سعيد محمد سعيد

من يسرق أموال البلد؟

 

الإجابة عن السؤال الوارد في العنوان: «لا أحد؟!». بل ربما جاز لنا أن نقول أصلاً إن السؤال في أساسه خطأ في خطأ! فليس هناك أية سرقة لأموال البلد ولا أوجه فساد ولا تلاعب ولا عبث بالمال العام!

من يسرق أموال البلد؟ في حقيقته، سؤال من قبيل «طمبورها»! وأكثر ما يصيبنا كمواطنين بالحيرة والقلق، أن نؤمن بعبارة: «يوجد فساد… لكن لا يوجد مفسدون».

كيف ذلك؟ أقول إن الكثير من المواطنين وأنا منهم، يعلمون أن ديوان الرقابة المالية والإدارية أصدر حتى الآن تسعة تقارير سنوية يشيب لها رأس الطفل – كما يقولون – لشدة ما فيها من معلومات مهولة مذهلة حول التلاعب بالمال العام! ويا حسرة على تلك التقارير التي بذل فيها الديوان، مشكوراً بلا شك… مقدر الجهد بلا ريب، فهي – أي التقارير – تصبح مجرد حبر على ورق، في حين أن الوطن والمواطن على حد سواء، ينتظران أن ينال كل من عبث وتلاعب واستهان وتستر ولعب لعبته الدنيئة في أموال الشعب جزاءه الشديد الذي يستحقه… ووفق القانون.

وقبل أن استعرض بعض المحاور «الفسادية»، بودي أن ينتقل معي القارئ الكريم إلى شكل من أشكال الرفض الشعبي للفساد على مستوى الخليج العربي، فقد شارك الآلاف من المغردين الخليجيين في حملة أسموها «كلنا مفسدون»، ومن بين أولئك المغردين، الزميل المغرد والكاتب محمد العمري، ومما كتبه ساخراً: «لا أدري لو قُدّر لي يوماً أن أمسك منصباً من فئة «معالي» فهل سأكون فاسداً أم لا؟ وهل سيتجرأ زميلي حينها «معالي رئيس المكافحة» على وصمي بالمفسد؛ وبالتالي محاسبتي، أم أن الزمالة التي ستربطني به يومها ستجبره على غض الطرف عني والاتجاه إلى موظفي إدارتي الصغار والتنكيل بهم»!

أنا الآن مجرد موظف عادي، والكلام للعمري، وليست لدي أية فرصة «للفساد» بمعناه المتعارف عليه، وليس من صلاحياتي توقيع عقد بالملايين ولا الإشراف على أية مناقصة أو حتى التعاقد مع خبير ولا حتى مدرب لياقة أجنبي. كل ما يمكن أن «أفسد فيه» أشياء بسيطة، مثل مكنة التصوير التي أستغلها أحياناً لتصوير صفحات من كتاب الطهي لزوجتي «الفاسدة»، التي لا تحترم حقوق مؤلفة الكتاب «الفاسدة»، التي سرقت أغلب الطبخات من منتدى «حواء»، كما أقوم بتصوير بعض نماذج الاختبارات لأبنائي «المفسدين» الذين استطاعوا إقناع مدرسهم «الفاسد» بتزويدهم بمجموعة من الأسئلة التي لن يخرج عنها الاختبار، تحت نظر مدير ومالك المدرسة «المفسدَيْن» اللذين لا يهمهما سوى زيادة الأرباح. (انتهى الاقتباس).

هل يكمن الحل في إصدار التقارير الكاشفة للفساد والمفسدين، أم ملاحقتهم مهما كانت منزلتهم (الرفيعة في عالم الفساد)؟ ببساطة… سحبهم من آذانهم وتقديمهم إلى المساءلة القانونية ومن ثم إلى القضاء ليقول كلمته فيهم. وهذا ما طرحته حلقة نقاشية نظمتها الجمعية البحرينية للشفافية يوم (28 يناير/ كانون الثاني 2013) طالبت بضرورة قيام الحكومة والسلطة التشريعية ومنظمات المجتمع المدني والصحافة بتشديد القبضة على الفساد والمفسدين وفق ما ورد في التقارير التسعة من تجاوزات ومخالفات، مجمعين على «الخطورة الكارثية» لتجاهل حجم الفساد وتجميد التقرير في الأدراج، مع استمرار العبث بالمال العام وحماية المتورطين.

مع شديد الأسف، يبدو أن هناك تهاوناً واضحاً في ملاحقة الفساد والمتورطين فيه، ولا ندري لماذا تتهاون الدولة مع أعدائها وتغض الطرف عنهم! نعم، هم أعداء الدولة وأعداء المواطنين ولن نقول إنهم أعداء الدين «وإن كانوا كذلك»… فالذي يسرق أموال شعب ويعبث به هو بلا دين قطعاً!

حسناً… يستطيع أي مواطن أن يدخل على موقع ديوان الرقابة المالية والإدارية على شبكة الإنترنت ويشاهد الشريط المتحرك في زاوية أخبار وحوادث أعلى يسار الصفحة و (يمكن للمسئولين أيضاً أن يدخلوا إن أرادوا!)، ليقرأوا فيه، على سبيل المثال: «أغلب الجهات الرسمية لا تعرض وثائق مشترياتها على مجلس المناقصات»،… و «ممتلكات» ضخت 315 مليون دينار لـ «طيران الخليج» و «الحلبة» دون دراسات جدوى…»! و «سوق العمل» لم تتسلم رسوم تجديد تصاريح عمل بقيمة 7 ملايين دينار… «تنظيم الاتصالات» تحتفظ بفائض 1.2 مليون دينار من دون تحويله لـ «المالية»… «بابكو» تمرر مشاريع بـ 70 مليون دولار دون أخذ موافقة أصحاب الأسهم… والكثير الكثير الكثير.

أما في باب «الخطة الاستراتيجية»، يمكننا أن نقرأ عبارة غاية في الروعة تقول «رسالة الديوان… التحقق من سلامة ومشروعية استخدام الأموال العامة وحسن إدارتها»… يا جماعة! أفرحوا قلوبنا بتقديم المفسدين إلى المحاكم.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *