سامي النصف

الاستجوابات الكيدية وتدمير البلد!

يروى ان الاستعمار عندما اضطر لمنح الاستقلال لبعض الدول العربية بداية القرن الماضي وجد ساسته ومفكروه ان أفضل وسيلة لتدمير تلك البلدان ومنع تطورها كي تبقى شديدة التبعية له هي استغلال المجالس البرلمانية لخلق أزمات سياسية متلاحقة تتسبب بالتبعية في التغيير السريع للحكومات، فمع كل رئيس وزراء أو كل وزير يستبدل يبدأ العمل من الصفر ويبقى حال البلد.. مكانك سر!

***

ومن يتابع مرحلة النهضة الكويتية التي استمرت منذ بداية الستينيات حتى ما بعد منتصف السبعينيات يجد أنها امتازت بندرة الاستجوابات (استجواب واحد 63، 64، 68، 74، 82.. الخ) واستقرار الوزراء والحكومات، وهو ما دفع عجلة التنمية والرفاه والتقدم في جميع مناحي الحياة سريعا الى الأمام وخلق لدينا آنذاك ظاهرة «رجال الدولة الكبار»، ولو تفشت حالات الاستقصاد الشخصي والشتائم المصاحبة للاستجوابات الكيدية المكثفة القائمة على مبدأ «وراك، وراك» كما هو الحال لاحقا لما أبدع المسؤولون ولما استقرت الحكومات ولما تطورت الكويت بالتبعية.

***

ان علينا كنواب ومواطنين وإعلاميين العمل مجتمعين على قتل الاستجوابات الكيدية كي لا تدمر الكويت، فمؤامرة ضم بلدنا لمشروع ربيع الخراب العربي مازالت مستمرة وإن تغيرت أدواتها فقط، فنار الفتنة والفوضى مازالت مشتعلة.. تحت الرماد.

***

آخر محطة: (1) إلى المتدثرين كذبا برداء الدستور.. ماذا تقولون بنص المادة 50 من الدستور والتي تنص على أن نظام الحكم يقوم على أساس فصل السلطات مع «تعاونها»، ولم يقل الدستور «تعاركها»؟! فأين الإيمان بالدستور؟! وأين التعاون عندما تهل الاستجوابات الكيدية كالأمطار الاستوائية قبل أن تبدأ الحكومة الجديدة عملها؟!

(2) ان كان الاستجواب حقا مطلقا للنائب (يرى حكم المحكمة الدستورية الصادر في أكتوبر 2006 غير ذلك)، فلماذا الجزع من استخدام الحكومة لأدواتها الدستورية من إحالة للجنة التشريعية أو المحكمة الدستورية أو تأجيله أو تصويت ممثلي الشعب على محاوره كما تم في السابق؟!

 

 

سعيد محمد سعيد

خارطة «الحسين» العالمية

 

ما بعد العام 61 للهجرة (680 ميلادية) وحتى اليوم، أي على مدى 1333 سنة منذ استشهاد الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه في معركة (كربلاء صيانة الإسلام)، سعت العديد من الحكومات المتعاقبة لمحاربة أي ذكر لتلك الواقعة التي لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، ليس حفاظاً على مشاعر المسلمين من وحشية الذبح الأموي، بل لطمس الذكرى ومنع تفاعل الناس معها.

لقد أدرك الأمويون، أن إعادة تفاصيل ما حدث في كربلاء، بعد واقعة الكرامة الإسلامية تلك، تحرّر الناس من سطوة الجور والظلم والاستبداد، بل كانت قبضة الدولة العباسية على إحياء ذكر واقعة الطف أشد من القبضة الأموية ودمويتها لا تقل عنها! انظر ما نقله التاريخ عن حميد بن قحطبة (159 هـ) وكان وزيراً لهارون الرشيد، والذي بأمر الأخير، قتل في يوم واحد 60 علوياً، ورمى بهم في بئر غوير، حتى أنه ما كان يصوم شهر رمضان المبارك، وحينما سأله عبدالله البزاز أعاد عليه ما اقترفته يداه، وأنه، كما هو حال أعوان الطغاة، يائسون من رحمة الله.

