بشار الصايغ

قبل أن تسكبوا دموع التماسيح .. تذكروا!

قيل الكثير اليوم بشأن طلب رئيس الوزراء بالغاء محاور استجوابه المقدم من النائب رياض العدساني، وموقف النواب من التصويت على الطلب بالموافقه، وطبعا في مثل تلك المواقف الخلافية تفتح أبواب التشكيك والطعن والتخوين .. وأيضا التمثيل.

ومن أكثر الأسئلة التي وجهت لي اليوم عبر “تويتر” هو سؤال “ما رأيك بموقف راكان من شطب الاستجواب”، وأهمية هذا السؤال بالنسبة لكثير من السائلين ليس الإجابة بقدر ما محاولة استعراض قوة باحراجي أمام المتابعين ..

على العموم، رأيي أن ما حدث في جلسة اليوم سابقة برلمانية، تضاف الى سوابق أخرى مثل الإحالة الى اللجنة التشريعية البرلمانية أو المحكمة الدستورية أو التأجيل لمدة طويله، وجميع تلك السوابق حدثت في مجالس مختلفة التركيب سياسيا، وفي كل سابقة كانت هناك تبريرات وكانت هناك مواقف مختلفة.

مع بداية التصويت ونهايته، تحدثت مع أكثر من صديق وعبرت له عن مدى الاستياء من طلب رئيس الوزراء حذف محاور، واستيائي الأكبر من مواقف النواب بما فيهما راكان وفيصل الشايع، وكان هناك من هو مؤيد لرأيي، ومن هو مخالف له ويدافع عما حصل بحجج دستورية وقانونية وسياسية كذلك.

ولم يتغير موقفي هذا، إلا أنني آثرت الانتظار قبل الحديث عنه حتى تهدأ عاصفة الشتائم، وحتى لا أكون متأثرا بأقاويل التخوين والتشكيك، و”الإرهاب الالكتروني”، وحتى أعطي نفسي وقتا كافيا من النقاش والاستماع الى الآراء المختلفة، وقراءة آراء الآخرين لتكوين صورة نهائية حول قضية التصويت على دستورية الاستجواب من عدمها.

كثيرة تلك الآراء التي سمعتها مدافعة عن موقف النواب، ولم تقنعني، ولن تقنعني، إلا أن حديثا مع أحد الإخوة الأفاضل كان له أثرا كبيرا .. لم يغير موقفي ولكنه جعلني أعيد التفكير من جديد من القضية بصورة أكثر وضوحا ..

يقول لي هذا الشخص، أن سوابق الإحالة الى اللجنة التشريعية والمحكمة الدستورية حدثت خلال رئاسة سمو الشيخ ناصر المحمد وفي مجلس 2009 تحديدا، وحينها كان الموقف يتطلب منا رفض الإحالة الى التشريعية أو “الدستورية” كون أن تلك الطلبات شكلت سوابق في غياب أي نص دستوري أو لائحي يوضح كيفية التعامل مع الاستجوابات التي يرى فيها الوزير المستجوب شبهة دستورية.

وبالتالي، فأن صعود الوزير أو الرئيس المستجوب للمنصة، حتى وأن رأى في الاستجواب شبهات واجب ومطلب على أن يترك القرار في النهاية للنواب ويكون موقفهم في التصويت على طرح الثقة أو عدم التعاون.

ويكمل حديثه بالقول أن الأمور تغيرت بعد صدور تفسير المحكمة الدستورية في اكتوبر من عام 2011 بشأن استجواب رئيس الوزراء، وحددت الضوابط العامة لشكل الاستجواب ومسؤولية الرئيس عن الأعمال التي تقع ضمن اختصاصاته، بالتالي فإن “الدستورية” سدت نقصا لائحيا في هذا الصدد بعد أن كانت الأمور تشكل نقاط اختلاف بين الحكومة والمجلس، وأصبح أمام النواب آلية أو ضوابط لتحديد رأيهم بدستورية الاستجواب من عدمه .. وهذا ما حدث في استجواب ناصر المحمد في نوفمبر 2011.

