ما يحدث الآن في المشهد السياسي الكويتي ليس إلا مسرحية طبق الأصل من مسرحيات الشوارع التي كانت شائعة في مصر في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. ويقول المؤرخون الفنيون إن "الممثلين" كانوا ينتقلون من منطقة إلى منطقة ومن شارع إلى آخر، وكانت قصة المسرحية تختلف باختلاف المناطق والشوارع، وباختلاف ملابس المشاهدين ومستوياتهم، وقد يتغير مسار الفكرة إذا دبت خناقة في الشارع أو بكى طفل على ذراع أمه أو أو أو. ويقول آخرون إن فكرة المسرحية يرسمها المتجمهرون بصيحة أو تعليق، فيلتقطها منهم الثلاثي ويبنون عليها في الحال حواراتهم، على وقع تصفيق الناس وضحكاتهم، إذ يقف الثلاثي أحياناً بين الناس دون أن يكون لديهم فكرة أو موضوع للحديث عنه، ويتبادلون التعليقات والقفشات مع البسطاء المحيطين بهم، وكان الله غفوراً رحيماً.
الأمر ذاته هنا، طبعاً دع عنك الحكومة وسوالف الحكومة وضياع الحكومة، فهذا هو العادي، وتعال نشوف البرلمان ونضحك أو نبكي أو نلطم، أيها قبل، لتتأكد أنها مسرحية شارع قطفة أولى.
البرلمان تخصص في تحويل أقوال المعارضة وتصرفات شبان الحراك إلى "أفكار مسرحية"، فقانون حبس كل من يرفض الوقوف للعلم جاء رداً على تصرف النائب السابق محمد هايف، وحبس كل من يحتشد أمام قصر العدل أو في أروقته جاء رداً على تجمع الناس في قضية مسلم البراك، والمطالبة بعودة قانون التجنيد الإلزامي، مع تأييدي لعودته بعد تحسينه، جاءت رداً على تجمعات شباب الحراك السياسي، ورغبة في إبعادهم عن المشهد، وحجزهم في معسكرات الجيش، وغيرها الكثير من اقتراحات القوانين التي تتتبع المعارضة، وتراقبها "مان تو مان" أو "برلمان تو مان".
لا شيء أكثر من المراقبة اللصيقة للمعارضة ومناكفتها بطفولية باهتة، اللهم إلا طلب "زيادات للرواتب" وعلاوات وما شابه من الاقتراحات التي يتفوق فيها "عسكر العنزي" ومن شابهه من سيناتورات البرلمات.
ولأن بعض نواب هذا البرلمان الممجوج يمضون الليالي والأيام بحثاً عن تصرفات المعارضة لاستنباط فكرة منها وصياغة اقتراحات مضادة لها، سأكشف للنواب هؤلاء سراً لعلهم يتصرفون بسرعة ويبادرون بصياغة اقتراح بقانون بخصوصه، فقد اكتشفت أن عدداً من السياسيين المعارضين والنواب السابقين يعشقون "وجبة السباغيتي" بشكل مثير ولافت للنظر، أقول ذلك وأنا شاهد عيان، وليتكم شاهدتم كيف "يمخمخ" فلاح الصواغ وهو يأكلها، أو كيف ينسى فيصل المسلم الطاولة ومن عليها وتخنقه العبرة على السباغيتي، ولولا الحياء لضم الطبق على صدره وأطفأ الأنوار، وغيرهما كجمعان الحربش وفيصل اليحيى والطبطبائي والبرغش ووو…
خذوها مني، صوغوا اقتراحاً بقانون يمنع استيراد السباغيتي، وستهرول المعارضة للجلوس معكم على طاولة الطعام.
أما خالد الطاحوس، فيكفي صياغة اقتراح بقانون يمنع ارتداء القميص تحت الدشداشة، وأضمن لكم أن ينشق عن المعارضة ويرفع شعار "طاعة ولي الأمر"، وقانون منع القهوة سيدفع الكاتبجي الوشيحي إلى مباشرة إجراءات الهجرة.
اليوم: 5 فبراير، 2013
الفكر الديني وإشارة المرور
عقد أول مؤتمر دولي لمنظمة السياحة والطرق في باريس عام 1900، وتم خلاله، وما تبعه من مؤتمر آخر عقد في روما بعدها بفترة وضع أسس أو اشكال أول علامات أو لوحات الطرق الإرشادية الرئيسية، سواء تلك التي تبين المنحنيات والتحذير منها، أو التي تبين مناطق مرور القطارات، وضرورة التوقف عندها. وبالتالي يمكن القول ان غالبية لوحات المرور، الدولية والرئيسية، يعود تاريخها لمائة عام فقط! هذا من جانب، ومن جانب آخر دار صراع خفي في العراق بين جماعتين دينيتين رئيسيتين، تدعي كل واحدة بأنها أحق من الأخرى، حسب تفسيرها الديني، وأنها على صواب! ويعتقد الكثيرون أن تخلف العراق ناجم عن صراعه الطائفي! ولكن لو قسمنا العراق، المتخلف والمنهار في كل حقل، إلى دولتين، واحدة لكل فريق فهل سنحصل على دولتين متقدمتين خاليتين من الأحقاد والحروب المذهبية والاختلاف الديني، وبالتالي متقدمتين علميا وفكريا؟ الجواب بالنفي طبعا! فلدينا دول «خالصة» مذهبيا، وغنية بمختلف الموارد، ومع هذا تشكو تقريبا من كل أعراض التخلف، ولم تشفع لها وحدانية مذهبها في أن تكون أفضل من تلك المتعددة المذاهب والديانات والثقافات! وبالتالي فإن المشكلة في العراق ليست طائفية، كما يحب البعض تصوير الأمر، ولا في اختلاف العقائد ولا في تعددها، ولا في موالاة هذا لذلك، والآخر لغيره، بل في الفكر الديني الذي سمح بوجود مثل هذه الاختلافات، ولرجال الدين، والمتاجرين به والمستفيدين من الاختلافات، الذين مهدوا بمكرهم وسوء نواياهم لهذه الاختلافات لتزداد ولتشحن النفوس وتشعل مكامن الحقد فيها! ولو نظرنا مثلا لإشارات المرور التي يتبعها ما يقارب النصف مليار سائق في العالم، لوجدنا أنها تنظم حركة سائقي المركبات وأماكن وقوفهم وانتظارهم، وتلفت نظرهم لمخاطر الطريق ومطباته وطريقة استخدام الشارع بشكل لا يضايق الآخرين، ولا يشكل خطرا على حياتهم وحياة غيرهم من سائقين ومشاة، التي استقر العرف الدولي عليها، وقبلها، منذ اكثر من مائة عام من دون اختلاف أو تعدد في التفسير والشرح والاستنباط فيما يعنيه هذا الشكل في هذا البلد، مقارنة ببلد آخر. فلو أخذنا مثلا لوحة: ممنوع الوقوف، التي تحمل حرف P داخلها وعلى الحرف خط يقطعه بالعرض «/» لوجدنا أن جميع سائقي العالم يعرفون أنها تعني شيئا محددا لا يمكن الاختلاف عليه. ولو قمنا بإزالة الخط فالمعنى سيكون العكس، وهذا ما يعرفه الهندي الأمي، الذي لا يعرف غير التكلم بلغته، والصيني الأمي الذي لا يعرف غير لغته والعربي الأمي، الذي لا يعرف غير لغته، ولو كانوا أنصاف متعلمين، مشاة أو سائقي مركبات، في أي بقعة على الأرض من جبال الهملايا حتى صحارى سيبيريا! فإذا كان بإمكان عقول سبعة مليارات من البشر أن تتفق على معنى إشارة مرور واحدة على الأقل، فكيف نعجز، بعد أكثر من ألف عام عن الاتفاق على الصحيح من معتقداتنا والسليم في طريقة عباداتنا؟!
أحمد الصراف
www.kalama nas.com