سعيد محمد سعيد

الأبله… الرشيد!

 

يُحكى أن رجلاً أبله عاش في زمنٍ يُقدم فيه العبيد ويُؤخر الأحرار، أراد أن يحرر العبيد مما هم فيه من خنوع وخضوع وسقوط وسوء حال، وأجمع أمره على أن يجعل من نفسه ومن أولئك البشر أناساً لهم كرامة وعزة، فيعلم السلطان ما يعلم مما آل إليه أمرهم، لكنه كان يخشى أمراً واحداً فقط وهو أنه – في قرارة نفسه – يُدرك أنه لا يمتلك القدرة على أن يُحرر نفسه من سطوة العبودية، وليس في مقدوره أصلاً أن يتكلم عن حقوق الناس وشئونهم وشجونهم، ومع ذلك، ارتاح لفكرةٍ لمعت في رأسه.

خاطب نفسه ذات ليلة قائلاً: «فليكن… إن لم يحالفني الحظ، فعلى الأقل، سأكون قد أدّيت ما عليّ من مسئولية، ونصحت لأولئك الناس، ومن بينهم الأحرار أيضاً، لكنني أعلم علم اليقين، لا أنا ولا من خضع للعبودية منذ ولادته، نحب الناصحين. بيد أنني سأطلق صرختي الأولى وسأدعو كل الناس إلى أن يقولوا: لا».

لم تمضِ سوى ساعات قليلة على فكرته تلك، إلا ورجال السلطان على باب داره.

كان حينها مستيقظاً رغم أن الليل قد انتصف. طرق رجال السلطان باب داره بقوة ففزّ هلعاً وهرع نحو الباب يفتحه فإذا بكبير العسس يخاطبه: «يا للغرابة… نحن في منتصف الليل وأنت مستيقظ؟ عهدناك مذ عرفناك أبلهاً معتوهاً نائماً في سباتٍ عميق! فما الأمر الذي جعلك مستيقظاً متنبهاً حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ عموماً، تعالَ معنا فالسلطان يريدك على الفور».

السلطان! هتف الرجل الأبله فاغراً فاه مبحلقاً في عين كبير العسس الذي قاطعه: «نعم السلطان. هيا هيا… لا وقت لدينا»، حاول أن يستفهم الأمر وأن يتبين سبب طلبه في تلك الليلة، لكن العسس جرّوه جرّاً.

كان طوال الطريق، من داره إلى قصر السلطان يضرب أخماساً بأسداس: «ترى، ما الأمر؟ وما الذي حدا بالسلطان لأن يستدعيني في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟»، وبلغ به القلق والخوف مبلغاً عظيماً حتى كاد يغمى عليه من شدة الهلع وهو يرافق العسس في الطريق فيرشّون وجهه بالماء ليفيق.

«سمعاً وطاعةً يا سيدي. هذا هو الأبله الذي أردته أن يمثل بين يديك. لم يكن نائماً كعادته، نعم كان مستيقظاً متنبهاً مسهداً يا مولاي… طلبت منا يا سيدي أن ننظر حاله إن كان نائماً أم مستيقظاً حال استدعائه فوجدناه نشيطاً لا أثر للنوم على وجهه». قال كبير العسس وحال الأبله لا يسر عدواً ولا صديقاً، يرتجف كسعفة في ليلة باردة الرياح. نظر إليه السلطان وابتسم: «هوّن عليك يا رجل. لِمَ أنت في هذه الحال من الخوف؟ هوّن عليك. يا غلام!

أحضر له شراباً ينعش قلبه. تفضل يا رجل. اقترب مني واجلس بجانبي مطمئناً مرتاحاً. هيّا تقدم».

شعر الأبله، بكل مشاعر الاطمئنان وهدأت نفسه. اقترب من السلطان فأجلسه على كرسي وثير بجانبه ثم بعد أن شرب شرابه سأله السلطان عن أحوال البلاد والعباد فقال: «مولاي. يسرك الحال… الرجال يمشون والدراهم تتراقص في جيوبهم، والنساء غاديات رائحات في الأسواق وهن يحملن العسل والفاكهة والسمن. والأطفال في السلطنة ينعمون بالصحة والعافية ويتعلمون ما ينفعهم. والتجار سعداء. الرعية في سعادة، بل حتى الحيوانات… حتى الحيوانات يا مولاي، سمينة مربربة من عظم ما تأكل من خيرات. الخير كثير يا مولاي. سلطنتكم تنعم بخير ما رأى الناس مثيلاً له أبداً».

ضحك السلطان ضحكة مجلجلة وقال: «جميل… رائع… يا لهذه الأنباء العظيمة»، ثم صمت برهة وصرخ بأعلى صوته: «وماذا عن العبيد أيها الأبله؟».

كانت صرخة السلطان، ومن شدتها، تكفي لأن ترديه قتيلاً لكنه تماسك عنوةً بعد أن سقط على الأرض يقبل أرجل السلطان: «أي عبيد يا مولاي أي عبيد. العبيد سيبقون عبيداً أبد الدهر. إن هم إلا كالأنعام… هم أرادوا ذلك… ثم يا مولاي لا عبيد في سلطنتك العامرة. هم ليسوا سوى سوقة… أو من ما ملكت أيماننا وأيمانكم يا سيدي».

رمقه السلطان بنظرة حادة وبعينين محمرتين: «هكذا إذاً… فلماذا أردت يا بُني أن تدعوهم لأن يقولوا (لا)؟ ولماذا؟ ولمن يقولونها؟».

ما أن أنهى السلطان كلامه حتى خرّ الأبله فاقد الوعي… حاول العسس أن يعيدوه إلى اليقظة فرشوا على وجهه الماء وخمشوا وجهه وسطروه و(فلصوه) فلم يستيقظ. هل مات الأبله؟ قال السلطان، فأجابه كبير العسس: «لايزال قلبه ينبض يا مولاي… فلم يمت». محاولة تلو الأخرى حتى استفاق الأبله مرتجفاً… في غفوته، كان هاتفاً يدور في رأسه متسائلاً: «كيف عرف السلطان بأمر (لا) وكل ما في الحكاية أنها فكرة دارت بين ثلاثة خلف جدران مغلقة: «عقله وقلبه وإبليس الرجيم»!

بعد استفاقته، أعاد كبير العسس عليه السؤال: «لقد سألك مولاي السلطان: من أولئك الذين ستدعوهم لأن يقولوا (لا)؟ هيّا أجب»، فما كان من الأبله إلا أن استحضر شيئاً من عبقريةٍ ما كان يملكها يوماً فقال: «سيدي السلطان…

أما والله إنني سأدعوهم لأن يقولوا (لا)… ولأنعمنك عيناً. أقسم عليك بما تحب، امنحني الفرصة لأن تسمع وترى بعينك يا مولاي ما سأفعله، ثم، لك رقبتي إن كان ما سأفعله لا يرضيك».

راقت الفكرة للسلطان رغم اعتراض كبير العسس فقال: «ستكون أنفاسك وخطواتك وخواطرك وأكلك وشربك ونومك وبلاهتك كلها تحت مرآي ومسمعي… وأيم الله، إن وجدتك في غير ما أريد… لآخذن الذي فيه عيناك».

خرج الأبله من قصر السلطان مع شروق الصباح متجهاً إلى داره عن طريق السوق. كان يعلم أن العسس في كل مكان، يحسبون أنفاسه قبل خطواته. وبينما هو كذلك، استعان به اثنان: «أيها الرجل… كن بيننا حكماً، لقد باعني هذا التاجر شوالاً من الشعير وقد وجدت نصفه فاسداً مغشوشاً، فهل من حقي أن أشكوه إلى قاضي القضاة أم لا؟»… فأجابه الأبله دون تردد: «بالتأكيد لا!». واصل طريقه فرآه قريباً له وتحدث معه قليلاً قائلاً: «لقد وعدتني يا نسيبي أن تصلح بيني وبين أهل زوجتي، وقد طال الوقت، هل ستعينني على الأمر أم… فقاطعه بسرعة قائلاً: «لا… طبعاً». شاهد في أحد الأزقة شاباً أرعن يتحرش بامرأة وهي تصرخ، جلس ينظر بعض الوقت وما أن أقبلت شرطة السوق حتى ولى ذلك الأرعن هارباً، فسأله أحد الشرطة: «تدّعي هذه المرأة أن غريباً اعتدى عليها… هل تشهد على ما رأيت؟»، فقال صارخاً مولياً: «لا … لا…

لا».

بُعيد أيام قليلة، جاءه كبير العسس مسروراً بالهدايا والأعطيات. جُن الرجل… ليس ذلك فحسب، بل دعاه كبير العسس بكل احترام وحنان ودلال ومياعة وجمبزة للقاء السلطان في التو واللحظة، وما أن رآه الأخير حتى هشّ في وجه وبشّ قائلاً: «أهلاً وسهلاً ومرحباً بالرجل الأبله الرشيد».

سامي النصف

يوم في محكمة بريطانية

وقف قبل أيام طرفا النزاع في القضايا التي رفعتها «الكويتية» على «العراقية» امام القاضي البريطاني الجليل «بيرتون» لاعلان التسوية، وبذا توقف نزيف مالي كلف الدولتين والشركتين مئات ملايين الدولارات واستمر 22 عاما، واعتبر من اطول القضايا التي نظرتها المحاكم هناك وتم من خلال صحائف المرافعات والاحكام خلق عشرات التشريعات غير المسبوقة حيث تعتمد المحاكم البريطانية على نظام «السابقة» كمبدأ لاصدار الاحكام القضائية المستقبلية.

***

ولم تكن القضية كما يعتقد سهلة وميسرة لـ«الكويتية» منذ البداية حيث لا تقبل المحاكم البريطانية رفع قضايا التعويض بأمور تختص بـ«سيادة» الدول، لذا كان على «الكويتية» ان تثبت ان الاعمال التي تطلب التعويض بسببها كانت «اختيارية» وتمت قبل صدور قرار مجلس الثورة العراقي في 17/9/1990 بمصادرة أصول «الكويتية»، تلك القضايا والاحداث اصبحت تاريخا حافلا ومثيرا يستحق ان يوثق ويدون وليس بالضرورة ان يعلن حيث امتلأ بقصص عكست بطولات ومؤامرات وحيل واعمال مخابرات لا تصدق.

***

وبعكس ما يعتقد، او ما نراه في الافلام، لا يترافع المدعون او المحامون امام القضاء البريطاني بل يتواجدون في المحكمة وينوب عنهم من اختاروه ممن يسمون بمستشاري الملكة (Q.C) وهم من يتم اختيارهم بعد اجتيازهم امتحانات صعبة من بين المحامين، لذا فهم اذكى وافضل العاملين في تلك المهنة، والذين يصبح كثير منهم قضاة في وقت لاحق. أمر أثار استغرابي هو شباب إنجليز صغار يدفعون امامهم ناقلات كالموجودة في سوق الخضار لدينا محملة بالكراتين بين قاعات المحاكم، والسبب ان القاضي ما ان يشير الى ما هو مكتوب في ملف ما للقضية حتى يرجع الاطراف لذلك الملف الموجود في الكراتين.

***

ومن المحاكم الى مكاتب كبار المحامين في بريطانيا حيث يعمل بها كذلك اذكى وأفضل العقول، وهو للعلم ما طالبنا مرارا وتكرارا بعمله في الكويت حيث يجب الا يقتصر توجيه العقول الكويتية الذكية الحائزة أعلى النسب في الثانوية لدراسة الطب والهندسة والصيدلة فقط بل يجب توجيه بعض تلك العقول الذكية للحصول على شهادات عليا في القانون من جامعات مثل «السوربون» و«هارفارد» و«ييل» و«اكسفورد».. الخ، بعد ان يعطوا الفرصة للعمل في بلدان الابتعاث لسنوات طوال، كما يجب ان يمتد الأمر لارسال أفضل العقول لدراسة الاقتصاد والجيش والشرطة، فبلدنا في أمس الحاجة للعشرات من امثال دبدوب في الاقتصاد وشوارزكوف في قيادة الجيش وبراتو في قيادة الشرطة.. الخ.

***

آخر محطة: الدعوة للعصيان المدني خلقت لاستخدامها ضد قوى الاحتلال والاستعمار الاجنبي وليست ضد مصلحة الاوطان، لذا لم نسمع قط بالدعوة لمثلها في الدول المتقدمة كونها دعوة تتسبب في تدمير وافلاس البلدان التي تتضرر منها الشعوب، ويسعد بها اعداء الأوطان، وقد اثبت الشعب الكويتي ذكاءه وحنكته عبر عصيانه.. لدعوة العصيان المخربة.. والملوثة!

 

احمد الصراف

القبانجي مفكر العراق

أثار خبر اعتقال مخابرات إيران للمفكر العراقي المعمَّم السيد أحمد حسن القبانجي عاصفة من الاستنكار في عدة أوساط لما للرجل من مكانة كبيرة في قلوب محبيه، ولما يعنيه اعتقاله في دولة لا تؤمن بالتسامح ولا بحرية الرأي لمواطنيها، فكيف بغيرهم. يعتبر القبانجي مفكرا دينيا وصاحب مؤلفات عدة في هذا المجال، ولد في النجف ودرس الفقه الإسلامي الشيعي في حوزتها عام 1974، ولكنه غادر العراق عام 1979 هربا من حكم صدام، واستقر في إيران حيث أكمل دراسته في قم، وعاد للعراق في 2008 ليتعاون سياسيا مع المفكر والمعمّم الآخر إياد جمال الدين! وقد تبين من مكالمة أجراها صديق مع مكتبه في العراق ان السلطات الإيرانية ألقت القبض عليه، بعد عودة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القاهرة، حيث اشتكى له الإخوان من خطورة الفكر الذي يروّج له القبانجي، وانه ينتحل شخصية غير حقيقية، لكي يحمي نفسه من الاعتقال! سعى القبانجي في كتاباته وخطبه المنتشرة على «اليوتيوب» لصياغة إسلام مدني ينسجم مع حقوق الإنسان. كما دعا لرفض التمسّك الحرفي بالنصوص لكي يمكن مواكبة التقدم المعرفي للإنسان، وأن البقاء ضمن التفسيرات الحالية سيساهم في تأخر المسلمين! يصف البعض أفكار القبانجي بالعقلانية والانفتاح والتجديد وكمحاولة لإخراج الدين من أسر التفسيرات التقليدية، التي أدت لتشجيع التطرّف واللاتسامح. ولكن آخرين يرون أنه يهدف إلى العكس، ومن هؤلاء أسرته، وشقيقه الأكبر القيادي في تجمّع ديني كبير في العراق! علما بأن السيد أحمد، مع «ليبراليته» لا يزال مصراً على مخالفتها في أكثر من تصرف وقول، كما أنه يعترض على مبدأ ولاية الفقيه. وبالرغم من أن القبانجي وضع العديد من المؤلفات والتراجم، فإن أحاديثه وخطبه المسجلة على «اليوتيوب» تعطي فكرة أفضل عن حقيقة تفكيره الحديث، المخالف لما سبقه. ويقول الزميل العراقي عدنان حسين عن اعتقال القبانجي إنه ليس الأول، ولن يكون الأخير، فتاريخنا العربي الإسلامي، كما تاريخ أوروبا وأمم أخرى في عصورها المظلمة، حافل باضطهاد العلماء والمفكرين والأحرار، والآن ينضم القبانجي إلى كوكبة مفكري الأمة، الذين صادفوا العنت والطغيان في حياتهم، وأعيد الاعتبار إليهم بعد مماتهم، الذي تم في الغالب بشناعة! أما الزميل العراقي الآخر علي حسين فيقول إن محاضراته ومداخلاته الجريئة وصراحته التي لا حدود لها، هي التي فتحت باب جهنم عليه، إضافة لما قام به من تحليل دقيق لفترات حرجه من تاريخ الإسلام التي دائما ما كانت تغلف بخطب صاخبة، وهذا دفع البعض لاتهامه بالكفر، وتقف أحزاب دينية وراء هذا الاتهام، فهي لا تتحمّل الخوض في التاريخ! وإن القبانجي امتداد لمفكرين أحرار سعوا إلى بث المعرفة العقلية بين صفوف الناس.. ويقول فيه الزميل جعفر رجب: هل خلت السجون في طهران، حتى يملؤوها بالمفكر أحمد القبانجي؟ لا شك لم تخلُ السجون، وما زال سجن ايفين يستقبل، ولكنها محاولة منهم لتثقيف السجناء، فالسجن هو المدرسة الوحيدة التي تعلم الأنظمة القمعية. القبانجي مفكر حمل همه وتحدّث بصدق بكل ما يؤمن به، نتفق معه حينا ونختلف أحياناً، لكنه لم يحمل يوما السلاح ليقتل، ولم يحرّض على القتل والتفجير والانتحار، ولم يوزع الخرافات على الناس ليوصّلهم إلى الهلاك، ولم يدخل الشباب أفواجا إلى الموت ليحصل هو على نعيم الدنيا، ولم يسرق الناس قوتهم باسم الدين، ولم ينافق الناس في أفكاره.

أحمد الصراف

عادل عبدالله المطيري

الائتلافيون × النهجيون

كثر الحديث عن انشقاقات مهمة في صفوف المعارضة الكويتية، خاصة بعد خروج الحركة الدستورية الإسلامية والتكتل الشعبي والعديد من النواب السابقين من تجمع (نهج) المعارض، ومحاولتهم الجادة لتشكيل تجمع سياسي آخر باسم «ائتلاف قوى المعارضة».

والسؤال الذي يفرض نفسه ـ ما الدواعي التي دفعت (حدس ـ والشعبي) إلى الخروج من تجمع سياسي ناجح كتجمع (نهج) الذي استطاع أن ينظم ويقود الحراك الشبابي لقرابة العامين، اسقط خلالها البرلمان والحكومة معا، وقاد بنجاح المقاطعة الشعبية لانتخابات فبراير 2012؟

ربما يكون سبب تلك الانشقاقات هو ما أشيع عن تلقي المعارضة عرضا سخيا من بعض الوسطاء السياسيين لمصالحة وطنية تشتمل على إسقاط القضايا المرفوعة ضد النواب السابقين وشباب الحراك، وكذلك بعض التعديلات المقبولة على قانون الانتخاب، مقابل إبعاد بعض الشخصيات السياسية كالنائب وليد الطبطبائي ود.عبيد الوسمي، وبعض الحركات الشبابية ذات التوجه الديني والسقف السياسي العالي!

فالنهجيون ـ نسبة لتجمع نهج ـ رؤيتهم للإصلاح السياسي طموحة وشاملة وغير قابلة للتجزئة، فهم يتبنون أفكارا مثل قانون الأحزاب والدائرة الانتخابية الواحدة والحكومة الشعبية، ولذلك لا يمكن للحكومة مناقشتهم والوصول معهم إلى تسوية مقبولة.

هنا لابد أن نؤكد على الايجابيات الكثيرة للاختلاف الأيديولوجي بين التجمعات السياسية، وكذلك الاختلاف في الأدوار الوظيفية، كأن يكون هناك تجمع سياسي مرن يفاوض وآخر أكثر تشددا، إلا أنني أخشى من نشوب صراعات سياسية بين المتحمسين من أنصار «الائتلافيون» و«النهجيون» بعضهم البعض، لأنه حتما لن يفسد التسوية السياسية ان وجدت فحسب، بل سيقضي على المعارضة السياسية إلى الأبد.

في النهاية يجب ان تسود العقلانية السياسية، ولابد من بذل الجهود السياسية للوصول الى أرضية مشتركة يرتضيها كل الأطراف، ولا ضير من بعض التنازلات من هنا وهناك لأجل الكويت.

 

حسن العيسى

مثقف السلطان ومثقف الغلبان

عندما أسمع اسم جهاد الخازن (الكاتب اليومي بجريدة  الحياة) يقفز إلى ذهني تلقائياً ومن دون تفكير مسبق اسم الراحل الكبير إدوارد سعيد، تلقائية الارتباط "الشرطي" (كما في تجربة العالم بافلوف والكلب الذي يسيل لعابه كلما دق الجرس) أساسها، وجوهر كتابات الراحل إدوارد سعيد عن مفهوم المثقف الحقيقي، الذي يضع دائماً مسافة بينه وبين السلطة، هو ذلك المثقف "العضوي" ( تعبير غرامشي) الذي يحمل هموم البائسين وقضايا الشعوب ويرفض الظلم، وقد يدفع ثمناً غالياً في حريته وفي مصدر رزقه كالكتابة، بينما "مثقف السلطان" هو مجرد كاتب أجير لدى السلطة، كتاباته لها ثمن، وفكره مجرد سلعة رخيصة تباع وتشترى في أسواق الجهل المظلمة.
  مثقف السلطة، له دراية وثقافة، لكنه لا يوظفها من أجل البائسين ومن أجل حريات  وحقوق المسحوقين من قبل السلطات الحاكمة، إنما يستغل ثقافة البؤس وسلاسة الكلمة من أجل "تزويق" عرش السلطان، هو يمارس دائماً، وحسب الطلب، عملية تجميل للوجه البشع للاستبداد بمشرط القلم. حين يقوم بذلك، فهو يؤدي دوراً مهماً من أدوار "وعاظ السلاطين" كما كتب عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، حين يباشر هذا الواعظ  الأجير واجبه كما يطلب منه السيد المالك شاريا قلمه وفكره بثمن معلوم، يؤدي هذا المثقف الأجير وظيفة وزارة الإعلام التي ابتلينا فيها بعالم النكد العربي، ويقوم مثقف السلطة بمهمة الإعلان والدعاية لهذا النظام أو ذاك، ويغطي فضائح الأنظمة بستار معلومات كاذبة، يروج لها، ويهلل من أجلها، ويضع السم في الدسم، فالكلمات والحكمة  المطلوبة لها ثمن، كما أخبرنا بريخت في مسرحية "مؤتمر غاسلي العقول"، وهو بهذا يقوم بأكبر عملية تضليل لوعي الناس، حين يطلو اللون الأسود لشكل النظام بألوان جميلة جذابة مثيرة تحجب الحقيقة عن عيون الجهلاء وأنصاف المثقفين.
العمل الذي يؤديه مثقف السلطة هو تزوير للحقيقة وتدليس في التاريخ، وتاريخنا العربي- الإسلامي يشهد بالمثقفين من النوعين، الرديء وعالي الجودة، كاتب السلطان وكاتب الشعوب، خسرنا إدوارد سعيد وابتلينا بالكثيرين من كتبة السلاطين.
لن أرد على ما كتبه الأستاذ جهاد الخازن بحق المعارضة في الكويت أو البحرين، ولن أصنفه في أي فئة كانت، فهذا أتركه لحكم القارئ الواعي، وأعتقد أن ما كتبه عبدالله النيباري في قبس الأربعاء كافٍ.

