محمد الوشيحي

أتاتورك والبرتقالة الزرقاء (2)

"قشوريون" نحن، هذا ما كنت أعرفه سابقاً، لكن الجديد أننا "مازوخيون"، نعشق من عذبنا واحتل بلادنا واستعبدنا وامتهن كراماتنا وقادنا من آذاننا إلى التخلف المبين، ونكره من رفض احتلال بلداننا، وتركنا وشأننا. أتحدث هنا عن الدولة العثمانية والجمهورية التركية "الأتاتوركية".
قشوريون نحن لأننا على استعداد لتمجيد من يدعي رفع شعار الإسلام، حتى وإن كان حكمه يخالف مبادئ الإسلام، وحتى وإن كان "الخازوق" أداته في الإقناع والنقاش، كالخلافة العثمانية، التي بلغ التخلف والجهل في دولنا أثناء وجودها مرحلة "الجاهلية الثانية"… وكان السلاطين العثمانيون يتوارثون الشعوب والبلدان بخيراتها، وترتبط مصائر الناس وأقدارهم بمصير حاكم لم يختاروه ولن يشاركوه القرار، وهنا كانت شعلة الانقلاب الأتاتوركي وسببها "لسنا عبيداً".
عن نفسي، لن أزوج أتاتورك ابنتي، لأسباب أهمها أنه توفي، لذا لن أبحث في ملفات حياته الشخصية ولن أقلّب أوراق سهراته وحبه للباليه والفنون المسرحية والنحت والرسم والغناء ووو، بل سأمد منظاري المكبر إلى حيث طريقته في قيادة بلاده، وحروبه دفاعاً عنها، وأركز على التطور والتخلف والعدل والظلم، وهل لمؤسسات الدولة وقوانينها هيبة تُحترم أم تُنهتك، وما شابه.
على أن أكثر تهمة تعرض لها أتاتورك من قبل كارهيه هي "إسقاط الخلافة العثمانية" التي هي حصن المسلمين، واستبدالها بجمهورية علمانية، وكأن الإسلام كان مطبقاً في عهود سلاطين بني عثمان، الذي يحمل كل منهم لقب "ظل الله في الأرض" ويعاملون كأنصاف آلهة لا تجوز مناقشتهم، دع عنك محاسبتهم.
وحكاية "الدولة الإسلامية" مثيرة للشفقة وللكحة، خصوصاً عندما أتذكر ما فعله "أبو العباس السفاح" بقبور الخلفاء الأمويين، التي نبشها وأحرق جثامينها، وكل ذلك طبعاً دفاعاً عن الدين، وتعزيزاً للدين، كما ادعى… وقبل ذلك نشأت الدولة الأموية بالحرب على أحد أهم الصحابة، وهو علي بن أبي طالب، وأريقت دماء بعض الصحابة في عهد الدولة الأموية، الإسلامية جداً، وتوارث الحكم بعض الفسقة الماجنين…
وبالطبع الأمر ينسحب على كل "دولة دينية" لا إسلامية فحسب، وأرجو ألا تقول لي إن اليابان ترفع شعار الدولة الدينية ولهذا وصلت إلى ما وصلت إليه، وألا تقنعني أن قيادات فنلندا وهولندا واستراليا وبقية دول الصدارة العالمية يتبعون الأجندات الدينية في قيادة بلدانهم، وسأعتب عليك إن قارنت العدل في أيٍّ من الدول هذه بدولة ترفع شعار الدين، وسأبكي حزناً عليك إن قلت لي إن شعب النمسا يتسابق لتقبيل أيادي أبناء قيادييهم وأكتافهم، كما يحدث في بعض الدول التي ترفع شعار الإسلام، وسأبتاع رشاشاً سريع الطلقات، وسأكمن لك في الطريق، إن ذكرت لي أن الإسلام يسمح بذلك، ويسمح بأن يتولى شؤونك أشقاء الحاكم وأبناؤه وأقرباؤه، ويحق لهم تكوين الثروات الهائلة، وأنت ترزح تحت القهر الصامت، وأن يتوارثوك كما يتوارثون أثاث قصورهم، فلا فرق بينك وبين "البطانية"… ويؤسفني أن أقول لهؤلاء القشوريين إن العدل واحترام الشعوب اختفى بعد عهد "الخلفاء الراشدين" وعهد عمر بن عبدالعزيز، وقيل إنه (العدل) مات وقيل بل عثرت عليه قافلة كانت في طريقها من اليمن إلى اليابان.
وأرجوك اقترب لأهمس في أذنك: "الإسرائيليون حاكموا رئيسهم لحصوله على تذكرتين مجانيتين (لاحظ التهمة)". وسأقترب منك لتهمس في أذني عن أي رواية تتحدث عن محاسبة سلطان عثماني قتل آلافاً (لم أقل حصل على تذكرتين) من المسلمين الرافضين لاحتلاله بلادهم.
وأظنك مثلي واثق بأن الرؤساء الأوروبيين لن يمنحوك أراضي الدولة كهبة بعد أن تنظم فيهم قصيدة مديح، حتى لو أرادوا ذلك، للأسف الشديد، لكن مثلك يعذر ويقدر الظروف، فهم لا يملكون ذلك ولا يستطيعون، كما يملك ويستطيع سلاطين بني عثمان وأبناؤهم وبعض الحكام المسلمين الرافعين لشعار "الدولة الإسلامية".
وللحديث بقية تجر خلفها بقايا، للرد على القشوريين…

احمد الصراف

المرأة والمؤسسة

يقول المثل الفرنسي «إذا أردت أن تعرف رقي أمة، فانظر إلى نسائها»! وهذا صحيح ودقيق بالفعل، ولا داعي هنا لأن نطلب من أحد أن يسرح بخياله وينظر إلى حال نساء المسلمين اليوم في دول مثل مصر وإيران وإفغانستان وباكستان وتونس وليبيا ومالي، التي بكت نساؤها فرحا في الشوارع بعد أن نجح الفرنسيون في التخلّص من الأوباش الذين تحكموا بدولتهم! لا شك أن نسبة التعليم ارتفعت بين نساء هذه الدول، ولكنهن عدن، وفي السنوات الثلاثين الأخيرة، وبنسب كبيرة، باختيارهن أو بإرادة الرجل، إلى الوراء لباسا وفهما وعقلا ودورا في الحياة.

***
من حق الكويت أن تفتخر بأنها ربما تكون الدولة العربية الوحيدة التي قامت بإصدار قانون يجبر الشركات المساهمة على دفع نسبة مئوية من أرباحها لصندوق «مؤسسة الكويت للتقدم العلمي»، التي سبق أن أنشئت عام 1976 كمؤسسة نفع عام، والتي دخلت مرحلة جديدة ومبشرة بالخير باختيار مديرها العام الجديد.
تتلخص أهداف المؤسسة في دعم التطور العلمي والتكنولوجي عن طريق الدعم المادي للأبحاث، واستخدام نظام الجوائز كوسيلة لتشجيع البحث العلمي، وإقامة المؤتمرات العلمية، ونشر الوعي العلمي، والمساهمة في نشر الكتب والمجلات والموسوعات. ومن واقع أهداف المؤسسة نرى أن ما يتم صرفه على هذه الأنشطة قليل، أو لا يقارَن بما يردها من مبالغ من الشركات المساهمة، سنة بعد أخرى، وبالتالي لم يكن قرار تخفيض نسبة المساهمة إلى النصف تقريبا أمرا غريبا، وهنا نجد من المهم أن تبحث المؤسسة عن أساليب جديدة للاستفادة مما تحت يدها من مبالغ طائلة، وخاصة مع إدارتها المستنيرة والجديدة نسبيا.
ولو نظرنا لواقعنا في الكويت لوجدنا أننا نقع بجدارة ضمن الدول المتخلفة، وهذا لا جدال فيه، ومن هنا ربما جاءت فكرة إنشاء مثل هذه المؤسسة. وأسباب هذا التخلف معروفة، وغالبيتها متراكمة، ولكنها تتركز بنظري في تخلف المصنع الأساسي للتقدم، الذي يحمل الانسان لفترة ويلده ويربيه ويعلمه ويوجهه، فإن كان المصنع متخلفا في طريقة تفكيره وإدارته، جاءت مخرجاته متخلفة، وسيحدث ذلك مهما طورنا من البيئة المحيطة بالمصنع وزودناه مثلا بإنارة أفضل وطرق أكثر اتساعا، وأرصفة أجمل وحتى لو حسّنّا من الطقس فوقه، فمخرجاته سوف تبقى سيئة، ونقصد بالمصنع هنا المرأة الأم، الأخت والزوجة. فمن دون امرأة متقدمة لا يمكن تحقيق أي تقدم في أي مجال ولو صرفنا المليارات. ومن هنا نتمنى على مجلس أمناء المؤسسة توجيه جزء من أموالها لمساعدة الجمعيات النسائية والجمعيات المهتمة برفع مستوى المرأة وتثقيفها وزيادة وعيها، فلا يمكن تحقيق أي تقدم نوعي مهما صرفنا على الأبحاث والمؤتمرات ونشرنا من كتب إن كانت المرأة في بلداننا بمثل ما هي عليه الآن من تخلف، وما تتعرّض له من ظلم وتفرقة في المعاملة، وأرجو ألا يأتي من يعلق ويقول إن وضعها غير ذلك!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com