حسن العيسى

مثقف السلطان ومثقف الغلبان

عندما أسمع اسم جهاد الخازن (الكاتب اليومي بجريدة  الحياة) يقفز إلى ذهني تلقائياً ومن دون تفكير مسبق اسم الراحل الكبير إدوارد سعيد، تلقائية الارتباط "الشرطي" (كما في تجربة العالم بافلوف والكلب الذي يسيل لعابه كلما دق الجرس) أساسها، وجوهر كتابات الراحل إدوارد سعيد عن مفهوم المثقف الحقيقي، الذي يضع دائماً مسافة بينه وبين السلطة، هو ذلك المثقف "العضوي" ( تعبير غرامشي) الذي يحمل هموم البائسين وقضايا الشعوب ويرفض الظلم، وقد يدفع ثمناً غالياً في حريته وفي مصدر رزقه كالكتابة، بينما "مثقف السلطان" هو مجرد كاتب أجير لدى السلطة، كتاباته لها ثمن، وفكره مجرد سلعة رخيصة تباع وتشترى في أسواق الجهل المظلمة.
  مثقف السلطة، له دراية وثقافة، لكنه لا يوظفها من أجل البائسين ومن أجل حريات  وحقوق المسحوقين من قبل السلطات الحاكمة، إنما يستغل ثقافة البؤس وسلاسة الكلمة من أجل "تزويق" عرش السلطان، هو يمارس دائماً، وحسب الطلب، عملية تجميل للوجه البشع للاستبداد بمشرط القلم. حين يقوم بذلك، فهو يؤدي دوراً مهماً من أدوار "وعاظ السلاطين" كما كتب عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، حين يباشر هذا الواعظ  الأجير واجبه كما يطلب منه السيد المالك شاريا قلمه وفكره بثمن معلوم، يؤدي هذا المثقف الأجير وظيفة وزارة الإعلام التي ابتلينا فيها بعالم النكد العربي، ويقوم مثقف السلطة بمهمة الإعلان والدعاية لهذا النظام أو ذاك، ويغطي فضائح الأنظمة بستار معلومات كاذبة، يروج لها، ويهلل من أجلها، ويضع السم في الدسم، فالكلمات والحكمة  المطلوبة لها ثمن، كما أخبرنا بريخت في مسرحية "مؤتمر غاسلي العقول"، وهو بهذا يقوم بأكبر عملية تضليل لوعي الناس، حين يطلو اللون الأسود لشكل النظام بألوان جميلة جذابة مثيرة تحجب الحقيقة عن عيون الجهلاء وأنصاف المثقفين.
العمل الذي يؤديه مثقف السلطة هو تزوير للحقيقة وتدليس في التاريخ، وتاريخنا العربي- الإسلامي يشهد بالمثقفين من النوعين، الرديء وعالي الجودة، كاتب السلطان وكاتب الشعوب، خسرنا إدوارد سعيد وابتلينا بالكثيرين من كتبة السلاطين.
لن أرد على ما كتبه الأستاذ جهاد الخازن بحق المعارضة في الكويت أو البحرين، ولن أصنفه في أي فئة كانت، فهذا أتركه لحكم القارئ الواعي، وأعتقد أن ما كتبه عبدالله النيباري في قبس الأربعاء كافٍ.

