محمد الوشيحي

قوة الوجه…

ماشي، دع كل هذه الأمور على الرف، وتعال معي نبحث عن مصدر "قوة الوجه" لبعض هذه العينات من البشر. وقوة الوجه، لمن لا يتحدث حديثنا ولا يكذب كذبنا، هي البجاحة بلغة المصريين، وهي الصفاقة بلغة العدنانيين، وهي "أن تكذب عمداً، وتعلم أن الناس يعلمون أنك تكذب ولا تبالي".
ولم أرَ "قوة وجه" في طول الأرض وعرضها، كما رأيتها في بعض السياسيين في الكويت، ممن نسميهم هنا "بتوع الباشا"، ويسميهم عباس الشعبي "الانبطاحيين".
أعضاء هذا الفريق كانوا يرفعون شعار "نبيها هيبة"، كلما أراد نائب استجواب وزير من أسرة الصباح الحاكمة،  قبل أن يرفعوا السقف لخيالهم، ويتهموه بما هو أبعد من ذلك وأشد وأنكى، فيستيقظ النائب من نومه ليجد نفسه متهماً بالتخابر مع قطر وإسرائيل وبوركينا فاسو، بهدف قلب نظام الحكم على جانبه الأيسر… واليوم، يطالب أعضاء هذا الفريق، بكل "قوة وجه"، باستجواب أقرب وزير، ويركزون على استجواب الوزراء الشيوخ المنتمين إلى أسرة الحكم!
وكانوا يتهمون كل من تسول له نفسه تقديم استجواب لأحد من أعضاء الحكومة بأنه "مؤزم"، يضع العصا في العجلة، ويستخدم الخازوق في أماكن أخرى في جسم التنمية، واليوم، لا تكاد تمضي دقيقة في حال سبيلها، إلا وفيها استجواب هنا، وتهديد باستجواب هناك.
كان أعضاء فريق "قوة الوجه" يمسكون بالاستجواب، ثم يلوحون به، كما يفعل أطفال الحجارة، ويلوحون ويلوحون ويلوحون، ثم يرمونه إلى أبعد مدى، فيصطدم بالجدار فيتفتت، وقد يشطبونه، ويغسلون المكان من بعده بالديتول… واليوم، وبكل قوة وجه، يتباكون على شطب "محاور" استجواب! وهو أمر نوافقهم عليه، لولا تاريخهم وأرشيفهم.
هو فريق يضم، فيمن يضم، نواباً، وشيوخ قبائل، وعمداء عوائل، وديوانيات يجتمع فيها ذاك وذياك، وكانت "بياناتهم" تنهمر على رؤوس الناس، قبل أن تتجمع قطراتها وتشكل سيلاً عرمرماً عظمظماً يقتلع الاستجوابات والأشجار والأحجار والوطنية وصفاء النية… واليوم، ورغم كل هذه الاستجوابات، جفت غيومهم، وأمحلت أراضيهم، فلا بيان، ولا إعلان، ولا قطرة، ولا مطرة. والحمد لله أنهم لم يصدروا بيانات تنادي باستجواب الوزراء، والوزراء الشيوخ تحديداً.
كانوا يندبون ويلطمون ويحثون التراب على وجوههم حزناً عقب كل مسيرة قامت لأهداف وطنية، واليوم ينظمون مسيرة لأسباب طائفية قحة، دون أن تسقط من وجوههم قطرة عرق واحدة! وكانوا يمزقون هدومهم إذا خرجت مسيرة لنا أثناء وجود ضيوف لسمو الأمير، واليوم يرتبون صفوف المسيرات، وكأن ضيوف المؤتمر الحالي أتوا لشراء سيارات مستعملة من "سوق الحراج"! ويا للهول وأبي الهول.
حسن العيسى

كلاكيت ألف… فراش البلدية هو المسؤول

هذه المرة يمكن تغيير "كليشيه" المقولات الرائجة في سوق السياسة الكويتية، فبدلاً من ترديد عبارة "شيوخ يستجوبون شيوخاً"، والحكومة تستجوب الحكومة، يصح شرعاً أن نقول الآن، وبعد حادثة إزالة موكب (كشك، كيربي، خيام…!) عبدالله الرضيع في ذكرى عاشوراء، براحة تامة، إن الحكومة تدين الحكومة، كما جاء في خبر موقع الآن الإلكتروني، فقد استمع مجلس الوزراء بالأمس "… إلى تقرير قدمه وزير الدولة لشؤون الإسكان وزير الدولة لشؤون البلدية سالم الأذينة عن الأحداث التي صاحبت قيام بعض العاملين في بلدية الكويت مؤخراً بتصرفات مستنكرة تنطوي على استفزاز غير مبرر لمشاعر إحدى شرائح المجتمع الكويتي، وذلك في إطار تنفيذ إزالة الأكشاك التي تمت إقامتها في ذكرى عاشوراء…"! ما هذا؟ حكومة تستنكر عملاً حكومياً قامت به إدارة حكومية وتصفه بأنه استفزازي لمشاعر "إحدى شرائح المجتمع"، الحكومة هنا لم تنتظر رأي لجنة التحقيق التي شكلت كما كتبت هذه الجريدة، بل سارعت وأصدرت حكمها "بعبثية" إجراءات البلدية في قرار الإزالة… لا يهم هذا، فعشوائية القرارات والقوانين في هذه الدولة، التي تستعصي على الفهم، في عهد هذه الحكومة ومعظم الحكومات التي سبقتها، ليس بالسابقة الأولى، وليست بالأمر الغريب، فلنترك هذا جانباً الآن، فالضرب في الميت حرام، وقد أسمعت لو ناديت حياً لكن…
على الساحل الحكومي المضحك الآخر، نجد أن هناك اتهامات متبادلة بين مدير البلدية "الصبيح" والوزير "الأذينة" في تحمل مسؤولية قرار الإزالة، والعسف في تطبيق القانون (إن كان لدينا قانون بمعنى صفاته، كالعدل، والثبات واليقين، والعمومية والحياد)، وكأن الاثنين، الوزير والمدير، يتحدثان من معسكرين متخاصمين، أين الهرمية القانونية وتدرج سلم السلطات في إصدار القرارات، وأين تبدأ سلطات أي مسؤول في هذه الدولة وأين تنتهي؟ ومن سنصدق الآن الوزير أم مدير البلدية؟
بتلك الصورة المعيبة، تسير الأمور في البلد، بهذه الفوضى السياسية والإدارية تدار الدولة، ورغم كل التكرار لا يظهر أن هناك من يتعلم، ولا يبدو أن هناك من يستفيد من بدهيات التجربة والخطأ كي لا يعاد تكرار الخطأ نفسه… أما أصبحت مثل هذه المواضيع في الكتابة مكررة لدرجة السماجة في حظائر "المسموح الصحافي" فلم يعد هناك جدوى من التكرار؟ فجلود المسؤولين أضحت ثخينة لا ينفع معها هذا النقد المدجن، وبطبيعة الحال، لن تهزها تلك الرقابة الشكلية لنواب السلطة التابعين، ويبقى سؤال واحد لابد أن يجد "بخصاء" الدولة إجابته، وهو، كيف يمكن لتلك العقليات البسيطة التي تمسك بزمام الأمور في الدولة أن تحل قضايا وتحديات سياسية واقتصادية عويصة قادمة دون شك؟ ماذا ستفعل غداً إذا وقعت الكارثة؟ هل ستقول حينئذٍ إن فراش البلدية كان هو المسؤول…؟ شر البلية ما يضحك.