احمد الصراف

خلود خلود

يشغل موضوع الخلود بال الكثيرين، سواء كانوا ملوكا، أباطرة، فاحشي الثراء أو بشراً عاديين. ولم يتغير الوضع منذ آلاف السنين، وما نجده من معتقدات وفرق دينية روحية ما كانت لتوجد لولا ما لمسته من رغبة لدى البشر في الخلود في هذه الدنيا أو ما بعدها. وما تركه قدماء المصريين من آثار ومومياء يؤكد ذلك، فالمصريون أكثر من اهتم بالتحضير للحياة الأخرى، أو العودة للحياة نفسها، بصورة أو بأخرى، ولذلك نجح «بطاركتهم» أو رجال الدين في إقناع الفرعون بأنه سيعود للحياة مرة أخرى متى ما تم تحنيطه بطريقة محددة، وعندما يعود للحياة سيكون بحاجة لأشياء كثيرة، وبالتالي دفنوا معه كميات من الذهب والمجوهرات والطعام. كما أن البحث عن «ينبوع الحياة» أو مياه الخلود لم يتوقف يوما، وأنتجت هوليوود أفلاما وكتبت قصصا تتعلق بأساطير الخلود، وللعلم رأيه في كل هذا، فالجسم البشري معرّض، مثله مثل جسم أي حيوان أو نبات، للتآكل الداخلي والخارجي، وأن من الصعب على أحد أن يعمر لأكثر من 125 عاما، في أفضل الأحوال، ولا يعني ذلك أنه ليس بالإمكان إطالة العمر لسنين عديدة أخرى، ولكن لا أحد حتى الآن يودّ دفع التكلفة الجسدية والنفسية لمثل هذا الأمر، الذي يتطلب الاستعداد له منذ الطفولة تقريبا! وبالتالي المسألة تتعلق بالكيفية وليس بالكمية، فما الفائدة من العيش طويلا ضمن نظام غذائي ومعيشي بائس؟ وحيث إنه لا أحد يعرف متى سيموت، فمن المهم بالتالي أن نجعل شيخوختنا جميلة، وهذا يتطلب جهدا اقل بكثير من الجهد المطلوب لإطالة العمر، وهنا يجب أن نقوم بتحسين مستوى معيشتنا وجعلها أكثر فائدة وسعادة، ولا يمكن أن نحقق ذلك بغير التوقف فورا عن «إقناع» أنفسنا، والآخرين، بأننا كبرنا، فليس هناك أسوأ من الاقتناع بهذا الأمر. ولا يعني ذلك أننا يجب أن نتصرف كالأطفال أو الشباب، بل أن نستمر في العيش كأننا في مقتبل العمر، وأن نكون نشطاء، ونقبل على تعلم شيء جديد كل يوم، والتعرف على الغير والسفر. وقد قمت شخصيا، وبعد أن تجاوزت الستين بسنوات عدة، بسحب اعترافي بـ«الكبر»، وسرعان ما لمست الفرق، حيث أصبحت أكثر قدرة على القيام بأمور لم أكن أتخيل أن بإمكاني القيام بها من قبل، حيث أصبحت أقطع في اليوم الواحد ما يقارب الـ11كم سيرا، وهذا ما لم يكن باستطاعتي القيام به قبل 20 عاما، وربما أكثر. كما يجب أن نهتم بصحتنا، إن أردنا منها أن تهتم بنا، فالموت غالبا لا يأتي فجأة، بل بتدرّج، والمرحلة السابقة للموت هي الأصعب، إن كنا من قليلي الاهتمام بصحتنا، حيث إن انعدام الرياضة في حياتنا، والسمنة المفرطة، وقلة الحركة، وعدم تناول الجيد من الطعام، سيكون له تأثير سلبي رهيب في السنوات القليلة السابقة للوفاة. كما أن الحياة المادية التي نعيشها، سواء أردنا أم لم نرد، تفرض علينا الاهتمام بتنمية ما نمتلك من مال، ليس بتكديسه، بل بتجنب السفاهة في صرفه بحجة أن الدنيا زائلة! وبالتالي يجب الصرف بحكمة على الجيد من الطعام والشراب، وأن نستخدم المال في كسب الأصدقاء والتمتع بنوم سليم، وبدرجة معقولة من النظافة، وكل هذه الأمور تحتاج للمال، حتى الاحتفاظ بعلاقات عائلية سليمة يتطلب الشيء ذاته، هذا غير ما يتطلبه العلاج والدواء. كما من الضروري لصحتنا النفسية نسيان أحقادنا وعداواتنا! ولفت نظري ما كتبه النائب نبيل الفضل من أن بينه وبين الصديق الآخر سامي النصف خلافا قديما، ولكنه نسي سببه. وقد ذكّرني ذلك بنفسي وبمن أختلف معهم، وحاولت أن أتذكر الإساءة أو الخطأ الذي اقترفه هؤلاء بحقي، والذي دفعني لمعاداتهم فلم أتذكر شيئا، فقمت بالاتصال باثنين منهم، مباركا وسائلا عن صحتهما! وأخيرا يجب أن ننسى فكرة الموت، فهو آت، فلمَ الانشغال به؟ فالبعض يكرهون الصيف ويحبون الفصل المعاكس له، وآخرون يكرهون الشتاء ويتجنبونه، وينتظرون الصيف بفارغ الصبر، ولو انشغل كل طرف بالشكوى مما سيأتي به الفصل التالي، فلن يهنأ بالفصل الذي هو فيه.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

سامي النصف

الكويتيون ومعارك باب الواد سنة 1948

التقيت في عمان عند السفير الكويتي النشط د.حمد الدعيج ـ اكثر الله من امثاله المخلصين والنشطين ـ بدكتور فلسطيني فاضل كان يعمل في جامعة الكويت وساهم في اخراج ملفاتها، واعطاني مقالا كتبه في الصحافة الاردنية عام 1990 لا اعتقد ان احدا من شعبنا قد اطلع عليه، وهو بعنوان «الكويتيون ومعارك باب الواد سنة 1948»، والمؤسف ان الدكتور الفاضل لم يضع اسمه على المقال كما غاب عن بالي اسمه كوني التقيته مع جمع كبير من الحضور، واليكم المقال الشائق الذي يستحق القراءة كونه يظهر شجاعة الكويتيين في معارك 1948 في فلسطين ومعها شجاعة الاخ الفلسطيني الذي كتب المقال في اجواء عام 1990 العاصفة والمعادية:

***

«كلمة حق، منصفة للتاريخ، بعيدة عن التهويل والادعاء، حين يكتب تاريخ الفترة المعاصرة، سيكتب بأحرف من نور وسائل الدعم التي قدمها ابناء شعبنا العربي الكويتي لابناء امتهم العربية في فلسطين على جميع المستويات الشعبية والرسمية.