احمد الصراف

خلود خلود

يشغل موضوع الخلود بال الكثيرين، سواء كانوا ملوكا، أباطرة، فاحشي الثراء أو بشراً عاديين. ولم يتغير الوضع منذ آلاف السنين، وما نجده من معتقدات وفرق دينية روحية ما كانت لتوجد لولا ما لمسته من رغبة لدى البشر في الخلود في هذه الدنيا أو ما بعدها. وما تركه قدماء المصريين من آثار ومومياء يؤكد ذلك، فالمصريون أكثر من اهتم بالتحضير للحياة الأخرى، أو العودة للحياة نفسها، بصورة أو بأخرى، ولذلك نجح «بطاركتهم» أو رجال الدين في إقناع الفرعون بأنه سيعود للحياة مرة أخرى متى ما تم تحنيطه بطريقة محددة، وعندما يعود للحياة سيكون بحاجة لأشياء كثيرة، وبالتالي دفنوا معه كميات من الذهب والمجوهرات والطعام. كما أن البحث عن «ينبوع الحياة» أو مياه الخلود لم يتوقف يوما، وأنتجت هوليوود أفلاما وكتبت قصصا تتعلق بأساطير الخلود، وللعلم رأيه في كل هذا، فالجسم البشري معرّض، مثله مثل جسم أي حيوان أو نبات، للتآكل الداخلي والخارجي، وأن من الصعب على أحد أن يعمر لأكثر من 125 عاما، في أفضل الأحوال، ولا يعني ذلك أنه ليس بالإمكان إطالة العمر لسنين عديدة أخرى، ولكن لا أحد حتى الآن يودّ دفع التكلفة الجسدية والنفسية لمثل هذا الأمر، الذي يتطلب الاستعداد له منذ الطفولة تقريبا! وبالتالي المسألة تتعلق بالكيفية وليس بالكمية، فما الفائدة من العيش طويلا ضمن نظام غذائي ومعيشي بائس؟ وحيث إنه لا أحد يعرف متى سيموت، فمن المهم بالتالي أن نجعل شيخوختنا جميلة، وهذا يتطلب جهدا اقل بكثير من الجهد المطلوب لإطالة العمر، وهنا يجب أن نقوم بتحسين مستوى معيشتنا وجعلها أكثر فائدة وسعادة، ولا يمكن أن نحقق ذلك بغير التوقف فورا عن «إقناع» أنفسنا، والآخرين، بأننا كبرنا، فليس هناك أسوأ من الاقتناع بهذا الأمر. ولا يعني ذلك أننا يجب أن نتصرف كالأطفال أو الشباب، بل أن نستمر في العيش كأننا في مقتبل العمر، وأن نكون نشطاء، ونقبل على تعلم شيء جديد كل يوم، والتعرف على الغير والسفر. وقد قمت شخصيا، وبعد أن تجاوزت الستين بسنوات عدة، بسحب اعترافي بـ«الكبر»، وسرعان ما لمست الفرق، حيث أصبحت أكثر قدرة على القيام بأمور لم أكن أتخيل أن بإمكاني القيام بها من قبل، حيث أصبحت أقطع في اليوم الواحد ما يقارب الـ11كم سيرا، وهذا ما لم يكن باستطاعتي القيام به قبل 20 عاما، وربما أكثر. كما يجب أن نهتم بصحتنا، إن أردنا منها أن تهتم بنا، فالموت غالبا لا يأتي فجأة، بل بتدرّج، والمرحلة السابقة للموت هي الأصعب، إن كنا من قليلي الاهتمام بصحتنا، حيث إن انعدام الرياضة في حياتنا، والسمنة المفرطة، وقلة الحركة، وعدم تناول الجيد من الطعام، سيكون له تأثير سلبي رهيب في السنوات القليلة السابقة للوفاة. كما أن الحياة المادية التي نعيشها، سواء أردنا أم لم نرد، تفرض علينا الاهتمام بتنمية ما نمتلك من مال، ليس بتكديسه، بل بتجنب السفاهة في صرفه بحجة أن الدنيا زائلة! وبالتالي يجب الصرف بحكمة على الجيد من الطعام والشراب، وأن نستخدم المال في كسب الأصدقاء والتمتع بنوم سليم، وبدرجة معقولة من النظافة، وكل هذه الأمور تحتاج للمال، حتى الاحتفاظ بعلاقات عائلية سليمة يتطلب الشيء ذاته، هذا غير ما يتطلبه العلاج والدواء. كما من الضروري لصحتنا النفسية نسيان أحقادنا وعداواتنا! ولفت نظري ما كتبه النائب نبيل الفضل من أن بينه وبين الصديق الآخر سامي النصف خلافا قديما، ولكنه نسي سببه. وقد ذكّرني ذلك بنفسي وبمن أختلف معهم، وحاولت أن أتذكر الإساءة أو الخطأ الذي اقترفه هؤلاء بحقي، والذي دفعني لمعاداتهم فلم أتذكر شيئا، فقمت بالاتصال باثنين منهم، مباركا وسائلا عن صحتهما! وأخيرا يجب أن ننسى فكرة الموت، فهو آت، فلمَ الانشغال به؟ فالبعض يكرهون الصيف ويحبون الفصل المعاكس له، وآخرون يكرهون الشتاء ويتجنبونه، وينتظرون الصيف بفارغ الصبر، ولو انشغل كل طرف بالشكوى مما سيأتي به الفصل التالي، فلن يهنأ بالفصل الذي هو فيه.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com