ويبين الزميل أن النواب اليوم أمام مسؤولية أما احترام أحكام وتفسير المحكمة الدستورية، أو الاستمرار في نهج الاستجوابات العشوائية وغير الدستورية وتمكين سوابق جديدة خاصة بعدما حسمت المحكمة رأيها في الأمر، ولفت الانتباه أن التصويت في هذا الصدد يرجع الى قناعة النائب بدستورية الاستجواب من عدمه، ويضيف أن النائب سواء صوت قبل الاستجواب أو في عدم التعاون فإن الأمر لن يغير من حقائق الأمور والمحصلة النهائية، باستثناء أن في الحالة الأولى سيكون للنواب موقفا مهما في ترسيخ أهمية أن يكون الاستجواب دستوري وليس أداة ابتزاز .. وبالتالي فإن تصويتهم سيكون له سند دستوري وليس شخصي .. وفي الأخير القرار لهم والناخب هو من يحكم.

هذا الحديث والذي احتوى على تفاصيل أكثر، جعلني أعيد التفكير في القضية من جانب دستوري وسياسي

أولا، أنا على قناعة بأن استجواب النائب العدساني غير دستوري لأنه دخل في تفاصيل تنفيذية وليس سياسة عامة، فمثلا خسائر هيئة الاستثمار تقع في اختصاص وزير المالية وهو المسؤول عنها سياسيا، ولا يشرف عليها رئيس الوزراء، كما أن العدساني يستجوب عن السنة المالية 2011/2012 والمنتهية في مارس 2012، أي حين كان نائبا ضمن مجموعة الأغلبية المبطلة!

كما أنه يستجوب رئيس الوزراء على تكاليف ارتفاع انشاء مطار الكويت الجديد، علما أن تلك التكلفة أعلن عنها منذ مارس 2011 أي قبل سنتان ونصف تقريبا! وهي تدخل في اختصاصات وزير الأشغال سياسيا وفنيا ولا علاقة لرئيس الوزراء .. وكثير من القضايا المطروحه في استجوابه على هذا المنوال.

ثانيا، من المؤكد أن العدساني أقحم الكثير من القضايا في استجوابه بهدف “الحشو” وليس الإصلاح، فمثلا حين يستجوب النائب رئيس الوزراء بسبب تأخر إقلاع طائرة الخطوط الكويتية لمدة ساعتين فهذا عبث، لأن مثل تلك الحوادث تحصل يوميا في جميع خطوط طيران العالم!

وحين يستجوب رئيس الوزراء لأن “الكويتية” لم تحدث اسطولها فهذا “حشو” من نوع آخر لأن مجلس الأمة هو من منع “الكويتية” من تأجير طائرات أو شراء بحجة أنها في طريقها الى الخصخصة، وجميعا يذكر أن عقد شراء طائرات من شركة “بوينغ” الغي برلمانيا، وعقد تأجير من شركة الآفكو أيضا ألغي برلمانيا بحجة الخصخصة!

بناء على ذلك، رأيي أن تصويت النواب مع شطب محاور استجواب العدساني “دستوريا” سليم حيث أنه استند على حكم المحكمة الدستورية، ولأن النظام العام للبرلمان يعاني من قصور تشريعي في كيفية التعامل مع تلك الحالات، وكما احترمنا “الدستورية” في أحكام سابقة بما فيها مرسوم الصوت الواحد، فإن الاستمرار في احترام أحكامها والالتزام بها أيضا واجب، فلا نطبق الأحكام أو نلتزم بها “بانتقائية” و”مزاجية”.

أما “سياسيا”، فهذا التصويت لم أكن اتمناه ولكن اتفهم بشكل كامل أسباب النواب الدستورية، على الأقل نوابنا، وسأقف مدافعا عن موقفهم وملتزما بموقف التيار الذي يمثلني، ومازاد من تفهمي لموقفهم ما قام به العدساني بتقديم استجوابا جديدا طبق الأصل من المشطوب بدون المحورين، أي أن العدساني أقر بعدم دستورية استجوابه الأول، وموقف النواب نجح في وقف الاستجوابات العشوائية أو تلك ذات طابع الابتزاز.

والآن حان وقت كشف مواقف مدعي المعارضة والخوف على الدستور، والمندسين والسماسرة – بحسب وصف رئيس مجلس الأمة الأسبق أحمد السعدون – من تلك الأحداث، وكيف أن المسألة بالنسبة لهم ليست سوى تسجيل مواقف وليس حرصا على الدستور وآلياته.

كوادر “الأغلبية” المبطلة الأولى، التي فيها مندسون وسمسارة .. الخ ينتقدون ويتباكون على الدستور وأداة الاستجواب، ولكنهم في الوقت ذاته يتناسون أن قادتهم في “الأغلبية” النائبان السابقان خالد السلطان ومحمد هايف صوتا على إحالة استجواب الشيخ أحمد الفهد الى اللجنة التشريعية لدراسة “دستورية الاستجواب من عدمه”! وذلك في 29 يونيو 2011 … ومع هذا مازال الاثنان من قادة “الأغلبية” و”الإئتلاف” و”التنسيقية” .. وسؤالي الى شبابهم، وتحديدا كوادر الشعبي وحدس .. هل كيف؟؟

بل وأوصلوا السلطان الى منصب نائب رئيس مجلس الأمة! لذا أقول لهم كل كلامكم وانتقادكم لا قيمة بالنسبة لي لأن مصداقيتكم مفقودة .. أضف الى ذلك فإن بينكم سماسرة ومندسين ومدعين، لذا ما تقولونه – بعضكم – قد يكون مدفوع الأجر بحسب المهنة.

وبالمناسبة، هل تذكرون استجواب النائب السابق د. عبيد الوسمي لرئيس الوزراء جابر المبارك؟ وكيف وأد من الأغلبية المبطلة؟ وكيف تعرض الوسمي للطعن من زملاءه النواب لأنه فقط قدم استجوابا دون مشاورتهم؟ وقول فلاح الصواغ بالحرف “هل يجوز أن نهدم الأغلبية بهذا الاستجواب؟؟ هذا كلام مرفوض”! ومناشدته بتأجيل الاستجواب لمدة شهر وأن استجوابه تأزيم وضرب للمجلس!!

كلام كبير من عضو قيادي في “الأغلبية” و”الإتلاف” .. عدل؟ ولن أقول أكثر مما قاله السعدون “سماسرة ومندسين ومدعين”.

أما أغلبية المجلس المبطل الثاني، فحدث ولا حرج في مواقفهم فهم ملوك تأجيل الاستجوابات لسنة وستة أشهر، وملوك الإحالة للتشريعية .. وكل هذا بمزاج وانتقائية بحسب الوزير أو رئيس الوزراء، بل معظهم شاركة في سابقة رفع استجواب – وليس شطب محاور فقط – بأكمله من جدول أعمال المجلس وذلك في استجواب النائبان السابقان أحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري في جلسة 16 نوفمبر 2011 واذكر منهم على سبيل المثال النواب: علي الراشد، سعدون حماد، صالح عاشور، عدنان عبدالصمد، معصومة المبارك، وطبعا هؤلاء النواب تغير موقفهم من قضية الشطب بتغير رئيس الوزراء!

وهذا الكلام الى النائبة صفاء الهاشم تحديدا … عرفتي أين السابقة التاريخية؟ … ولن اتحدث كثيرا عنهم ففاقد الشيء لا يعطيه.

فكفى دموع التماسيح يا سادة المبطل الأول والثاني ..

وأخيرا، واعتذر على هذه الإطالة، خرجت نبرة جديدة من كوادر المبطل الأول والثاني بإن الإحالة الى الدستورية أو التشريعية أهون من شطب محورين! وللأمانة أعجبتني كثيرا هذه النبرة ولكن دعونا نضع الأمور في المقياس الصحيح بعيدا عن المشاعر والانتقائية والانتقام .. الخ

لو حول استجواب العدساني الى التشريعية أليس من المتوقع ألا يناقش إلا بعد شهرين أو أكثر؟ وإن أحيل الى المحكمة الدستورية، ألا يعني ذلك تعليق الاستجواب لحين صدور الحكم وهو ما قد يستغرق أكثر من ستة أشهر؟؟ علما أن المحكمة الدستورية قالت أنها لا تنظر مواد الاستجواب!

في المقابل الغاء محورين من استجواب العدساني لم يمنع النائب من صعود المنصة ومناقشة الاستجواب علما أن الرئيس أعلن استعداده لصعود المنصة! بل أن هذا الموقف جعل العدساني يرفض صعود المنصة ليسقط الاستجواب ويقدم استجوابا جديدا بعد ساعات .. ولم يضع عليه الوقت رغم أنه أضاع وقت المجلس، ولم يجعل القضايا التي يريد مناقشتها معلقة لأشهر لحين النظر بها.

في النهاية، اتمنى ألا يزايد أحد على الآخر، ومن بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجر

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *