محمد الوشيحي

بين بحريتين وفئتين…

البحرية الأميركية تحذر من عاصفة جوية قوية، وبحرية الصباحية تقول إن العاصفة القادمة ليست في الجو بل على الأرض.
البحرية الأميركية تنذر بأن الأمطار الغزيرة جداً قد تتحول إلى سيول تشكل خطراً على الكائنات والأملاك، وبحرية الصباحية ترفع سبابتها منذرة "اقطعوا رؤوس العاصفة الطائفية قبل أن تتفاقم وتقضي على الأخضر والأصفر".
البحرية الأميركية تشرح: "العاصفة مدتها ثلاثة أيام"، وبحرية الصباحية توضح: "العاصفة الطائفية لن تتوقف قبل زوال آخر كائن في هذا الوطن المعطاء والأرض الغراء".
وبعد البحث والتمحيص، تبين أن البحرية الأميركية لم تقل ذلك، وأن الوشاة استغلوها وظلموها، وأن العاصفة الجوية ليست بهذه الدرجة من الخطورة، واتضح أن الشائعات هي التي نفختها… لكن بحرية الصباحية تؤكد خبرها، ومستعدة للرهان على صدقيته.
ويصر نواب الشيعة على التصعيد ضد الوزير، ويعلن نواب العوازم التحدي دفاعاً عن ابن عمهم الوزير، ويساند الشيعة "الفريق المهزوم في انتخابات رئاسة البرلمان"، ويساند العوازم "الفريق الرابح وبعض النواب السنة"، وسيفشل استجواب الوزير العازمي، إذا ما تم، وسيتقدم النواب الشيعة بالاستقالة، إذا صدقت تهديداتهم، وستطغى هذه العاصفة على سواها، وستنطلق الشرارة، وستعجز فرق الإطفاء عن التعامل معها.
وليس أجمل من عواصف كهذه لتغطية السرقات والنهبات والهبشات، بحسب ما جاء في نشرة بحرية الصباحية، والله أعلم.
سامي النصف

أزمات متحركة و.. بلد واقف!

في مرحلة النهضة الكويتية كانت تجربتنا الديموقراطية هي القدوة الحسنة والمنار الحضاري لشعوب المنطقة الخليجية والعربية، هذه الأيام لم نعد نقرأ مديحا للمسار السياسي الكويتي، فقد توقفت الشعوب والساسة والمفكرون والكتّاب عن الإشادة أو الإشارة بعين الرضا لما يحدث لدينا واستبدل ذلك بالتحسر والتحذير من تكرار تجربتنا المتأزمة.

***

ومن بديهيات تطور الأمم التي يعلم بها الجميع، حقيقة انها اما تعيش أزمات سياسية متحركة وبلدان ساكنة لا تتقدم، او في المقابل تسكن وتتوقف الأزمات السياسية وتبدأ قاطرات البلدان بالتحرك السريع للمستقبل المشرق، ولا توجد تجربة واحدة في التاريخ عاشت خلالها الأمم في أزمات سياسية متلاحقة وارتفعت معها توازيا مؤشرات التنمية والرفاه فيها.

***

ان الكويت لم تحصد أمرا موجبا واحدا من الأزمات التي تلد أزمات، أو من الاستجوابات الكيدية التي تستهدف المسؤولين على «الهوية» والتي طورت محليا عبر حشد الأتباع والمتفرجين لملء المدرجات للصياح والتصفيق والتهليل، ثم أعطيت الطابع الكرنفالي فأصبح تقديم صحيفة الاستجواب يتم تحت فلاشات الكاميرات وكأنه فتح «قسطنطينية» أو استسلام أمتي اليابان والألمان في نهاية الحرب الكونية الثانية.

***

آخر محطة: (1) ترجم الفهم الصحيح لأداة الاستجواب الخيرة وانها وسيلة لا غاية بذاتها، إبان عصور النهضة والحكمة والتنمية والعقل، ان قام نائب باستجواب وزير في مكتبه بعيدا عن البحث عن الكاميرات والمانشيتات، فلما اقتنع بحسن المقاصد وعدم وجود المخالفات أعلن الغاء الاستجواب.

(2) وضمن ذلك الزمن الجميل، ذهل وتعب أحد الوزراء صحيا لكون المستوجب قد اتهمه بالتفريط في المال العام فسمح لوزير آخر بالرد عنه، كما قام الوكلاء والمهندسون في وزارته بالإجابة عن الأمور الفنية وتم ذلك بوجود كبار الخبراء الدستوريين والآباء المؤسسين للدستور الذين لا يستطيع أحد ان يزايد عليهم في فهمه ومقاصده الخيرة كونهم مَن كتبه.

 

 

حسن العيسى

مرة ثانية… ابدأوا بأنفسكم

هل هي مسألة وصفة من وصفات صندوق النقد المثيرة للمتاعب التي قد تتطور لأعمال عنف وشغب، وأحياناً ثورات كما يراها الكثيرون من أهل اليسار، أم أنها مجرد نصيحة "صادقة" للسلطة ولأهل الكويت، إما أن يأخذوا بها أو يرفضوها؟! ردود الفعل الشعبية، بصورة عامة، التي جاءت بعد تصريحات مديرة الصندوق عن ضرورة ضبط الدولة لباب الإنفاق على الأجور في المرفق الحكومي، ووقف الدعم لبعض السلع والخدمات… إلخ، جاءت رافضة لطرح الصندوق، ورأت فيه مجرد وصفة مكلفة يدفع ثمنها أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة ولا تمس الأغنياء، فمتوسطو الحال، هم الذين يلتحقون بالعمل الحكومي عادة، وهم من يعتمدون بدرجة كبيرة على الدعم الحكومي للسلع والخدمات، وهم الأكثرية، وهم يرون أن أبواب العمل في القطاع الخاص (في الأغلب والأعم) مفصلة لأبناء أصحاب هذا القطاع بحكم وراثة الثروات ووراثة فرص العمل، كان ذلك الوجه الأول للعملة، أما الوجه الآخر فهو أنه لا يوجد في الحقيقة قطاع خاص حقيقي مستقل يمكنه أن يستوعب القادمين إلى سوق العمل، فهو تابع لإنفاق الدولة، وفي كل الأحوال لا يستطيع ذلك القطاع أن يجاري الوظيفة الحكومية في كرم الرواتب، ولا أيضاً في "التسيب" الوظيفي.  
 هي دائرة مغلقة لا يمكن كسرها بتحليل أحادي يعتقد أصحابه أنهم وحدهم من يملكون الحقيقة للواقع الكويتي الريعي، فلا يجوز النظر إلى الأمور من زاوية واحدة، أي قراءة رأي الصندوق على أنه وصفة طبقية تزيد من تعاسة البؤساء وتتناسى أصحاب الثراء، فالحديث ليس جديداً، بل مضى عليه عقود طويلة منذ التحرير قبل عشرين عاماً تقريباً، وهو حديث يترجم اليوم مسرحية "الكويت سنة 2000" القديمة لمَن يذكرها، والتي تتناول بأسلوب ساخر حال الكويت حين ينتهي عصر النفط، فليس صندوق النقد وحده من قرأ وحلل واقع الدولة، فعشرات ومئات المقالات تحدثت عن الأمر ذاته كتقارير الشال إلى آراء العديد من المختصين الاقتصاديين الذين نبهوا إلى خطورة الاعتماد على النفط كمصدر يتيم للدخل القومي، وحذّروا من تنامي باب النفقات العامة في باب الأجور والدفاع وغيرها من أبواب التبذير، فقد كانت نفقات الباب الأول "للمكاريد" وهو حصتهم من الثروة النفطية، وباب مخصصات الدفاع وأبواب المناقصات للمحظوظين من أهل اليسر، وهو حصتهم الوراثية، لكن، في كل الظروف، لم يستمع أحد من السلطة لأجراس الخطر التي تقرع، والتي نبهت مرات كثيرة إلى ضرورة الاستثمار في الإنسان بالتعليم الجيد وباحترام قيم العمل كخلاص وحيد لضمان مستقبل مجهول.
 المجهول لم يعد مجهولاً، فالدراسات في الخارج، والله أعلم، تتكلم بإسهاب عن النفط الحجري والغاز اللذين يكتشفان ويستخرجان في الولايات المتحدة، وبالتالي لن يكون هناك حاجة إلى سلعتنا الوحيدة. وفي الداخل، لم يعد الكلام عن البطالة، مهما كانت بسيطة، اليوم أمراً غير معروف، فهي تتزايد، والدولة تقر بعجزها عن استيعاب القادمين إلى سوق العمل الإداري، فهي تقر بأنه ليس عندنا غيره في إقطاعيات الورق والتواقيع والواسطات والمحسوبيات في التعيين والترزق من باب الوظيفة العامة.
 أي مشروع يقدم من السلطة، المنقسمة على نفسها والغارقة في خلافاتها، نحو إلغاء الدعم وزيادة الرسوم وربما فرض ضريبة تصاعدية، مع تقليص فرص العمل في الوظيفة العامة، سيكون كارثياً على أمن البلاد، حينئذ قد تفكر السلطة في إنهاء الحالة "شبه الديمقراطية" بالدولة ويصير الأمر حكماً مطلقاً مثل حال بقية الأشقاء، حتى يمكن أن تواجه عصياناً مستقبلياً، لا يتعلق هذه المرة بالصوت الواحد بالمجلس، بل بأرزاق الناس وقوت يومهم، و"قد" (الاحتمالية) تفكر السلطة في فتح أبواب الديمقراطية على مصاريعها وتقول للناس تحمّلوا مصيركم فلن أتحمله وحدي، وهذا مستبعد عن فكر الجماعة، لكن لا يمكن نفيه تماماً. وفي كل الأحوال، فبداية التحضير للغد "المعروف" هو، كما نكرر، أن تبدأ السلطة بنفسها وتشرع في إصلاح حالها، حتى يتقبل الناس فيما بعد ما يُطلَب منهم من تضحيات، وسيكون من الأفضل التحدث عن الشروع في إنهاء دولة الفساد قبل الحديث عن نهاية دولة الرفاه.
احمد الصراف

خدم ومعازيب

أظهر الشعب الياباني، خلال الكارثة النووية والبيئية التي ضربت بلادهم قبل سنوات قليلة، تضامنا اجتماعيا وتراحما فريدا من نوعه، وهو تصرف ليس ببعيد عن أخلاقيات شعب صنع المعجزات في مجالات عدة، ونجح في خلق أمة تنافس أكبر الدول الصناعية، وتصبح فوق ذلك قدوة لغيرها. وساعدها ثراؤها المادي والثقافي في التصرف بمنتهى الانسانية أثناء فترات الكوارث، وهذا ما لا يمكن توقع حدوثه مع شعوب كثيرة أخرى، أقل حظا منها.
تقول الصديقة «مارتين»، زوجة سفير هولندا في مانيلا، إنها عاشت تجربة العاصفة الهائلة التي ضربت الفلبين، ورأت مدى ما خلفته من دمار، وقالت إن المشكلة لا تكمن فقط في حجم الخسائر البشرية والمادية، بل في هاجس الخوف الدائم الذي يعيشه سكان آلاف الجزر الفلبينية عن موعد العاصفة التالية! فغالبية تلك الجزر تقع في ممر مئات العواصف العاتية، التي تأتي من الشرق، وبالتالي ستستمر ويلات هذه المنطقة الى الأبد. ويقول الصديق بنجامين إنه شعر بتأثر عميق، ليس فقط لما أصاب تلك المنطقة من كوارث، بل للتصرف الإنساني الذي بدر من اثنتين من العاملات معه، من سكان تلك المنطقة المنكوبة، فقد قام، وكل فرد من أسرته، بما يمليه عليهم الواجب في تقديم المساعدة لهما لإرسالها لأهاليهما، ولكنه عرف، مصادفة، أن المبالغ التي دفعوها لهما قد تم توزيعها على أهالي القرية التي تنتميان إليها، ولم يقتصر صرفها على عائلتيهما. وقال إنه لم يكن ليصدق لو لم يتصل به صديق مشترك ليخبره بمثل ما حصل معه مع خدمه. وختم اتصاله بالقول إن هؤلاء الذين نعتبرهم في قاع المجتمع، ونعاملهم وكأنهم أدنى مستوى منا، قد تصرّفوا بطريقة أكثر انسانية من الكثيرين! وطلب مني البحث في الموضوع، وهذا ما قمت به بالفعل وسؤال من يعملن لدي عن مدى استعدادهن لمشاركة آخرين، من أقرباء وجيران، في مبالغ المساعدات، فقلن بأنهن غالبا ما سيطلبن من أهاليهن مشاركة الآخرين بما جمعن من أموال ومساعدات عينية! وطبعا هذه ليست قاعدة، وإن كانت، فلها استثناءاتها! ولكن الجميل أن يصدر مثل هذا التصرف، أو ما يقاربه، ممن لا نهتم عادة بمشاعرهم، فهم في عيوننا خدم ونحن سادة، أو «معازيب»! ولكن هل حقا، كما ندّعي، نمتلك رحمة وكرماً أكثر منهم، كوننا أفضل الخلق؟

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

رئيس وزراء جديد

الذي  شاهد سمو الشيخ جابر المبارك في جلسة الاستجواب الأسبوع الماضي وكيفية تعامله مع الأحداث يشعر بأنه أمام رئيس وزراء جديد وشخصية جديدة لم نتعود عليها من سموه! فقد كان متحدثاً بجرأة غير مسبوقة وبنبرة تحد لم تُعرف عنه، وأكد هذه الشخصية الجديدة بالمؤتمر الصحفي الذي عقده مع رؤساء التحرير، حيث برزت فيه صفات قيادية مثل الحزم والإصرار والثقة بالنفس، وهي صفات مطلوبه في كل قيادي!
هذه الشخصية الجديدة لرئيس الوزراء ليس بالضرورة أن تكون إيجابية على صاحبها، بل من الممكن ان تكون نذير شؤم ودمار ان لم نحسن تسخيرها فيما ينفع البلد ويحافظ على ثوابته واركانه! فنيرون كان جبارا ومع هذا حرق روما، وهتلر كان عبقريا شجاعا ولكن تهوره دمر نصف الكرة الارضية، وسيئ الذكر صدام حسين لم تكن تنقصه الشجاعة والبلاغة ولكن كل هذه الصفات لم يسخرها هدام العراق لبناء بلده والمحافظة على أمنه، بل استخدمها لتدمير العراق العظيم وتقسيمه واحتلاله من قبل اعدائه! اذن، نحن في حاجة الى فهم للواقع وادراك لما تحتاجه الديرة اكثر من حاجتنا الى شخصية قوية وصاحبة قرار، ولكن اجتماع الاثنين امر لازم لاي نجاح وازدهار.
ولنأخذ مثلا ما حصل في جلسة استجواب النائب العدساني لسمو رئيس الحكومة، فبلا شك ولا ريب ان الاستجواب مملوء بالشبهات الدستورية، ولكن تصرف المجلس والحكومة في كيفية التعامل معه قلب السحر على الساحر، وجعل الحق بيد الجاني، وركّب المجني عليه اركان الجريمة! فالذي يقرر ان كان الاستجواب دستوريا من عدمه، اما المحكمة الدستورية بحكم دستوري تصدره هيئتها، وإما مجلس الامة بقرار بعد الاسترشاد برأي قانوني مدعم بالادلة والمسببات من اللجنة المختصة وهي التشريعية! ولو استغلت الحكومة الاغلبية التي بحوزتها لتمكنت من الوصول الى ما تريد من دون ان تُتهم بتجاوز الاعراف البرلمانية وتفريغ الأداة الدستورية من قيمتها الرقابية! ولكن الذي حدث هو سابقة برلمانية لو اصبحت عرفا لتم تحجيم الدور الرقابي لمجلس الامة، ولاصبح البرلمان في الكويت ذا صبغة استشارية اكثر منه برلمانا حقيقيا يمثل ارادة أمة..!
اذن، نتمنى من سمو الرئيس الذي اسعدنا بهذه الكاريزما الجديدة ان يسخر طاقته وقوته ونفوذه في المحافظة على الثوابت الدستورية المتعارف عليها، ومكتسبات الامة التي ما زلنا نتفاخر بها عند الآخرين! خصوصاً ان خصومه لن يألو جهداً في ازعاجه وتشويه أدائه، سعياً لانهاء حقبته بالفشل، واتمنى عليه ان يدرك ان خصومه لن يترددوا في تدمير البلد من اجل تشويه مسيرته، ولعل ما حصل بالامس من اثارة للفتنة الطائفية في بعض المناطق، ليؤكد ما ذكرته من انه يواجه خصماً لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً.
فلا يخسر الصديق الصدوق المخلص، وهو اصلا قد خسر العدو اللدود مسبقا! نظرة سريعة إلى احداث الفتنة الأخيرة والى من اوقد نارها وزاد من لهيبها سنعرف جميعا من يحركها وماذا يريد منها، فهل نستوعب الدرس؟!