غزيرة هي الدموع التي تذرفها امهاتنا الكويتيات عند رؤية ام فلسطينية فزعة على ابنها الذي تفجر الدم من رأسه واذنه بعصا صهيونية حاقدة، سيل من الملامة والحسرة والآهات يتحشرج في صدور بنات الكويت حين يبصرن صبية فلسطينية في عمر الورود يجرها ذاك الحاقد الصهيوني من شعرها، فقص الشعر وتصفيفه بالايدي الصهيونية غدا نضالا، فرحة قافزة تدب في اطفال الكويت حين يشجعون برعما فلسطينيا يضرب صهيونيا ملوثا بحجره، وقل مثل ذلك عن الشبان والشيوخ، النساء والرجال.

غير ان صلة روحية حميمة نسجت مع كويتيين شاركوا وبحق وحقيقة في القتال الى جانب اخوانهم في فلسطين، خاضوا حروبا ومعارك ميدانية، حملوا هوية «ام علمين» كما يقولون، وساروا يطوون البوادي والصحاري، يلبون النداء، انخرطوا في الجهاد، قاتلوا مع كوكبة المجاهدين الاوائل، كان منهم الوقور هادئ الطبع عبدالله عايض المليحان العازمي ومطلق السنافي العازمي ومحمد دغيمان السرهيد المطيري وصالح عبدالله المزيني، اما الاول فمازال على قيد الحياة، متعه الله بالصحة والعافية، ومد في عمره المديد، اما الثاني فانتقل الى جوار ربه.

عبدالله الكويتي، وهذا هو اسمه بين جنود الكتيبة التي ينتسب اليها، شارك في معارك القدس والخليل وكفار عصيون، وقاتل بضراوة في معارك باب الواد، ترقى فغدا رقيبا في ميادين القتال، ولباب الواد ذكرى عطرة عند عبدالله الكويتي، فقد حققت المجموعة النصر، ولم يستشهد منهم الا طباخ واحد، واما خسائر الاعداء فتشهد عليها النصب التذكارية التي اقامها الصهاينة في موقع المعركة، ويقدر ضخامتها زخم قطيع المستوطنين الذين يحضرون لزيارة القبور كل سنة، يحفظ عبدالله الكويتي الكثير والكثير عن فلسطين واهلها ورجالها ومدنها، وحين وقع ما وقع وعاد ابو طلال ليواصل خدمته عند الاهل والوطن وليجبل حبات عرقه بتراب الوطن، يحدث كيف كان اللقاء حارا ومؤثرا بينه وبين رفيق جهاده مشهور حديثه، رئيس اركان الجيش العربي الاردني آنذاك، جمعهما شرف العسكرية ووحّدهما صدق الاخلاص لله والارض العربية، وكان الدعاء: باذن الله ستعود فلسطين عربية، هي فلسطين دائما، ارض الاسلام، ارض كل العرب، (…) لا يمكن ان تنسى ابن الكويت وابن الاردن وابن فلسطين، وكل ابناء العرب الشرفاء قلب واحد في خندق واحد، ويد واحدة، موحدة».

***

آخر محطة:

التقيت على العشاء في الاردن بجمع كبير من الدكاترة والمثقفين الفلسطينيين بعضهم من عمان والبعض الآخر قادم من القدس والضفة، ولاحظت ان الخلاف مازال على اشده بين الحالمين والمتشددين الاقرب لنهج حماس من جهة والواقعيين والمعتدلين الاقرب لمسار فتح من جهة اخرى، ووجدت نفسي على خلاف مع مراسل جريدة «القدس» وصاحبها عبدالباري عطوان الذي يدعي التشدد، وسألته: لماذا يكتب عطوان عن القضية الفلسطينية من لندن؟!

مبارك الدويلة

سهود ومهود

اعتقد
ان الانزعاج الذي ابدته الحكومة من الاستجوابات التي قدمها نواب في مجلس الصوت الواحد هو انزعاج مفبرك ولا داعي له، لان الحكومة تعرف ان الامور سهود ومهود، وانه لن ينتج عن هذه الاستجوابات لا طرح ثقة ولا هم يحزنون، وان الحكومة تملك اغلبية مريحة حتى في تأجيلها او تحويلها إلى اللجان. اذاً، لماذا هذا الانزعاج المصطنع؟! اعتقد أن الجواب بكل بساطة ان الحكومة تريد ان توحي بان مجلس الصوت الواحد ليس في جيبها كما ادعى بعض نوابه، وانه مجلس يشمخ كما ذكر رئيسه، وانها خائفة من ممارسته للدور الرقابي بشكل يؤدي الى احراجها! في محاولة يائسة الى نفخ الروح فيه واعطائه شيئا من التوازن، بعد ان افتضح امر هذا المجلس وامر نوابه منذ ايامه الاولى، حتى قال عنه الناس اللي هذا اوله ينعاف تاليه.
البعض يعتقد ان ما يجري هو مقدمات لحل المجلس بحجة ان السلطة لا تريد ان يتم حله من المحكمة الدستورية! وهذا تفسير غير منطقي، فبعض الطعون التي تم تقديمها لن تسقط بحل المجلس، لانها متعلقة بصدور مرسوم الضرورة، ومن المحتمل ان يصدر حكم بعدم دستورية المرسوم، وبالتالي عدم دستورية المجلس، وان تمت اعادة الانتخابات بعد الحل المزعوم!؟ حتى سفر وزير الاوقاف الى المغرب اعتقد انه فصل من مسرحية الايحاء بجدية الامور وتأزيمها، لكن غاب عن مخرج المسرحية انه حتى لو ثبت ان الامور جدية وليست صورية كما اوحينا، فان العتب واللوم سيكونان على ابطال هذه المسرحية ومخرجها الذين جاؤوا بمجلس الصوت الواحد بحجة علاج مشاكل مجالس التأزيم السابقة، فإذا بهذا المجلس يفوقها بتأزيماته اللامنطقية.
• • •
المقابلة الصحفية التي نشرتها جريدة «الراي» مع المبدع مساعد الظفيري (عضو الامانة العامة للحركة الدستورية) حرية بان تكتب بماء الذهب! فقد رد فيها ابو ناصر على كل الشبهات التي يكررها خصوم الحركة بالادلة والبراهين، واستطاع ان يخاطب ضمير كل عاقل يبحث عن الحقيقة، لكن المشكلة ليست مع من يبحث عن الحقيقة بل مع ادعياء الثقافة والثقافة منهم براء. المشكلة مع الذين يشيعون الشبهات والافتراءات وهم يعلمون انهم يكذبون على القارئ المسكين. ولعل ما يكتبه عاشق سمية وكاتب المعابيج خير مثال، حيث يتحفنا يوميا باخبار يدعي انها حصرية وهو يعلم انها مختلقة من خياله المريض! أما آخر الافتراءات فكان أن النائب العام المصري الحالي من الاخوان المسلمين! وزاد الافتراء بمدح النائب العام السابق الذي تم طرده لسوء عمله عندما كان يعطي لنظام حسني مبارك نتائج قياسية في الانتخابات والاستفتاءات!
وبالمناسبة اقول للزملاء الكتاب اصحاب التوجهات الليبرالية والعلمانية.. كفاية ما كتبتموه عن الاخوان المسلمين تشويها لتاريخهم وافتراء عليهم، وتفرغوا لما ينفع بلدكم وشعبكم، اما الاخوان في مصر وغيرها فالتاريخ سيحكم لهم او عليهم، ولن يرحم احدا، واعمالهم بعد ان تسلموا السلطة ستكون شاهدا ودليلا، واتركوا الناس يشاهدون ويحكمون عليهم ولا تستغفلوا القراء وتظنوا انهم لا يفهمون او لا يعرفون الحقيقة، فقد تكذب على الناس بعض الوقت ولكن لا يمكن ان تكذب عليهم كل الوقت! انا اعلم ان مخلفات حسني مبارك الموجودة في بعض دول الخليج كمستشارين امنيين يدبرون توريط التيار الاسلامي في الخليج في تهم كيدية مثل الانقلاب على الحكم. وقد بدأوا فعلا في بعض الدول، ولكن الذي ما نفع بلده وهو فيها كيف ينفع الآخرين؟!

محمد الوشيحي

أتاتورك والبرتقالة الزرقاء (2)

"قشوريون" نحن، هذا ما كنت أعرفه سابقاً، لكن الجديد أننا "مازوخيون"، نعشق من عذبنا واحتل بلادنا واستعبدنا وامتهن كراماتنا وقادنا من آذاننا إلى التخلف المبين، ونكره من رفض احتلال بلداننا، وتركنا وشأننا. أتحدث هنا عن الدولة العثمانية والجمهورية التركية "الأتاتوركية".
قشوريون نحن لأننا على استعداد لتمجيد من يدعي رفع شعار الإسلام، حتى وإن كان حكمه يخالف مبادئ الإسلام، وحتى وإن كان "الخازوق" أداته في الإقناع والنقاش، كالخلافة العثمانية، التي بلغ التخلف والجهل في دولنا أثناء وجودها مرحلة "الجاهلية الثانية"… وكان السلاطين العثمانيون يتوارثون الشعوب والبلدان بخيراتها، وترتبط مصائر الناس وأقدارهم بمصير حاكم لم يختاروه ولن يشاركوه القرار، وهنا كانت شعلة الانقلاب الأتاتوركي وسببها "لسنا عبيداً".
عن نفسي، لن أزوج أتاتورك ابنتي، لأسباب أهمها أنه توفي، لذا لن أبحث في ملفات حياته الشخصية ولن أقلّب أوراق سهراته وحبه للباليه والفنون المسرحية والنحت والرسم والغناء ووو، بل سأمد منظاري المكبر إلى حيث طريقته في قيادة بلاده، وحروبه دفاعاً عنها، وأركز على التطور والتخلف والعدل والظلم، وهل لمؤسسات الدولة وقوانينها هيبة تُحترم أم تُنهتك، وما شابه.
على أن أكثر تهمة تعرض لها أتاتورك من قبل كارهيه هي "إسقاط الخلافة العثمانية" التي هي حصن المسلمين، واستبدالها بجمهورية علمانية، وكأن الإسلام كان مطبقاً في عهود سلاطين بني عثمان، الذي يحمل كل منهم لقب "ظل الله في الأرض" ويعاملون كأنصاف آلهة لا تجوز مناقشتهم، دع عنك محاسبتهم.
وحكاية "الدولة الإسلامية" مثيرة للشفقة وللكحة، خصوصاً عندما أتذكر ما فعله "أبو العباس السفاح" بقبور الخلفاء الأمويين، التي نبشها وأحرق جثامينها، وكل ذلك طبعاً دفاعاً عن الدين، وتعزيزاً للدين، كما ادعى… وقبل ذلك نشأت الدولة الأموية بالحرب على أحد أهم الصحابة، وهو علي بن أبي طالب، وأريقت دماء بعض الصحابة في عهد الدولة الأموية، الإسلامية جداً، وتوارث الحكم بعض الفسقة الماجنين…
وبالطبع الأمر ينسحب على كل "دولة دينية" لا إسلامية فحسب، وأرجو ألا تقول لي إن اليابان ترفع شعار الدولة الدينية ولهذا وصلت إلى ما وصلت إليه، وألا تقنعني أن قيادات فنلندا وهولندا واستراليا وبقية دول الصدارة العالمية يتبعون الأجندات الدينية في قيادة بلدانهم، وسأعتب عليك إن قارنت العدل في أيٍّ من الدول هذه بدولة ترفع شعار الدين، وسأبكي حزناً عليك إن قلت لي إن شعب النمسا يتسابق لتقبيل أيادي أبناء قيادييهم وأكتافهم، كما يحدث في بعض الدول التي ترفع شعار الإسلام، وسأبتاع رشاشاً سريع الطلقات، وسأكمن لك في الطريق، إن ذكرت لي أن الإسلام يسمح بذلك، ويسمح بأن يتولى شؤونك أشقاء الحاكم وأبناؤه وأقرباؤه، ويحق لهم تكوين الثروات الهائلة، وأنت ترزح تحت القهر الصامت، وأن يتوارثوك كما يتوارثون أثاث قصورهم، فلا فرق بينك وبين "البطانية"… ويؤسفني أن أقول لهؤلاء القشوريين إن العدل واحترام الشعوب اختفى بعد عهد "الخلفاء الراشدين" وعهد عمر بن عبدالعزيز، وقيل إنه (العدل) مات وقيل بل عثرت عليه قافلة كانت في طريقها من اليمن إلى اليابان.
وأرجوك اقترب لأهمس في أذنك: "الإسرائيليون حاكموا رئيسهم لحصوله على تذكرتين مجانيتين (لاحظ التهمة)". وسأقترب منك لتهمس في أذني عن أي رواية تتحدث عن محاسبة سلطان عثماني قتل آلافاً (لم أقل حصل على تذكرتين) من المسلمين الرافضين لاحتلاله بلادهم.
وأظنك مثلي واثق بأن الرؤساء الأوروبيين لن يمنحوك أراضي الدولة كهبة بعد أن تنظم فيهم قصيدة مديح، حتى لو أرادوا ذلك، للأسف الشديد، لكن مثلك يعذر ويقدر الظروف، فهم لا يملكون ذلك ولا يستطيعون، كما يملك ويستطيع سلاطين بني عثمان وأبناؤهم وبعض الحكام المسلمين الرافعين لشعار "الدولة الإسلامية".
وللحديث بقية تجر خلفها بقايا، للرد على القشوريين…

احمد الصراف

المرأة والمؤسسة

يقول المثل الفرنسي «إذا أردت أن تعرف رقي أمة، فانظر إلى نسائها»! وهذا صحيح ودقيق بالفعل، ولا داعي هنا لأن نطلب من أحد أن يسرح بخياله وينظر إلى حال نساء المسلمين اليوم في دول مثل مصر وإيران وإفغانستان وباكستان وتونس وليبيا ومالي، التي بكت نساؤها فرحا في الشوارع بعد أن نجح الفرنسيون في التخلّص من الأوباش الذين تحكموا بدولتهم! لا شك أن نسبة التعليم ارتفعت بين نساء هذه الدول، ولكنهن عدن، وفي السنوات الثلاثين الأخيرة، وبنسب كبيرة، باختيارهن أو بإرادة الرجل، إلى الوراء لباسا وفهما وعقلا ودورا في الحياة.

***
من حق الكويت أن تفتخر بأنها ربما تكون الدولة العربية الوحيدة التي قامت بإصدار قانون يجبر الشركات المساهمة على دفع نسبة مئوية من أرباحها لصندوق «مؤسسة الكويت للتقدم العلمي»، التي سبق أن أنشئت عام 1976 كمؤسسة نفع عام، والتي دخلت مرحلة جديدة ومبشرة بالخير باختيار مديرها العام الجديد.
تتلخص أهداف المؤسسة في دعم التطور العلمي والتكنولوجي عن طريق الدعم المادي للأبحاث، واستخدام نظام الجوائز كوسيلة لتشجيع البحث العلمي، وإقامة المؤتمرات العلمية، ونشر الوعي العلمي، والمساهمة في نشر الكتب والمجلات والموسوعات. ومن واقع أهداف المؤسسة نرى أن ما يتم صرفه على هذه الأنشطة قليل، أو لا يقارَن بما يردها من مبالغ من الشركات المساهمة، سنة بعد أخرى، وبالتالي لم يكن قرار تخفيض نسبة المساهمة إلى النصف تقريبا أمرا غريبا، وهنا نجد من المهم أن تبحث المؤسسة عن أساليب جديدة للاستفادة مما تحت يدها من مبالغ طائلة، وخاصة مع إدارتها المستنيرة والجديدة نسبيا.
ولو نظرنا لواقعنا في الكويت لوجدنا أننا نقع بجدارة ضمن الدول المتخلفة، وهذا لا جدال فيه، ومن هنا ربما جاءت فكرة إنشاء مثل هذه المؤسسة. وأسباب هذا التخلف معروفة، وغالبيتها متراكمة، ولكنها تتركز بنظري في تخلف المصنع الأساسي للتقدم، الذي يحمل الانسان لفترة ويلده ويربيه ويعلمه ويوجهه، فإن كان المصنع متخلفا في طريقة تفكيره وإدارته، جاءت مخرجاته متخلفة، وسيحدث ذلك مهما طورنا من البيئة المحيطة بالمصنع وزودناه مثلا بإنارة أفضل وطرق أكثر اتساعا، وأرصفة أجمل وحتى لو حسّنّا من الطقس فوقه، فمخرجاته سوف تبقى سيئة، ونقصد بالمصنع هنا المرأة الأم، الأخت والزوجة. فمن دون امرأة متقدمة لا يمكن تحقيق أي تقدم في أي مجال ولو صرفنا المليارات. ومن هنا نتمنى على مجلس أمناء المؤسسة توجيه جزء من أموالها لمساعدة الجمعيات النسائية والجمعيات المهتمة برفع مستوى المرأة وتثقيفها وزيادة وعيها، فلا يمكن تحقيق أي تقدم نوعي مهما صرفنا على الأبحاث والمؤتمرات ونشرنا من كتب إن كانت المرأة في بلداننا بمثل ما هي عليه الآن من تخلف، وما تتعرّض له من ظلم وتفرقة في المعاملة، وأرجو ألا يأتي من يعلق ويقول إن وضعها غير ذلك!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com