف صورة لنائبتين تتشمتان من حكم بالسجن صدر في حق زملاء سابقين لهما، ولما استنكر الناس ذلك عليهما خرجتا في مؤتمر صحفي ونفتا انهما كانتا تشمتان! وبررتا تلك الاشارة بانها فرحة بوصول الحفيد الثالث لكلتيهما! وطبعا قال شلون عرفت انها كذبة قال من كبرها، حيث تبين بعد ذلك ان احداهما ليس لها احفاد!
الغريب ان هذه النائبة قالت في تصريحها، الذي كذبت فيه على الشعب، إنها ترجو من الصحيفة ان تتحرى الصدق قبل ان «تتبلى» على خلق الله! وتذكرت فجأة ادعاءها عني انني اخذت مناقصة من وزارة الدفاع بمائة وعشرين مليون دينار وعندما طالبتها بالدليل لاذت بالصمت! فياليتها تبطل «تتبلى» على خلق الله اذا ارادت من الآخرين انهم ما يتبلون عليها.

محمد الوشيحي

المعارضة وعطورات قرشي

الوضع السياسي الآن تجاوز مرحلة كسر العظم، بعد أن تجاوز قبل ذلك مرحلة عض الأصابع، ووصل إلى المرحلة الأخطر، مرحلة حز الرقبة وتقطيع الأوصال… ونظرة واحدة على عدد القضايا المرفوعة وأسماء المتهمين تكفي وتفيض.
وتغضب "المندهشة" كما أسمت نفسها في تويتر، الزميلة عواطف العلوي في مقالة لها، وتغلف غضبها بالورود، وتضع إلى جانب الورود كرتاً وردياً تكتب عليه "عتاب محب" وترسل البوكيه بما فيه إلى المعارضة، وتحديداً إلى مسلم البراك وجمعان الحربش، على إثر تصريحاتهما بخصوص النقابات وجمعيات النفع العام، وإعلانهما الوقوف "مع" من يرفض هذا الوضع، و"ضد" من يسكت ويطنش ويردد "لابوهم لابو قطّاش" كما في أمثالنا، أو "خلّي هالزير بهالبير" كما في المثل اللبناني.
ويؤسفني أن أقول للزميلة المندهشة، التي بدت مكتئبة، إنني ومجموعة من الأصدقاء، وما أكثرهم، نستخدم هذه الطريقة في تعاملنا مع نواب مجلس الأمة: "إذا سكتّ يا فلان عن هذا الفساد فسنقف ضدك في الانتخابات المقبلة، وإن حاربت الفساد فسندعمك"، وكذلك يفعل الأميركان مع مرشحي الرئاسة والبرلمان وبقية قيادييهم، وكذا يفعل اليابانيون، والبريطانيون، والفرنسيون، والعجمان، والهنود الحمر، والأكراد، وآكلو الجبنة البيضاء، وأشقاؤهم آكلو الجبنة الصفراء، وغيرهم من سكان هذا الكوكب المعطاء… كل من على هذه الأرض يستخدم هذا الأسلوب "سندعمك إن فعلت كذا ونحاربك إن لم تفعل"، ولا أدري ما هو الغريب في الأمر، أو المدهش في الأمر أيتها المندهشة الرائعة… صدقيني لن نرحب بمن يسكت عن الفساد ونقدم له التمر والدلة الشاذلية، بل سنرجمه انتقاداً بسبع جمرات كبار.
