سامي النصف

قتل الثعبان وكسر السلم!

في الصغر كانت أشهر لعبة يمارسها أطفال الكويت هي لعبة السلم الذي يصعد بك من أدنى الأرقام إلى أعلاها دون حساب، والثعبان الذي يبتلعك فينزلك من أعلى الأرقام إلى أدناها دون حساب، واضح أن تلك اللعبة قد رسخت وتجذرت بالأذهان فبات كثيرون يمارسونها على كبر دون شعور مما أدى بالتبعية إلى تدمير وتخلف البلد.

***

وخارج إطار تلك اللعبة الخطيرة التي سنتطرق في الفقرة الثانية لكيفية ممارستها في الكويت على جميع المستويات والأصعدة، نذكر أننا جميعا ضد الفساد وتضخيم أسعار العطاءات والرشاوى المصاحبة للصفقات الكبيرة، وضد السمعة السيئة التي تنتشر حول بلدنا من أنه لا صفقة ولا عمل يتم في الكويت دون عمولة مما جعلنا نهوي في مؤشرات الشفافية الدولية التي باتت رويدا رويدا تشبه مؤشرات حقوق الإنسان التي بدأت دون أن يكترث بها أحد، وانتهت بأن أصبحت الأنظمة والدول تتساقط طبقا لمؤشراتها.

***

وملخص عملية السلم والثعبان الاقتصادية المحلية أنه بعد البداية الصفرية للمتنافسين على مشاريع الدولة المختلفة، تبدأ أحيانا لعبة السلم (الواسطة، الرشاوى) بالعمل فيسبق متسابق زملاءه الآخرين دون وجه حق، وأحيانا يحدث العكس فما يكاد منافس يقترب من نقطة النهاية حتى يجد نفسه في فم ثعبان ضخم (الفساد، الرشاوى المضادة) يرجعه إلى نقطة البداية، وبين السلم والثعبان تتهاوى أعمدة التنمية في البلد وتسبقنا بلدان مجاورة يقوم التنافس فيها على النزاهة والثقافة وتكافؤ الفرص بعد أن قتلت الثعبان و.. كسرت السلم!

***

آخر محطة: ما يعقد فهم لعبة السلم والثعبان بالكويت، أن هناك دائما ضبابا يجعلك لا تعلم قط أيهما الثعبان وأيهما السلم، ومن الصح ومن الخطأ في هذه العملية أو تلك! وفي ذلك الغموض ظلم ناجز لأهل الحق ونصر ماحق لأهل الباطل.

 

 

 

احمد الصراف

تعالوا نغنِّ مع سنغر

تعتبر مكائن سنغر Singer، التي سميت كذلك على اسم مخترعها الأميركي ايساك سنغر، وليس لأن صوتها وهي تعمل يشبه الغناء، كما كنت أعتقد، تعتبر من أقدم مكائن الخياطة وأكثرها شهرة وانتاجا في العالم، فقد صنعت أول ماكينة منها عام 1851، ووصل انتاج مصانعها عام 1873، أي قبل 140 عاما، لأكثر من 250 ألف ماكينة. وقد توقفت الشركة عن انتاج هذه المكائن وتحولت لانتاج الأسلحة أثناء فترة الحرب العالمية الثانية. واليوم يبلغ ثمن المسدس الأثري، أو ما تبقى منه، والذي كانت تنتجه الشركة في تلك الفترة، والذي امتاز بجماله ودقته، أكثر من 80 ألف دولار. وبالرغم من ان الشركة عادت لانتاج آلات الخياطة بعد الحرب، وحققت أرباحا طائلة، وظفتها في شراء وبناء عدة ناطحات سحاب في نيويورك في بداية القرن الماضي، والتي لا تزال حتى اليوم شامخة ومميزة بتصاميمها، فانها قامت عام 1960 بتنويع استثماراتها وشراء مصانع حاسبات والكترونيات، وأنظمة الجي بي اس GPS، الخاصة بتحديد المواقع، ومصانع لانتاج قطع غيار المحطات النووية، ولكن الشركة سرعان ما واجهت عام 1987 مصاعب مالية وادارية، نتيجة تقديم منافساتها لمنتجات أفضل وأقل كلفة، وبالتالي اضطر اصحابها لبيعها بالكامل، وقام الملاك الجدد بتفتيت وحداتها وبيعها لآخرين، ولم تتعاف الشركة كليا منذ يومها، بعد أن زادت شراسة منافسيها من منتجي مكائن الخياطة الكهربائية من الآسيويين وحتى الأوروبيين.
عرفت الكويت مكائن سنغر عام 1907، كما ذكر السيد محمد جمال، المؤرخ والمعني بتوثيق التراث الكويتي القديم، وأول من أحضرها للكويت واستخدمها كان مبارك العصفور. وأول من جلب مكائن خياطة سنغر للكويت كان فخري السيد عام 1930 ثم أصبح محمد أمين، والذي اشتهر بـ «أمين سنغر»، وكيلا لها، وحقق من وراء ذلك ثروة. وكان له بيت كبير ومميز في موقعه ولا يزال ربما حتى اليوم في مكانه على دوار قصر دسمان، وعلى 3 شوارع، وان كان مهجورا منذ عقود! وقال السيد جمال ان أول من عمل في اصلاح آلات الخياطة كان عمر عاصم، الذي اشتهر بعدة مهارات، اضافة لمعرفته الدينية والتدريسية!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

سعيد محمد سعيد

صوت «الحسين»… المزلزل

 

كثيرة هي الحوارات التي تدور بيني وبين العديد من الاخوة الأعزاء سنوياً، لاسيما في موسم عاشوراء، ولا سيما أكثر، مع من اعتنق فكرة قديمة تليدة! وهي أن موسم عاشوراء هو موسم للتناحر والبغضاء ونشر العداء والتطاحن والطائفية بين المسلمين، والنيل من رموز دينية تاريخية لها مكانتها، وتأليب الطوائف ضد بعضها البعض وقائمة طويلة من المشاهد والصور والأفكار السوداء، فيما تغيب عن عقول أولئك وعيونهم أي صورة إسلامية اجتماعية إنسانية رائعة هي الأكثر بروزاً في موسم عاشوراء.

ولعلني أتساءل: «لماذا حقاً، يتم تغييب صور الإحياء العاشورائي بدلالاتها الدينية والعقائدية والفكرية والإنسانية، وتتصدر، عمداً، أنشطة التصيد المقصود للإساءة إلى هذه الذكرى الإسلامية العظيمة؟ ومن يقوم بهذا الفعل؟». ولابد أولاً من الاتفاق مع الآراء التي تقول بأن هناك ممارسات يقوم بها البعض في عاشوراء كل عام، فيها من الإساءة والتشويه للمذهب وللذكرى، وهذه الممارسات التي عادةً ما تكون محدودة ويتصدى لها العلماء والخطباء والرواديد ويحذرون منها، إلا أنه من غير الإنصاف أن يبقى البعض على مسلكه في التصيد السيئ الهادف إلى تأجيج الفتنة، ويتناسى، عامداً أيضاً، كل الممارسات ذات الطابع الإسلامي والاجتماعي والإنساني والثقافي الرفيع؟

إن بضع ممارسات متكررة تصدر من فئة محدودة من خطباء المنبر الحسيني غير المؤهلين ممن يثيرون مواضيع الصدام المذهبي التاريخي أو ممن يبتعدون عن البحث العلمي والفقهي الأصيل، ويعتمدون في خطبهم على الماورائيات والخزعبلات والخرافات، أو بضع ممارسات من جانب فئة من المشاركين في مواكب العزاء أو المتفرجين بما فيها عروض الأزياء والمعاكسات التي تصدر من بعض الشباب من الجنسين، لا يمكن أن تكون هي الصورة الرئيسية لهذه الذكرى الإسلامية العظيمة بكل مبادئها وأبعادها، إلا بالنسبة لمن سخر نفسه في الفضائيات والمواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي والمنشورات والكتب والمحاضرات التكفيرية الطائفية الخبيثة. فهو بالطبع، يتعمد عن قصد، تصيد تلك الممارسات المرفوضة، خصوصاً في موسم يشارك فيه الملايين حول العالم، وليس من صالحه قطعاً أن يكون منصفاً.

