سأستسلم وأقول إن جميع المقترضين لم يقترضوا لقضاء إجازة أو سيارة فارهة أو مضاربة بالأسهم، بل اقترضوا لتلبية احتياجات أساسية لا غنى عنها كالسكن والتعليم والصحة، لم تكفهم رواتبهم وغلاء المعيشة لتغطية هذه التكاليف، فاقترضوا واكتووا بنار الفوائد والاستقطاع الشهري من رواتبهم. وسأتجاوز أيضاً عن قضية اختفاء العدالة في قضية إسقاط القروض أو فوائد القروض، وأعتبرها قضية مفصلية تثقل كاهل عدد كبير من المواطنين ولا بد من معاملتهم معاملة خاصة دون النظر إلى من لم يأخذوا أي قرض أو سددوا التزاماتهم. وسأقر أيضا بأن المستوى التعليمي والأكاديمي لنواب مجلس ديسمبر بلغ مستوى مرموقا وعالياً إذا ما قورن بمجالس سابقة. قبلت بكل ذلك ولكن هل من عاقل يخبرني كيف تخلصنا معالجة النتيجة من الأسباب؟ فإن أسقطت القروض أو فوائدها فهل ستتحقق الاحتياجات الأساسية التي افترضنا أن المواطنين اقترضوا من أجلها؟ كيف ستُحل المشكلة الإسكانية بإسقاط القروض أو الانحدار التعليمي أو التردي الصحي؟ الواضح بل الواضح جداً أن نواب ديسمبر بل أي نائب سابق أو حالي طالب بإسقاط القروض هو شخص لا يملك رؤية ولا حلولا لمشاكل البلد، بل هو أسوأ من كل حكومات الكويت أيضا ويدفع الرشوة من أموال الدولة للوصول إلى المجلس مجدداً بحجة أنه ساهم في إسقاط القروض. أعلم جيدا ويعلمون أن حلول مشاكلنا سهلة وفي شتى المجالات، فتحرير أراضي الدولة وتحويل الكويت إلى مدن منفصلة بهيئاتها وجامعاتها ومبانيها الحكومية دون الحاجة إلى التوجه إلى مدينة الكويت كل يوم كفيل بحل المشكلة الإسكانية وإعادة أسعار العقار إلى وضعها المعقول، ونملك الأموال للقيام بذلك بكل يسر، لكن لا أحد يفعل ذلك. وأعرف جيدا أن ٦ مستشفيات إضافية تغطي مختلفة مجالات العلاج توزع على كل محافظة كفيلة بتخفيف الطوابير واللجوء إلى المستشفيات الخاصة وتوفير العلاج اللازم في أسرع وقت، ونملك المال لتحقيق ذلك بأسرع وقت لكن لا أحد يقوم بذلك. وأعي جيداً أن تقويم المناهج ورفع مستوى المعلم سيجعلان أولياء الأمور ينصرفون عن التعليم الخاص، ويعودون إلى المدارس الحكومية، وهو أمر لا يتطلب إلا أصحاب اختصاص يقومون انقلاب الهرم التعليمي الذي تحدث عنه الراحل أحمد الربعي في بداية التسعينيات، ومن الممكن أيضا تحقيق ذلك بفترة وجيزة، ولكن لا أحد يقوم بذلك. كل ما يحدث اليوم من الحكومات والمجالس المتعاقبة هو جعل المواطنين أسرى لهم، وتثقل كاهلهم الديون لتلبية أهم الاحتياجات، فيسدد المجلس أو الحكومة ديونهم من أموال الدولة، ويشعر المواطن بالعرفان تجاه المجلس أو الحكومة فيجدد لهم البيعة، ويقترض مجدداً وتدور الدائرة مجدداً، وهو ما يريده كل متنفع من منصبه. كما قلت في مقالات سابقة فإن أزمتنا "أزمة أخلاق" و"سيستم غلط"، وطالما نحن منصرفون عن تعديل هذين الأمرين فلن تستقيم الحال.