وسأفتح كتب التاريخ على صفحات الفيلسوف الفرنسي العظيم "سارتر"، الذي قاد حملة المطالبة بمنح الجزائر استقلالها، ودفع ثمن ذلك، أو بالأحرى أثمان ذلك، وكان يهاجم الأدباء والفلاسفة الفرنسيين الذين لم يتخذوا موقفاً مماثلاً، ويتهمهم بأنهم أقرب إلى الشياطين منهم إلى البشر، وأنهم غير أسوياء، وإلا فكيف يسكتون عن استعباد الشعوب الضعيفة، ويرى بأن الفنان الذي لا يرفض احتلال فرنسا للجزائر أحقر من أن يكون إنساناً… وغير ذلك من مصطلحات أطلقها أثناء حملته تلك، مستنداً إلى شعبيته الجارفة في الانتصار للحق، ولن أغوص في تفاصيل حرق منزله ومكتبته فليست هذه قضيتنا.
والأمر لا يقتصر فقط على السياسيين، أقصد التهديد بالمحاسبة، بل ينسحب على الكثير غيرهم، ومنهم تهديد الناس بمقاطعة شركة فلان إن هو أفسد أو أساء، وتأييدهم ودعمهم لشركة فلان لنصرته في موضوع معين، وهكذا.
وتعلمين أيتها الزميلة يقيناً، وأقسم إنك تقسمين على أن البراك والحربش لا يملكان فصل موظف من عمله كما تملك الحكومة وتفعل، لكن يمكنهما إسقاط، أو السعي إلى إسقاط عضو هذه النقابة أو رئيس تلك الجمعية، عبر صناديق الانتخابات وجموع مؤيديهما، فأين الخلل؟
على أنني وغيري نحتمل كل كلمة انتقاد للحراك، بل وندعو إلى ذلك، وياه ياه ياه لو استمعتِ يا عواطف إلى نقاشاتنا و"خناقاتنا" واختلافاتنا مع بعضنا البعض، قبل أن نلتقط صورة جماعية باسمة تنشرها الصحافة والفضائيات، وهذا ما كنت أتمناه منكِ. أقصد "النقد داخل أسوار المنزل، بعيداً عن مرأى الجيران المتربصين ومسمعهم". أقول "أتمنى" ولم أقل "لا يحق لك".
والبراك والحربش يقدرهما الناس ويصدقونهما، ليس لعذوبة صوتيهما في الحفلات، ولا لملابسهما الفاخرة، ولا لجسديهما الرياضيين، ولا ولا ولا، بل جل التقدير كان لتكرار سقوط "غترتيهما" في الساحات والميادين، وتحملهما وغيرهما تعسف السلطة، وثباتهما أمام وحشيتها وبطشها. وأظن أنهما يدركان قبل خروجهما المتكرر للساحات والميادين أنهما ليسا في جولة في معارض العطورات بين جناحي "قرشي" و"سيد جنيد"، بل هما متيقنان بأن "العطورات المسيلة للدموع" والرصاص المطاطي في انتظارهما… لذا تحتاج المعارضة إلى "رماة نبل" لحماية ظهرها وتأمين الجبل، ورماة النبل هم أعضاء الجمعيات والنقابات.
وأجزم أن تكاتف الناس أزكى رائحة من العطورات الشرقية والغربية، ومن بوكيه الورود الذي غلّف عتابك المحب للمعارضة.

حسن العيسى

حدث اليوم

  كوني محامياً فقد وكلت من النائب السابق مسلم البراك في الجناية المتهم فيها موكلي بالإساءة إلى الذات الأميرية بأنه "طعن علناً وفي مكان عام عن طريق القول في حقوق الأمير وسلطته وعاب في ذاته وتطاول على مسند الإمارة… إلخ".
حضرت قبل أسبوعين الجلسة الأولى بالنسبة إلي، وقد سبقتها عدة جلسات حضرها عن مسلم محامون زملاء، طلبنا من المحكمة في تلك الجلسة "نحن المحامين الذين وكلنا حديثا بالقضية" أجلاً للتحضير للدفاع، وأجابت المحكمة طلبنا بأن قررت تأجيل الجلسة أسبوعين، بينما كنا نتمنى أن تزيد تلك الفترة تحقيقاً لحق الدفاع المقدس وترسيخاً للعدالة، بعد انتهاء الجلسة سمعنا "شيلات" حماسية تشدّ من أزر مسلم، وتعبّر عن مكانة البراك في قلوب هؤلاء، كانت تعبيراً عفوياً بسيطاً مسالماً، لم تتدخل في سير العدالة ولم تشوش على عمل المحكمة، فقد كانت الجلسة مرفوعة (منتهية).
  "شيلات" أي إطلاق أناشيد الحماس من أجل مسلم هي مجرد تعبير بسيط مسالم عن رأي أصحابها، كانوا يمارسون حقهم الأصيل في "التنفيس" عن مشاعر سخط وحزن ممزوجة بحماس إنساني لما يعصف بالدولة في أيامنا السوداء هذه.
  يبدو أن مثل تلك "الشيلات" الحماسية لم ترق للكثيرين الراضعين من ثدي بركة السلطة الحاكمة، فصوروا الأمر لأصحاب السلطان، بأن ما حدث في قاعة المحكمة بجلسة مسلم البراك في ذلك اليوم هو فوضى، وعدم احترام للسلطة القضائية وإخلال لحكم القانون، مع أنه (حجاب البيت الحاكم) يفترض أنهم آخر من يتكلم عن احترام حكم القانون!
أمس ذهبت إلى قصر العدل في الموعد المحدد، وكان القصر مسيجاً بأعمدة من حديد المانع من دخول الجمهور، ووقف رجال الأمن محيطين بالبوابات، يدققون بهويات الداخلين إلى الدور الرابع الذي تعقد فيه جلسة محاكمة مسلم البراك… لم أشعر بأني في قصر العدل إنما في ثكنة عسكرية مرعبة… انتظرت مع زملائي المحامين طويلاً خارج القاعة حتى يجلس القضاء في القاعة، وحين تم ذلك، بدأ عسكري ينادي على أسماء المحامين ليسمح لهم بالدخول في محاكمة يفترض أن تكون علنية تشرع فيها أبواب القاعة للجمهور، وبغير هذا، أقصد علنية الجلسة، فلا يوجد أي معنى للعدالة ولا لحكم القانون.
حين فتحت القاعة أبوابها، كأن أبواب جهنم قد شرعت لمن أراد الدخول، ومعظم المنتظرين كانوا من المحامين، فقد منعت الشرطة أصحاب الدفاع من الدخول بأمر مَن… لا أدري! وأخذ شرطي ينادي على أسماء المحامين واحداً تلو الآخر بصوت مبحوح اختلط  وضاع مع صرخات المحامين المحتجين على غلق أبواب القاعة، ومصادرة حق المتهم في الدفاع بجلسة علنية، كان تزاحم المحامين على الباب الضيق المغلق عن ولوج العدالة، مثيراً للغضب بقدر ما كان مشهداً من مسرحية هزلية لم يكن من الجائز عرضها في ذلك المكان… تركت القاعة، لم أنتظر أن أسمع اسمي ينادى عليّ وكأني متسول يطرق الباب منتظراً صدقة عابرة من أصحاب البيت الموصدة أبوابه.
 عدت إلى مكتبي، جلست على الكرسي، فتحت كتاب "في الثورة" لحنة أرندت، وقعت عيني على فقرة تشرح الكاتبة راي مونتيسكو حول مبدأ الفصل بين السلطات، وتكتب "… إن الاكتشاف الذي تحتويه جملة واحدة فقط يطرح المبدأ المنسي الذي يحدد هيكل السلطات المنفصلة عن بعضها، وهو المبدأ الذي يقول إن السلطة توقف السلطة…". ثم في فقرة أخرى تقول "… إن القوانين تواجه دائما خطر إلغائها من قبل سلطة الكثرة، أما في حال النزاع بين السلطة والقانون فيندر أن يكون القانون فائزاً…"! لنسأل أنفسنا اليوم عن الفائز في صراع الشرعية مع السلطة!