وعندما أقول أن (ليس من صالحه أن يكون منصفاً)، وأقصد جوقة العداء المذهبي في الفضائيات والإعلام الإلكتروني وبعض الصحف، فإنه، على سبيل المثال لا الحصر، حين يصوّر المعزين على أنهم دمويون يفعلون ما لا علاقة له بالإسلام، يغمض العين عن حملات التبرع بالدم سنوياً، ذات الارتباط الوثيق بالإسلام. وحين يقتطع مشاهد لبعض الخطباء ويتفنن في القطع واللصق لنيل الإساءة في صورة قبلها ذوي العقول الطائفية المريضة، يتعمد الابتعاد تماماً عن العلماء والخطباء والمثقفين الذين يقدمون محاضرات وكتابات قمة في الرقي من ناحية تناولها لمعاني وأهداف النهضة الحسينية العظيمة التي لا يمكن أن تموت أبداً، كونها تمثل مبادئ الإسلام ذاته. وحينما يتعمد ملاحقة المظاهر الدخيلة على إحياء موسم عاشوراء في بعض الدول وخصوصاً الآسيوية كالطقوس الغريبة التي لا علاقة لها بالمذهب الشيعي، لا من قريب ولا من بعيد، تجده يهرب بعيداً عن الندوات والمؤتمرات التي تجمع علماء الطائفتين الكريمتين، ويشارك فيها رجال دين ومفكرون من مختلف الأديان، وتبرز ذلك «الصوت الحسيني المزلزل» الذي يدعو إلى الإصلاح والسلام والمحبة والمساواة والفداء والتضحية ورفع راية الإسلام، ويحارب الجور والطغيان والفساد والاستبداد والظلم. ليس في صالحه أبداً إلا أن يكون جرثومةً تعيش حيث يمكن أن تكون أفكاره الخبيثة حاضرةً نشطة.

ولأن أولئك (الجرثوميين) يستمدون أيضاً بقاءهم من ممارسات التناحر الآثمة التي يتبعهم فيها من رضي باعتناق الأفكار المنحرفة، فإن نتاج ذلك الشحن لا يظهر فقط في صور البيانات الإجرامية الجبانة التي تدعو إلى الدموية والقتل والانتقام من «الكفار» وحسب، بل يتبعها إعلان استعداد «فصيل من الجرثوميين» لأن يلبسوا الأحزمة الناسفة ويفخّخوا السيارات ويفجرونها في المآتم والحسينيات ومواكب العزاء كما هو الحال في العراق وباكستان، لكي يضمنوا دخول الجنة مع من أوصاهم بهذا الفعل.

«فلا عجب، بعد مرور 1374 عاماً على نهضة الإمام الحسين عليه السلام في محرم من العام 61 للهجرة، أن يجد أحرار الدنيا اليوم هويتهم في الحسين (ع)، ويبحث الأراذل عن صلة قرابة بيزيد، فالصوت الحسيني المزلزل هو صوت جده المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولأنه صوت جده النبي الأكرم، فإنه صوت الحق الإسلامي، ومهما فعل التكفيريون والمفجّرون والمفخخون للبطون والكروش والعقول الشيطانية، فلن يتمكنوا أبداً من محو ذلك الصوت المزلزل: وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً… إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر». لقد سبقتهم في ذلك دول وسلاطين وأساطين وأباليس ذهبوا إلى مزابل التاريخ، وبقيت مبادئ الحسين (ع)، تتألق باسم الدين الإسلامي، لا عاماً بعد عام، بل يوماً بعد يوم.