القانون في الكويت يفهم ويأكل ويشرب، ويميز بين العدو والصديق، وهو ابن ستين في سبعين، وتذكرت درساً، كنا تلقيناه أثناء الحياة العسكرية، عن الألغام، وتذكرت حديث المدرب عن نوعية من الألغام الفرنسية التي لا ينقصها إلا الزواج والتكاثر ورعاية أبنائها وتدريسها في مدارس خاصة.
كانت ألغاماً "بعقليات" أقرب إلى البشر، كما فهمنا من الشرح، فقد كانت تميز بين العدو والصديق، وتعرف سيارات العدو وعساكره وسيارات الصديق وعساكره. وكانت فكرة الألغام الذكية قائمة على شريحة كمبيوتر تُحفظ فيها تفاصيل كل الآلات والآليات والعساكر الصديقة، وتتم بعد ذلك برمجة الألغام وحقنها بهذه المعلومات والتفاصيل، وتدور المعركة، وتمر آلية تابعة للعدو فوق اللغم فلا يتعرف عليها اللغم (كل ما لا يتعرف عليه يعتبره عدواً)، فيتحرك من "وضعية النوم" sleep mode إلى "وضعية العمل" active mode، في جزء من الثانية، وينفجر، "بعد أن يشخر لسائق سيارة العدو: فاكرني نايم يا روح أمك" على ذمة اللواء عبدالمعين.
وفي حال مرور صديق، يعود اللغم إلى وضعية النوم: "بالسلامة يا باشا". كان اللغم فرنسياً، هذا صحيح، لكن أمه الفاضلة من "إمبابة"، فالفرنسيون أو من تربى على يد فرنسية لا يجيد "الشخر" أبداً.
وإذا كانت فرنسا صنعت ألغاماً بهذا الذكاء، فقد صنعت السلطة عندنا قانوناً "يشمّخ" بأظافره جلود المعارضة، ويعض بأسنانه أنوفهم، ويشد شعرهم، بعد أن يتحول إلى "وضعية العمل"، فإذا مر صديق السلطة إلى جانبه عاد إلى "وضعية النوم" وأشعل سيجارته ومد رجليه على الطاولة وأطفأ الأضواء وأسدل الستائر، و"بالسلامة يا باشا".
ويدخل القانون قريتنا، فنسرح شعره ونعطّره ونجلسه في صدر مجلسنا، ويدخل قرية السلطة فتشتري له طوقاً تضعه على رقبته، وترمي له عظماً، وتشممه رائحة مخداتنا فينطلق علينا غاضباً وينهش لحمنا.
اليوم: 7 فبراير، 2013
لهيب يحرق الثقة
كل يوم يمر، والهوة بين السلطة والمواطنين تتسع وتكبر، فأمس الأول، وعلى أثر الأحكام الجزائية التي صدرت بحق النواب السابقين الداهوم والصواغ والطاحوس، تأججت نيران الغضب والسخط ضد السلطة، وشاهدنا صورتها في تجمُّع ديوان الصواغ والمسيرة التي أعقبته إلى ديوان الطاحوس، فقد أطلق المتجمعون هتافات قاسية ضد الأحكام القضائية بشكل خاص والسلطة الحاكمة بوجه عام، ولا أعلم بِمَ سيهتف المتجمعون بديوان مسلم البراك، وهو الذي سيكون في محكمة الجنايات يوم الاثنين المقبل بالتهمة ذاتها التي وجهت إلى زملائه الثلاثة وهي المساس بالذات الأميرية؟
هل يمكن للسلطة أن تحتوي الأزمة التي أخذت تكبر ككرة الثلج يوماً بعد يوم، وبعد كل قرار أو حكم حبس ضد مغرد أو ضد نائب سابق له ثقله الشعبي الكبير بين الناس، أم أن السلطة تراهن على عنصر الزمن، وأن المواطنين، بعد فترة، "يطخون" وسينسون، وكأن شيئاً لم يحدث، وبعدها تتكرم السلطة عليهم بما تجود بها أريحيتها من عطاءات مادية تكون بمثابة الأفيون المخدر لوعيهم وتطلعاتهم إلى المشاركة الحقيقية في السلطة! أو ربما يراهن أهل الحكم على تفكك الجماعات المعارضة لمرسوم الصوت الواحد الذي همّش شرائح عريضة من الشعب! يجوز، وهذا "الجواز" (الاحتمال) الذي قد يكون مهيمناً على فكر حكامنا هو الخطر على الدولة.
فليست قضية اليوم هي ما إذا كان المواطنون سيركدون وسيهدأون بعد فترة، طالت أم قصرت، أو أن المعارضة ستتوهج في أيام محدودة ثم يخبو نورها في أيام تالية، بكلام آخر هو تصور واهم أن المعارضة نفَسها قصير في غياب قيادة ذات نهج واضح قادرة على الحشد الشعبي دائماً.
