بشار الصايغ

لهذه الأسباب .. لن أشارك بمسيرة كرامة وطن!

الأحداث السياسية الأخيرة كثيرة ومتسارعه، ولكن أريد التعليق على دعوة القائمين على حساب كرامة وطن لمسيرة يوم الأحد المقبل، فإن كان الحساب له مطلق الحرية في الدعوة لمسيرة، كما لمن يريد المشاركة فيها كذلك ذات الحرية، فالتعليق على دعوتهم – أتمنى – أيضا اعتبارها من باب الحرية.

تحت هاشتاق “الشعب يريد تطهير القضاء” وجه القائمون على حساب كرامة وطن دعوته لمسيرة يوم الأحد المقبل، وحددها من نقطة المسجد الكبير الى ساحة قصر العدل، ومن الواضح أن الدعوة مرتبطة بما نشره الحساب من وصولات لتحويلات مالية “اتهم” فيها بعض قضاة المحكمة الدستورية بتلقي رشاوي، تبعتها تغريدات لاحقة وصف فيها رئيس مجلس القضاء بالراشي والفاسد، داعيا في تغريدة أخرى بمحاسبة المرشد والعسعوسي.

ما يقوم به القائمين على حساب كرامة وطن اليوم – برأيي – لا يقل “فسادا” عما تقوم به السلطة، بل أصبح نسخة طبق الأصل بما قامت وتقوم به السلطة من ناحية توجيه التهم المعلبة للسياسيين والشباب، واعتبارهم مذنبين قبل صدور الأحكام ضدهم، فمقولة “المتهم بريء حتى تثبت ادانته” أصبحت معكوسة لدى الجميع!

لن أشارك في مسيرة كرامة وطن 8 لأسباب هي ذاتها التي جعلتني أنتقد السلطة في يوم من الأيام، وأشارك في مسيرات وأنشطة ضدها ..

لن أشارك في مسيرة كرامة وطن لأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وفالقائمين على الحساب أدانوا القضاة بتهم الفساد وتلقي الرشاوى دون أن يتقدم أحدا بشكوى ضدهم، حتى من أدعى أن لديه المستندات لم يقدمها الى الجهات المختصة ولو من باب “ابراء الذمة” مقدما حتى يتسنى له اتخاذ خطوات التصعيد لاحقا ..

لن أشارك في مسيرة كرامة وطن لأن المستندات التي كشفت حامت حول مصداقيتها الشكوك، ونفى بعض المتهمين فيها علاقته بها بأوراق رسمية، ولم يبرر الحساب في أي وقت من الأوقات ما قيل عن مستنداته، بل التزم الصمت ..

لن أشارك في مسيرة كرامة وطن لأن من اتهم اليوم في ذمته المالية لم يعطى الفرصة والمجال للدفاع عن نفسه رغم لجوءه الى النيابة العامة للتحقيق فيما أثير، فاعتبر مدانا بأوراق “مشكوك بصحتها” لأن هناك من يريد إصدار هذا الحكم بغض النظر عن الحقائق ..

لن أشارك في مسيرة كرامة وطن لأن إن كان الخوف من تعسف السلطات الثلاث باستخدام أدواتها، فإن حساب كرامة وطن شاركهم التعسف في استخدام أداته، وإن كانت الضمانات معدومة من السلطات الثلاث كما يسوق له، فإنها كذلك من حساب كرامة وطن والقائمين عليه، فبعد توجيه أحكام الإدانة “دون توفير محاكمة عادلة للقضاة الذين يتهمهم”، فإن هذا الفعل لن استبعده أن يطبق علي في يوم من الأيام أو من يختلف معهم، في نفس الآلية والإسلوب!

لن أشارك في مسيرة كرامة وطن لـ”تطهير القضاء” لأن في يوم من الأيام وضع الكثير من السياسيين في خانة التخوين والتشكيك في ولاءهم، فما كان من القضاء سوى انصافهم بالبراءة مما اتهموا فيه، فماذا لو تبين لاحقا أن كل ما كشفه الحساب ليس صحيحا بل مزورا؟ فهل أقبل بالسعي لـ”تطهير” قائم على “الشك وليس اليقين”؟

لن أشارك ف تلك المسيرة، لأن قوى الأغلبية ومكوناتها، وكذلك الإتلاف ومكوناته، طالبوا بلجنة تحقيق وتتبع دولية للتأكد من صحة التحويلات، وهو ما يعني أن “الشك” حاضر حتى فيما عرضه النائب السابق مسلم البراك من مستندات، والشك يفسر دائما لصالح المتهم – علما أن أيا من القضاة لم توجه لهم تهم أو يقدم فيهم بلاغات – فهل يعقل أن أنزل الشارع اليوم بمطالب قائمة على اتهامات غير مؤكدة حتى من قبل من كشفها؟

لنعود الى التاريخ، فهو خير شاهد على القضايا ذات الأبعاد المالية ..

في قضية شيك النائب السابق د. فيصل المسلم، أظهر المسلم الشيك بإسماء الطرفين وأقرا به فكانت الإدانة السياسية”، وكان التحرك في حينه بتقديم استجوابا لرئيس الوزراء السابق نجا منه بالبرلمان ..

في قضية الإيداعات المليونية، فإن الحدث كان خبر صحفي بعدها تصعيد سياسي لكشف الحقيقة، حتى جاءت دعوى البنوك ضد “النواب القبيضة” لتكون اليقين في تلك العمليات والفساد التشريعي، وبعد “اليقين” تحركت القوى السياسية لاسقاط الحكومة والمجلس بعد أن “ثبت استلام النواب لأموال نقدية”، ولم نلتفت حينها الى نتيجة التحقيق لأن المسألة كان لها بعدها السياسي قبل القانوني، فنجحنا في اسقاط الحكومة وحل المجلس، ونجح “القبيضة” من الانفلات من الإدانة القضائية بسبب نقص التشريعات -وهو ما أعتبره أدانة قضائية مع وقف التنفيذ -!

في قضية “تطهير القضاء”، ليس أمامي سوى أوراق – أعتقد أنها مزورة بعد مراسلة البنك المعني – ولم يتقدم أي طرف ببلاغ حولها حتى نخرج من دائرة الشك الى اليقين والجدية على الأقل، لذا فإن الخروج تحت هذا المسمى الذي دعا له القائمون حساب كرامة وطن سيكون انقلابا على مبدأ “المتهم بريء حتى تثبت إدانته” الذي ينادي به الجميع، فكما انقلبت السلطة عليه ضد معارضيها، وكما انقلب عليه الحساب في معركته مع القضاء، فإن تأييدي لهذه المسيرة سيكون تشريع لعرف يصدر الأحكام دون إعطاء فرصة لأي طرف لاثبات برائته القانونية، ولا استبعد أن يستخدم ضدي مستقبلا!

لن أشارك وهذا قراري، ومن يريد المشاركة فهذا قراره، لست أدعو لمقاطعة المسيرة أو العكس، فكل شخص يملك عقله وقراره .. ولكن ما كتبته أعلاه أسبابي.

ملاحظة: قد يقول البعض أن المسيرة جزء منها أو أغلبها أو كلها بسبب ما تعرض له النائب السابق مسلم البراك من تعسف في استخدام النيابة أو المحكمة من صلاحيتهم، وسيكون ردي وأليس التعسف أن يكون التحرك بهذا الحجم رغم أن هناك مواطن آخر محبوس على ذمة القضية ذاتها منذ فترة؟ فهل المسألة شخص البراك أو مسألة مبدأ؟ .. أليس التعسف أن ندين قضاة دون شكوى ضدهم أو محاكمة عادلة لهم؟

أخيرا: أدعو للإفراج الفوري لكل من اعتقل من الشباب – دون استثناء – في أحداث المسيرتين الماضيتين، كما أدعو السلطة القضائية تتوخى الحذر الشيديد في تعاطيها مع قضية البراك كون رئيسها طرفا – وهو الشاكي – فعليها أن توفر للبراك أقصى الظروف لمحاكمة عادلة إن كان ما قاله يشكل جريمة، وهي حاليا في اختبار حقيقي.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *