التقيت في عمان عند السفير الكويتي النشط د.حمد الدعيج ـ اكثر الله من امثاله المخلصين والنشطين ـ بدكتور فلسطيني فاضل كان يعمل في جامعة الكويت وساهم في اخراج ملفاتها، واعطاني مقالا كتبه في الصحافة الاردنية عام 1990 لا اعتقد ان احدا من شعبنا قد اطلع عليه، وهو بعنوان «الكويتيون ومعارك باب الواد سنة 1948»، والمؤسف ان الدكتور الفاضل لم يضع اسمه على المقال كما غاب عن بالي اسمه كوني التقيته مع جمع كبير من الحضور، واليكم المقال الشائق الذي يستحق القراءة كونه يظهر شجاعة الكويتيين في معارك 1948 في فلسطين ومعها شجاعة الاخ الفلسطيني الذي كتب المقال في اجواء عام 1990 العاصفة والمعادية:
***
«كلمة حق، منصفة للتاريخ، بعيدة عن التهويل والادعاء، حين يكتب تاريخ الفترة المعاصرة، سيكتب بأحرف من نور وسائل الدعم التي قدمها ابناء شعبنا العربي الكويتي لابناء امتهم العربية في فلسطين على جميع المستويات الشعبية والرسمية.
غزيرة هي الدموع التي تذرفها امهاتنا الكويتيات عند رؤية ام فلسطينية فزعة على ابنها الذي تفجر الدم من رأسه واذنه بعصا صهيونية حاقدة، سيل من الملامة والحسرة والآهات يتحشرج في صدور بنات الكويت حين يبصرن صبية فلسطينية في عمر الورود يجرها ذاك الحاقد الصهيوني من شعرها، فقص الشعر وتصفيفه بالايدي الصهيونية غدا نضالا، فرحة قافزة تدب في اطفال الكويت حين يشجعون برعما فلسطينيا يضرب صهيونيا ملوثا بحجره، وقل مثل ذلك عن الشبان والشيوخ، النساء والرجال.
غير ان صلة روحية حميمة نسجت مع كويتيين شاركوا وبحق وحقيقة في القتال الى جانب اخوانهم في فلسطين، خاضوا حروبا ومعارك ميدانية، حملوا هوية «ام علمين» كما يقولون، وساروا يطوون البوادي والصحاري، يلبون النداء، انخرطوا في الجهاد، قاتلوا مع كوكبة المجاهدين الاوائل، كان منهم الوقور هادئ الطبع عبدالله عايض المليحان العازمي ومطلق السنافي العازمي ومحمد دغيمان السرهيد المطيري وصالح عبدالله المزيني، اما الاول فمازال على قيد الحياة، متعه الله بالصحة والعافية، ومد في عمره المديد، اما الثاني فانتقل الى جوار ربه.
عبدالله الكويتي، وهذا هو اسمه بين جنود الكتيبة التي ينتسب اليها، شارك في معارك القدس والخليل وكفار عصيون، وقاتل بضراوة في معارك باب الواد، ترقى فغدا رقيبا في ميادين القتال، ولباب الواد ذكرى عطرة عند عبدالله الكويتي، فقد حققت المجموعة النصر، ولم يستشهد منهم الا طباخ واحد، واما خسائر الاعداء فتشهد عليها النصب التذكارية التي اقامها الصهاينة في موقع المعركة، ويقدر ضخامتها زخم قطيع المستوطنين الذين يحضرون لزيارة القبور كل سنة، يحفظ عبدالله الكويتي الكثير والكثير عن فلسطين واهلها ورجالها ومدنها، وحين وقع ما وقع وعاد ابو طلال ليواصل خدمته عند الاهل والوطن وليجبل حبات عرقه بتراب الوطن، يحدث كيف كان اللقاء حارا ومؤثرا بينه وبين رفيق جهاده مشهور حديثه، رئيس اركان الجيش العربي الاردني آنذاك، جمعهما شرف العسكرية ووحّدهما صدق الاخلاص لله والارض العربية، وكان الدعاء: باذن الله ستعود فلسطين عربية، هي فلسطين دائما، ارض الاسلام، ارض كل العرب، (…) لا يمكن ان تنسى ابن الكويت وابن الاردن وابن فلسطين، وكل ابناء العرب الشرفاء قلب واحد في خندق واحد، ويد واحدة، موحدة».
***
آخر محطة:
التقيت على العشاء في الاردن بجمع كبير من الدكاترة والمثقفين الفلسطينيين بعضهم من عمان والبعض الآخر قادم من القدس والضفة، ولاحظت ان الخلاف مازال على اشده بين الحالمين والمتشددين الاقرب لنهج حماس من جهة والواقعيين والمعتدلين الاقرب لمسار فتح من جهة اخرى، ووجدت نفسي على خلاف مع مراسل جريدة «القدس» وصاحبها عبدالباري عطوان الذي يدعي التشدد، وسألته: لماذا يكتب عطوان عن القضية الفلسطينية من لندن؟!