أزمة اليوم الخطيرة هي التباعد بين السلطة والشعب، وهي الجدار الذي يعلو يوماً تلو آخر عازلاً بين أغلبية المواطنين المهمشين سياسياً وسلطة الحكم، ففي كل الأحوال التي يمكن تصورها عن "ركود" المعارضين الساخطين بعد فترة، أو الرهان على تفسخ وانحلال هممهم، ذلك كله تصورات قاصرة، ورهانات خاسرة في النهاية، فالثقة المفترضة بين السلطة والشعب إذا تحطمت لا يمكن إصلاحها، وهذا ما على السلطة أن تعيه جيداً، ولا تراهن على المجموعات الضيقة للمطبلين الملتفين حولها، فليس هؤلاء مَن يصح المراهنة على ولائهم، ولا يجوز النظر إلى أن مصالحهم وشرههم هي مصالح الدولة ومستقبلها… فهل ستحتوي السلطة أزمةً خلقتها بداية، أم ستظل في مكانها تتفرج ساهمة على لهب يحرق الدولة بمن فيها؟
يا حكومة.. شكراً
يعتقد البعض أن ما يكتب في الصحافة لا يلقى اهتماما من الجهات المعنية، وبالذات الحكومية، وأن لا جدوى من الكتابة والشكوى والتظلم، وهذا غير صحيح بالمطلق، فأمور كثيرة يتم تنفيذها وإنجازها بعد فترة، وبصمت، وهذه طبيعة العمل الحكومي، وبالتالي يجب ان نخفف من توقعاتنا قدر الإمكان في قدرة الأجهزة المترهلة على العمل بالسرعة المطلوبة، وأن نضع امورا عدة في الاعتبار قبل اصدار حكم قد يكون جائرا، فما ينشر من شكاوى ومقترحات في الصحافة المحلية، والأمر يسري على أي دولة، كثيرا، وأكثر من قدرة اي إدارة على التجاوب معه، خصوصا أنه ليس كل ما يكتب يستحق الاهتمام، أو أن يكون وراء الكتابة غرض شخصي. كما أن الإدارة الحكومية بطيئة في حركتها عادة بسبب بيروقراطيتها، حتى عند وجود رغبة قوية في التجاوب مع الشكوى او المقترح! وهنا نجد أن امورا يتم تنفيذها بعد فترة تجاوبا مع ما كتب، ولكن من دون ضجة. ومثال على ذلك مشكلة طريق النويصيب، شارع 290، والتي وقعت فيه، خلال السنوات العشر الأخيرة، حوادث كثيرة، وكانت حصيلة كل عام عددا من الوفيات البريئة والغالية، وهذا الطريق يؤدي إلى شاليهات ومنتجعات وإدارات حكومية بحرية وامنية عديدة وهو مستخدم طوال الأسبوع، وبخاصة خلال العطل والأعياد. ولتلافي مخاطر الطريق وتنبيه مستخدميه قام مواطن غيور، وبمبادرة شخصية منه، بوضع لوحات إرشادية عليه تحذر من السرعة والتجاوز، والانتباه للمنعطفات الخطرة، وقد كلفه ذلك مبلغا كبيرا، نظرا لجودة المواد التي استخدمها في صناعة تلك اللوحات وتثبيتها بطريقة جيدة! وهنا انتبه «ربعنا» البنغال لما لتلك اللوحات من قيمة، فقاموا بخلعها من أماكنها وبيعها كألمنيوم خردة، وخلال ستة اشهر لم يتبق من تلك اللوحات الإرشادية غير القواعد الاسمنتية! وهنا اضطر الرجل لاستبدالها بلوحات أخرى، ولكن من نوعية أقل جودة بكثير. وبعد مطالبات عدة من قبله، والكتابة عن الموضوع، تحركت معدات وزارة الأشغال وبدأت العمل بذلك الطريق الحيوي، لجعله أكثر أمانا لمستخدميه، وهذا يصب في مصلحة راحة الجميع وسلامتهم، وفي إنقاذ ارواح المواطنين والمقيمين.
وكمثال آخر على اهتمام «الحكومة» بما ينشر في وسائل الإعلام ما تطرق له وزير البلدية وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، الشيخ محمد العبدالله، من أن الحكومة مهتمة بما صرح به الوزير السابق شعيب المويزري لوسائل الإعلام (ومنها «قناة اليوم» التي لم نستطع حتى الآن بلع مبررات إغلاقها) عن السرقات والتجاوزات المالية الكبيرة في المال العام. وقال الشيخ محمد ان اتهامات المويزري خطرة وسيتم التحقيق فيها والتحقق مما ورد على لسانه! ونتمنى ألا ننتظر طويلا لسماع رد الحكومة على تلك الاتهامات، هذا إذا لم يتم خنقها ودفنها!
أحمد الصراف