لقد بقيت واقعة الطف متأججة حاضرة متألقة في نفوس المسلمين طيلة 1333 سنة، وينبغي لنا أن نتساءل عما أحدثته نهضة الإمام الحسين (ع) من تغيير، ليس في حياة المسلمين فحسب، بل في حياة الإنسانية جمعاء. لقد أصبحت تلك النهضة، خارطة طريق عالمية، وعلى مدى مئات السنين، وحيث لم يكن لدى الناس ما لديهم اليوم من وسائل تواصل إعلامية ومعلوماتية هائلة، فعلت تلك الحكومات فعلها فحاولت عبثاً تغييب الواقعة، ربما نجحت إلى حد ما، باستخدام وعاظها ولاعقي أحذيتها وكلاب أهل الجور في التصدي للذكرى بل ولتشويهها في كتبهم الصفراء الساقطة. وها هي اليوم، تمسح بقوة كل المحاولات لتعود خارطة الحسين كونياً في عالم يستمع فيه الناس لبعضهم البعض لحظةً بلحظة، مهما تباعدت المسافات وتعدّدت الأزمنة.

في هذا السياق، ترى الباحثة فاطمة مطشر في تأريخها للمواكب الحسينية في عهود الطغيان، أنه «في القرن السابع للهجرة أصبح قراءة المقتل عادةً متبعةً للشيعة، وأول من منع القراءة يوم العاشر الخليفة العباسي المستنصر بالله عام 640هـ (1223م) وهو أول منع علني من حاكم عباسي بعد انتشار المجالس حول صحن الإمامين الكاظمين (ع) في بغداد.

ويذكر ابن الجوزي (ج7 ص23) أن اللطم جرى في صحن الإمام الكاظم (ع) يوم العاشر في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، وهذا تاريخٌ آخر يوثق المواكب والعزاء، ورغم محاولات الأمويين والعباسيين لمنع زيارة قبر الحسين (ع)، وتشديد الإجراءات الظالمة وقتل وتهجير أصحاب المواكب، إلا إن تلك الزيارات لم تتوقف ولم تنقطع) انتهى الاقتباس.

كذا، من غير الممكن إطلاقاً أن تنجح كل محاولات الطمس والتغييب والتشويه، سواء تلك التي دعمها الأمويون والعباسيون وأحفادهم في الماضي، أو تلك التي تجري في الحاضر، ويمكن إرجاع ذلك الفشل الذريع إلى أن النهضة الحسينية هي حركة تجديد للدين الإسلامي، على أسس القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، كأول حركة صد قوية في وجه محاولات إعادة المسلمين إلى الجاهلية الأولى على يد الحاكم غير الشرعي يزيد بن معاوية. أضف إليها قائمة المبادئ والقيم الإسلامية والإنسانية والفكرية التي تهفو إليها كل شعوب العالم.

خارطة الحسين العالمية، تجاوزت تشويه المشوّهين وإرجاف المرجفين ومؤرخي الذهب الأموي والعباسي، الذين ذهبت أفعالهم الخسيسة سدىً وهباءً منثوراً، حتى ظهر من غير المسلمين من يمتلك أمانةً وضميراً لأن يقول كلمة حق لم يجرؤ على قولها من ملأت الدولتان الأموية والعباسية وحكومات الأحقاد ركابهم فضةً أو ذهباً. ولعل مقولتين في هذا الشأن تختصران وصف خارطة الحسين العالمية:

الأولى: ما ورد في كتابه «رحلة إلى العراق»، حيث قال الباحث الإنجليزي جون آشر: «إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي». والثانية ما جاء في كتاب «حضارة الإسلام» للمستشرق الأميركي غوستاف غرونيبا، وهو ألماني الأصل، بقوله: «الكتب المؤلفة في مقتل الحسين تعبر عن عواطف وانفعالات طالما خبرتها بنفس العنف أجيال من الناس قبل ذلك بقرون عديدة. إن وقعة كربلاء ذات أهمية كونية، فلقد أثَّرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين، الرجل النبيل الشجاع في المسلمين، تأثيراً لم تبلغه أية شخصية مسلمة أخرى» (انتهى الاقتباس). وتوضيحاً، حتى لا تأتي المقارنات المجوفة تحت عنوان «أية شخصية مسلمة أخرى»، فإن الإشارة هنا تركز على الصورة المحزنة للمقتل.

لنتأمل كيف هي تلك الصورة المحزنة اليوم، تتوزّع على الكون بأسره مختصرةً عبارةً الإمام الشهيرة: «وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر». فالسلام عليك يا أبا عبدالله الحسين ما بقيت وبقي الليل والنهار.