أقنعني صديق قبل بضعة أشهر باستخدام التويتر في نشر مقالاتي، وقد اصابني توتر شديد من التويتر بعد أن رأيت التصاعد غير العادي في عدد متابعي مقالاتي، واصبح الأمر بعد فترة قصيرة فوق طاقتي، إن من ناحية قراءة ما يرسلونه من مواد، أو الرد عليهم! ولكن مع الوقت تبين لي أن في الأمر ما يريب، فلا يمكن لمن يحمل مثل هذه الأسماء الغريبة أن يكونوا من القراء اصلا، دع عنك قراء مقالاتي أنا بالذات! فالتسميات التي اختارها الكثيرون لأنفسهم وأشكال وصور بعضهم لا تدل على أي أمر جدي، فهذا اسمه «الناقة العرجاء» والآخر «النمر الأصفر»، والثالثة «فتاة الحي الأغبر»، وهكذا. كما لاحظت أن البعض منهم لديه ما لا يقل عن 60 ألفاً أو 100 ألف متابع، وهذا امر لا تحققه افضل مطبوعة عربية على النت، وتذكرت الفضيحة «الأخلاقية» التي وقع فيها بعض الدعاة في الكويت والسعودية قبل فترة قصيرة، عندما قبض عليهم متلبسين بالغش في عدد متابعيهم، إذ وصل عددهم للملايين! ولو صدقت أرقام هؤلاء لكان معنى ذلك أننا شعب لا يود التوقف عن القراءة، حتى وهو يقضي حاجته في دورة المياه! ما شككني في الأمر نص رسالة إنترنت وردتني تعلقت بعرض لبيع متابعين، والدفع بعد التجربة، وأن الاتصال به مفيد! كما زودني «المنحوس» برقم حسابه المصرفي، وقال إنه «يبيع» المتابعين الآن، وهم من العرب فقط، ولكنه سيقبض فيما بعد! ولمن يهمه الأمر يمكنني تزويده بعنوان المنحوس فلديه من «الخرطي» الشيء الكثير! وقد قمت فور قراءة رسالته بفتح حسابي على التويتر وشطب مئات من اسماء مدعي متابعة موقعي أو مقالاتي، واحتفظت بعشرين اسما فقط. وما إن قمت بذلك حتى هبط عدد متابعي ما أرسل من بضع مئات إلى أقل من النصف. فيا من تتابعون البعض على التويتر لا تغرنكم أرقام المتابعين، فهذه لها سوق تباع وتشترى فيه، ويبدو أن وضعنا، مع الفارق، يشبه وضع العالم ألبرت اينشتاين الذي استقل يوما قطارا، وعندما جاءه مفتش التذاكر، (الكمسري)، اكتشف أنه اضاع تذكرته، ولم تجد محاولات البحث عنها في جيوبه وحقيبة يده عن شيء! وهنا نظر له المفتش وقال له باحترام: ايها السيد اينشتاين، أنت شخص معروف وأنا اصدقك عندما تقول إنك اشتريتها ولكن أضعتها. شكره العالم الكبير وعاد لكرسيه! وبعدها بلحظات شاهد المفتش أينشتاين وهو جاثم على ركبتيه يبحث عن التذكرة تحت مقعده، فهرول صوبه وساعده في الوقوف قائلا: يا سيدي لا تكلف نفسك فأنا لم اشك لحظة في أنك اشتريت التذكرة، فلا تقلق! وهنا نظر له العالم الكبير وقال له، ولكن هناك ما يدعو للقلق، فأنا ابحث عن التذكرة ليس لأثبت لك أمانتي بل لأعرف منها اسم المحطة التي أقصدها! وهكذا نحن نشتري التذاكر ونشترك في الانترنت والفيسبوك، ولكن قلة فقط تعرف إلى اين هي متجهة! ومؤسف دورنا السخيف في اشغال الفضاء وإرباك كل وسائل الاتصال الاجتماعي بكم هائل من الثرثرة السخيفة، ليس لمنفعة أو حتى متعة، بل لكي نثبت بأن «أهميتنا» تكمن في عدد متابعينا وقرائنا، ولا يهم بعدها إن كنا نعرف كيف نكتب اسماءنا بطريقة صحيحة أم لا، فلدى غالبيتنا تذاكر، ولكن قلة فقط تعرف إلى أين يتجه بها قطار الحياة.
أحمد الصراف
www.kalama nas.com