محمد الوشيحي

حفلة مشاري العصيمي

عندما يغني الأبطال، هكذا كان عنوان الفصل، أو عنوان شبيه به، في أحد الكتب التي تحدثت عن المقاومة الفرنسية في الحرب العالمية الثانية، ويتحدث الكاتب فيه عن بطولات شبان فرنسا، ويركز على أحدهم، كان عذب الصوت، صبوراً، شجاعاً، عاشقاً لفرنسا ولكرامة شعبها، إلى أن سقط وتناثرت أشلاؤه على ترابها.
تستغرق في قراءة أحداث الكتاب ولا تشعر بنفسك إلا وأنت تمسح دموعك التي تسللت فجأة من مخازنها وخرجت إلى العلن.
وأجزم لو أن الرواية لاقت انتشاراً وقتذاك لانضم إلى مجموعة الشاب الفرنسي البطل كل الأحرار المنتشرين في الأرض… وبحسب الكاتب، استطاع الفرنسيون إقناع الشاب باحتراف الغناء بعد تحرير فرنسا، وحصلوا على وعد منه بذلك، لكن قذيفة الطائرة الألمانية لم توافق.
ويوم أمس استمعنا واستمتعنا بتسجيل مسرب، انتشر بين الناس، لجزء من مرافعة "الفنان" مشاري العصيمي أمام المحكمة الدستورية، وكنا مجموعة ننتظر غداءنا، وبعد كل جملة يقولها، أو قذيفة يطلقها على الحكومة، كان تصفيقنا يعلو ويشتد، وكانت أكثر الكلمات ترديداً بيننا "الله الله الله عليك".
كان فناناً أبو طارق تتمايل الرؤوس طرباً لحديثه، وكان قناصاً يكفيه شعرة من رأس الفكرة المختبئة خلف الحائط ليرديها قتيلة في اللحظة… وهكذا هي الحروب والمعارك، السياسية منها والقتالية، تحتاج إلى عازف الناي كما تحتاج إلى المقاتل، وتحتاج إلى الممرض والممرضة كحاجتها إلى الطيار ورامي المدفعية، ولا تقل أهمية كأس الشاي في الحروب عن أهمية طلقة الرشاش، كما تعلمنا في الحياة العسكرية… أقول هذا رداً على كلام بعض الأصدقاء الذين عابوا على أبي طارق عدم مشاركته "الميدانية" في الحراك السياسي، رغم تأييدي لكلامهم.
وسألتقط هذا الخيط لأقولها بألسن شبان الحراك السياسي وأردد ما قالوه ويقولونه: "نحن لن نتراجع قيد أنملة ولا أصغر من ذلك، حتى وإن سعى البعض إلى شق صفوفنا من الداخل، أو لو تخلى عنا رموز العمل السياسي في السنين الماضية، أو لو اصطفت الرياح والأمطار إلى جانب السلطة… ولا يوجعنا إلا تخاذل بعض من يوافقنا الرأي ويؤيدنا".
هذا هو كلام الشبان الأحرار بعد أن اقتطعت منه جملة "تخاذل المؤيدين لنا عن نصرتنا أخطر علينا من تحامل السلطة وتعسفها".
وأقول: "ليس أجمل من أداء الفنان مشاري العصيمي إلا أداء شبان الحراك الأبطال، الذين لم يتسابقوا على المايكروفونات ولا على الأضواء، ولم يكلفوا صغار مؤيديهم بشتم فلان وعلان"، وأقسم قسماً لا أغلظ منه ولا أشرس إن همة هؤلاء الشبان تحرج الفولاذ وتقطع الألماس. والأيام بيننا.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *