في مواجهة كل خطابات الكراهية وشعارات رفض الآخر، كتب لي القارئ ن. الملاك يقول إنه كان في زيارة عمل لمدينة بنغالور الهندية، عاصمة التقنيات الدقيقة والعالية في الهند، وهناك سمع، عن طريق الصدفة، بوصول 25 طفلاً عراقياً، تتراوح أعمارهم بين السنتين والثمان سنوات لمستشفى الدكتور «شتتي» لجراحة أمراض القلب. وقال إنه قرر، انطلاقاً من حسه الإنساني والوطني، زيارة المستشفى، بالرغم من كل ما سيعانيه بسبب طول وسوء حالة الطريق للمستشفى، للالتقاء بهؤلاء الأطفال وذويهم، وما إن وصل إلى هناك حتى شعر بأن الأمر كان يستحق كل ما تعرض له من مشقة، فقد نجح في رسم الكثير من البسمات على وجوه متعبة ومريضة تشعر بحنين لوطنها وأهلها، وبحاجة إلى التشجيع وبث الأمل فيهم، كما قام بالمساعدة في ترجمة متطلبات مرافقي الأطفال المرضى لإدارة المستشفى. وقال الملاك إنه سعد كثيراً بلقاء مدير مشروع المستشفى الدكتور الكبير «دافي شتتي» Dr. Davi Shetty والذي سبق أن كان طبيباً للأم تريزا قبل رحيلها! ومن منطلق حسه الإنساني تبرع بعلاج قلوب أولئك الأطفال العراقيين دون مقابل. وقال الملاك إنه سعد جداً بلقاء ذلك الدكتور، والذي كان يقوم بعمله بروحية لم ير مثلها، وعرف عنه أنه عادة ما يسأل مرضاه، أو ذويهم، عن ديانتهم، قبل إجراء العملية، فإن كان مسلماً بدأ العملية بالبسملة المعتادة، وإن كان مسيحياً يبدأ باسم الاب والابن والروح القدس، وإن كان من أي ديانة أخرى، حتى لو كان هندوسياً، أي معتقده هو، فلا يقول شيئاً، ويباشر بالعملية! ويقول إنه وجد في فناء المستشفى ثلاثة مبان صغيرة، الأول لمسجد، والثاني لكنيسة، والثالث لمعبد هندوسي! وانه شاهد الكثير من موظفي أو زائري المستشفى يدخلون معبدهم ويخرجون منه وهم يبتسمون، ويلتقون في الفناء المشترك ويتصافحون بسلام ومودة وليس بينهم أي نوع من العداء أو الكراهية، وتساءل، وهو العراقي الذي أحرق التطرف الديني والطائفي قلب بلاده وقطع شرايين وطنه، تساؤلاً بحرقة، يا إلهي، أين نحن من هؤلاء البشر؟
لعلم الصديق الملاك فإن د. دافي (مواليد 1953) جراح قلب شهير، ونال تدريبه في مستشفى «غاي» العالمي في بريطانيا، وكانت أول عملية قلب له مع طفل لم يتجاوز الـ 9 أيام من عمره، انتقل بعدها إلى مدينة بنغالور الهندية في نهاية الثمانينات، وأسس مستشفى مانيبال الخيري، وقام والد زوجته، وهو طبيب عالمي معروف ويحمل الاسم نفسه، بتمويل عملية بناء المستشفى، والذي تم تأسيسه على فكرة أن في الإمكان إجراء عمليات قلب بأقل من تكاليفها الحالية العالية من خلال اتباع أساليب إدارة حديثة واستخدام أفضل للمعدات الطبية الغالية، وإطالة عمرها الافتراضي وتقليص النفقات. وقد لاقت فكرته المتمثلة في بناء مستشفيات عملاقة في جزر قريبة من الولايات المتحدة، وإجراء عمليات قلب فيها بربع كلفتها في أميركا، لاقت معارضة شديدة، وخلقت ضجة كبيرة. ويقول د. شتتي إنه بصدد جعل خدماتهم متوافرة في كل ركن من القارة الهندية! وهكذا نرى بشراً يعملون وينتجون ويخترعون ويقدمون مختلف الخدمات مجاناً لغيرهم، وأغلبنا يكتفي بالجلوس على مؤخرته، وشتم ولعن وتكفير العالم!
أحمد الصراف